2007-04-25 • فتوى رقم 13825
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أنا شخص بعيد عن الله بعد المشرق عن المغرب، ارتكبت كل الكبائر في شبابي، بعدها أدركت خطورة الموقف، فأصابني خوف شديد؛ لدرجة أني وصلت إلى أن لا أحضر صلاة الجمعة؛ لأن المواعظ التي أسمعها تجعلني حزين ومضطرب لعدة أيام، بل أخشى أن ينكشف أمري أمام المصلين لو وعظنا الإمام موعظة شديدة متعلقة بذنب سبق وأن ارتكبته، وإذا رأيت شخصا ملتزما أشعر بالحزن، حياتي معقدة، أريد أن أتوب إلى الله، أريد أن استرجع ثقتي بنفسي، لقد أصبحت أحتقرها، أشعر بالمقت من أبي لأنه لم يفقهني في ديني، والأخطر من ذلك عندما أصلي لا تجدني أجتهد في صلاتي لأنه يأتيني هاتف من أعماق نفسي يقول لي: لا تتعب نفسك؛ إن الصلاة لا تكفر ذنوبك العظيمة، حتى رمضان أحيانا كثيرة لا أصلي التراويح لأنه يأتيني هاتف من أعماقي يقول لي: رمضان وما أدراك ما رمضان؟ ولا يكفر كبائرك، فأقول: كيف برمضان وعظمته ورغم ذلك إن صمت كما يجب خرجت من رمضان بنفس الكبائر القديمة، فأصبحت أحتقر العبادات التي لا تكفر الكبائر، ودخلت في تفكير معقد، ما العمل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلقد أخطأت كثيراً فيما سبق، وأول ما أبشرك به هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الجليل عن الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي) رواه البخاري، فليكن ظنك بالله عز وجل خيرا فإن الله هو الغفور الرحيم.
وعليك الآن التوبة النصوح مما سبق فعله من الذنوب، فإنها تمو الذنوب كلها بإن الله تعالى، بل تبدل السيئات حسنات بفضل الله تعالى إن صدق العبد بها، كما قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ [الفرقان:70].
ومن شروط التوبة النصوح أن توقف عن الذنوب السابقة، مع العزم والتصميم على عدم الرجوع إليها في المستقبل, والإكثار من الاستفغار، عسى الله عز وجل أن يغفر لنا ولكم، وإذا كان فيما سبق حق لآدمي فلا بد من طلب السماح منه أو توفيته حقه.
ويتم تطبيق ذلك عملياً بالبعد عن أسباب المعاصي، ومجاهدة النفس وعدم الاستسلام لها إن أمرت بما لا يحل، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت:69]، وقال أيضًا: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40-41]، ثم البعد عن رفقة السوء، ثم الانشغال بطاعة الله سبحانه تعالى ومراقبته وكثرة الذكر له، والتذكر الدائم للموت.
وعليك قضاء ما فاتك من صلوات أو صوم؛ لأنها تبقى في ذمة الإنسان، فكل ماهو مطلوب منك الآن أن تقدر الأوقات التي تركت الصلاة فيها منذ البلوغ، ثم تقضي ذلك بحسب قدرتك وإمكانك على مهلك، فتقضي مع كل صلاة وقتية صلاة سابقة أو أكثر، ولك أن تقضي الفروض السابقة بدلا من السنن الحالية إذا تعذر الجمع بين القضاء والسنن، لأن الفروض مقدمة على السنن، ولك أن تقضي العشاء في وقت الظهر أو العصر أو غير ذلك، ولك أن تقضيها كلها في الليل إذا شئت، ولك أن تقضي أكثر من فرض واحد في الوقت الواحد، وأسأل الله تعالى لك القبول.
وكذلك الصوم، عليك قضاء ما فاتك منه على مهلك.
ثم إذا كنت راضيا عن توبتك فذلك إشعار بقبولها عند الله تعالى إن شاء الله تعالى.
ولا تلتفت بعد ذلك إلى الخواطر الشيطانية التي تأتيك لتصرفك عما أنت عليه من الخير بعد التوبة، لتعيدك إلى ما كنت عليه سابقاً.
وأتمنى لك التوفيق، والثبات على التوبة.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.