2007-03-23 • فتوى رقم 11434
باسمه تعالى
يوجد في بعض المواقع التنصيرية في الإنترنت شبهات يطلقونها ضد الدين الإسلامي، وبالتحديد ضد القرآن الكريم.
من هذه الشبهات ما يذكرون -وأنا أذكر بعضاً منها- هي كثرة الأخطاء النحوية في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى ﴿لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:162]، والشبهة هي في كلمة ﴿والمقيمين﴾، فلماذا نصب المعطوف على المرفوع؟
ومثل آخر من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة:69] الشبهة في كلمة ﴿الصابئون﴾ فلماذا رفع المعطوف على اسم إن؟
أفيدوني، جزاكم الله خير الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالشبه التي تثار حول هذا الموضوع تدل على جهل قائليها باللغة العربية، فهم لا يعرفون لغات العرب ولهجاتهم، ويحاولون من خلال جهلهم هذا أن يشككوا المسلمين بقرآنهم، وأبين لك ذلك فيما ذكرت من مثال:
فعطف ﴿المقيمين﴾ بالنصب طريقة عربية في عطف الأسماء الدالّة على صفات محامدَ على أمثالها، فيجوز في بعض المعطوفات النصب على التخصيص بالمدح، والرفعُ على الاستئناف للاهتمام، كما فعلوا ذلك في النعوت المتتابعة، سواء كانت بدون عطف أم بعطف، كقوله تعالى: ﴿ولكنْ البِرّ من آمن ...﴾ إلى قوله ﴿والصابرين﴾ [البقرة:177]. قال سيبويه في «كتابه» «بابُ ما ينتصب في التعظيم والمدح، وإن شئت جَعلته صفة فجرَى على الأول، وإن شئتَ قطعته فابتدأتَه»، وذَكر من قبيل ما نحن بصدده هذه الآية فقال: «فلو كان كلُّه رفعاً كان جيّداً» ، ومثْله ﴿والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضّرّاء﴾ [البقرة:177]، ونظيره قول الخِرْنق:
لا يبْعَدَنْ قومي الذي هُمُو ... سُمّ العُداة وآفَة الجزر
النازلون بكلّ معترك ... والطيِّبيّين معاقِدَ الأزْر
في رواية يونس عن العرب: برفع (النازلون) ونصب (الطيِّبيين)، لتكون نظير هذه الآية.
والظاهر أنّ هذا ممّا يجري على قصد التفنّن عند تكرّر المتتابعات، ولذلك تكرّر وقوعه في القرآن في معطوفات متتابعات كما في سورة البقرة وفي هذه الآية، وفي قوله: ﴿والصابون﴾ في سورة المائدة (69).
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.