2007-05-29 • فتوى رقم 16528
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، أما بعد:
فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله
كيف يمكن لشخص ارتكب الكبائر، ثم ندم وتوقف عنها أن يشعر بالرغبة في الإقدام على دينه والترقي فيه، وهو يعلم ما يلي:
1- هناك شخص مؤمن بالله فعل ما يوجب دخوله النار، ولما حضرته الوفاة -وخوفا من الله- طلب من أولاده أن يحرقوه وينثروا رماده.
هذا الشخص فعله هذا أخرجه من النار، ولم ينقذه منها.
2- شخص كان يرسل غلمانه لاسترجاع أمواله، وكان يأمرهم بالتجاوز عن المعسرين، فعله هذا أخرجه من النار ولم ينقذه منها.
3- لا يجاور الله في الجنة إلا الطيبين، فصاحب الكبائر لا بد له أن يتطهر من ذنوبه بالنار، كيف يقبل على التوبة من يعلم مسبقا بأن هناك احتمال كبير بمروره على النار؟
4- إذا كان صاحب الكبائر يعلم أنه سيمر على النار على الأرجح، كيف لهذا المذنب أن يعيش بقية عمره مقبلاً غير مدبر، متفائلاً غير حزيناً؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فعلى هذا الشخص أن يتوب توبة نصوحاً من جميع ذنوبه، فإن التوبة الصادقة النصوح التي يتبعها عمل صالح تمحو الذنوب كلها بإذن الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه:82].
بل تنقلب السيئات إلى حسنات بفضل الله تعالى إن صدقت التوبة، قال تعالى: ﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الفرقان:70].
وأبشره بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الجليل عن الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي) رواه البخاري، فليكن ظنه بالله عز وجل خيرا، فإن الله هو الغفور الرحيم.
بل إن الله عز وجل غفر لمن ذكرت أولاً، فقد أخرج البخاري عن ربعي بن حراش قال: قال عقبة لحذيفة: ألا تحدثنا ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول: (إن رجلا حضره الموت لما أيس من الحياة، أوصى أهله: إذا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا، ثم أوروا نارا، حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها، فذروني في اليم في يوم حار أو راح، فجمعه الله فقال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك؛ فغفر له).
وتجاوز عمن ذكرت ثانياً، فقد أخرج مسلم عن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس وكان موسرا، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال: قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه؛ تجاوزوا عنه).
ثم إذا كان راضيا عن توبته فذلك إشعار بقبولها عند الله تعالى إن شاء الله تعالى.
والتوبة النصوح تتطلب التوقف عن المعصية والندم عليها والعزم على عدم العود إليها في المستقبل، ورد الحقوق إلى أصحابها إذا كان فيبها اعتداء على حق إنسان، أو طلب السماح منه.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.