2007-08-20 • فتوى رقم 20256
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشيخ الفاضل:
أنا شاب أبلغ من العمر 35 عاماً، أفنيت عمري بقرار من نفسي بالوقوف إلى جانب والدي، ولم أفكر في نفسي لحظة أمام رضاه وطاعته.
عملت كثيراً وجنيت المال الكثير، ولم أبق لنفسي إلا القدر اليسير الذي أعيش فيه بغربتي.
عدت من أجل والدي كي أقف إلى جانبه بعد أن أصابه المرض، وتعافي والحمد لله، ولكن ليس بالكثير.
قرر عندها أنه آن الأوان لكي أتزوج، وأنا لا أملك درهما واحداً في جيبي، ولكن لدي بيتي وعملي، والحمد لله كثيراً.
قام الوالد بطلب قرض حسن بدون فوائد لي كي أتمكن من الزواج، ولكن المبلغ المطلوب لا يكفي لهذا الزواج، لارتفاع التكاليف تبعا للعادات والتقاليد.
وبدأ الوالد والوالدة والأقرباء والأخوات والأصدقاء بالبحث عن فتيات مناسبات، وعندها اختاروا واحدة قمنا بزيارتهم، وتم الاتفاق بحمد الله.
استخرت مرات ومرات ومرات، ودعوت الكثير وما زلت لهذه اللحظة مطمئن ومرتاح ومنشرح الصدر، حتى أتت اللحظة التي بدأت الوساوس تغزو صدر أبي بدون أي مبررات، وبدأ يتحدث بأشياء ليس لها أي اعتبار، وقام بكل بساطة بإلغاء الاتفاق مع والدها دون علمي، ونحن أثناء مرحلة الاتفاق على المواعيد لقراءة الفاتحة والخطبة والزواج.
وبدأ والدي بمخاطبة الأقرباء لإقناعهم بإقناعي بترك هذه الفتاة ذات الخلق والدين والأصل والتربية الصالحة، والأهل الطيبون والبيت المؤمن، ووالدي نفسه لا ينكر ذلك أبداً، ويعلم توافقنا أنا والفتاة، وموافقتنا على كل شيء، وحتى أدق التفاصيل في حياتنا قمنا بالتحدث فيها، وكلنا رضى عن كل شيء، لم يبق إلا الزواج حتى قام والدي بإلغاء الموضوع.
الأسباب التي يتحدث بها لم تقنع أحداً حتى أقربائي الذين اختارهم لإقناعي بالعدول عن الفتاة، مثل أن القتاة عمرها 28 عاماً، وأنها قد لا تنجب أطفالاً، وأنها قد تثقل كاهلك بالطلبات الكثيرة بعد الزواج، وأن فتاة أصغر منها تكون أكثر قناعة، ويمكن السيطرة على تفكيرها، وأنه قام هو نفسه بالاستخارة لي ولم يرتح للموضوع بعد يوم من صلاته، وغير ذلك الكثير.
وهو الآن مصر بعناد شديد عدم تزويجي بها، وبلحظة قال: إني سأوصي من بعدي الأقرباء أن لا يقف إلى جانبك أحد إن قررت الزواج بها لاحقا بعد وفاتي، وكلما قام والدي بجمع العائلة ليتم إقناعي وأثناء المحاورة بيننا وعندما يجد نفسه قد أحيط بالجميع إقرارا بأن قراره كان خاطئا يثور والدي ويبدا بالصراخ، ويهدد بغضبه علي، وأنه سيمرض بسببي، ولم يعد يستطيع أقربائي حتى التدخل والقول له بأن قراره كان خاطئا، وأنه إذا كان يريد سعادة ابنه بان يزوجه هذه الفتاة، وكلهم قناعة بذلك.
دخل الشيطان بيننا بشدة، وهو ووالدتي مصران على ذلك دون نقاش، ولا يريدان إلا أن يتم ما يريدانه فقط، وأن أتزوج التي يريدونها فقط، وهم ما زالوا يبحثون الآن، وأنا ما زلت مصراً على هذه الفتاة التي لم يجد أحد فيها عيبا واحداً، وأنا نفسي لغاية الآن مرتاح من كثرة ما استخرت وصليت ودعوت ربي.
أحس بالظلم الشديد، والقهر والألم لما يفعله والدي.
أظهر للجميع أني شخص ضعيف لا أملك لنفسي قراراً، وبدأ يتدخل بكل شيء، حتى فيما أجهز به بيتي، حتى إنه أتاني رزق للعمل أفضل من الذي أعمل به وأوسع رزقا، وطلب بشدة عدم التوجه له وبدون نقاش.
يتحجج دائما عندما أناقشه أو أكلمه بأنني أريده أن يصاب بالمرض ثانية لكي أقتله وأتخلص منه.
لم ألجأ إلا إلى ربي، وبي من الظلم ما لم يحس به بشر، وهو يريد أن يملك كل مالي لكي يتحكم بي ويملك أمري بكل شيء.
أعلم أنه والدي، ولكني لا أدري ماذا أفعل، فما أخشاه هو أن يكرر ما فعله مع غيرها من الفتيات وغيرها، وإنه فعلها قبل ذلك منذ سنوات معي، وها هو يفعلها ثانية، وأنا الآن قررت عدم التفكير بالزواج مطلقاً لهذه الأسباب لأني لا أستطيع أن أعيش مع إنسانة تفرض علي، وأن يكون أبي وأمي من يتحكم بحياتي الخاصة معها بهذا الشكل، وما زلت للآن صامتاً لا أدري ماذا أفعل؟
تعبت كثيراً، وكلي أمل بالله أن ينير عقلي وقلبي، ويهدينا جميعا للأفضل.
والآن حالي صعب لعدم قدرتي على الزواج ممن اختاروها، ووجدت مع التوافق مع هذه الفتاة راحة واطمئنانا كبيراً، وبهذا قررت العزوف عن الزواج بغيرها حتى يأتي أمر الله.
والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فعليك أن تحاول إقناع والديك بهذه الفتاة -بما أنها على خلق ودين كما ذكرت- بأسلوب لطيف وبكل احترام، وتبذل جهدك في ذلك، فإن رضوا بها بعد ذلك تكون قد فزت بالأمرين معاً؛ بالفتاة وبرضا الوالدين.
وإلا فالأفضل لك البحث عن فتاة أخرى ترضي بها الله عز وجل ووالديك ونفسك، وتعتذر للأولى وأهلها بعدم موافقة أهلك عليها.
إلا أن ترى منهما تعنتاً فلك اختيار الفتاة التي ترغبها، خصوصاً إن توافر فيمن اخترت الصفات المطلوبة في الزوجة، مع السعي لبر والديك قدر استطاعتك.
وأتمنى لك التوفيق والسعادة.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.