2007-09-04 • فتوى رقم 21106
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قامت والدتي ببيع قطعه أرض وقسمت ثمنها علي أنا وإخوتي، بخصوص الجزء الخاص بي قامت بوضعه باسمي في البنك وفي دفتر توفير بفائدة ثابتة، والآخر في شهادة تستحق بعدها بـ 10 سنوات، وقد استحقت بالفعل(كان عمرى وقتها 16 عاماً)، الآن أنا أعلم أن هذا المال حرام، وأمي ترفض أن أقوم بالتخلص منه بحجة أن هذا المال لزواجي، وأنه لا يوجد غيره؛ لأن والدي متوفى، ودائماً تقول لي أنها هي التي ستتحمل الإثم، أريد نصيحتك لإقناع أمي بالتخلص من هذا المال، وهل لو لم تقبل هل لي أن أتخلص منه رغماً عنها، وهل آثم لو لم أتخلص منه، وهل كان على إثم من قبل أم لا؟
جزاكم الله كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فوضع المال في مؤسسة تنموية بقصد الحصول على فائدة من وراء ذلك غير متعلقة بالربح الحقيقي الذي يتحصل من هذا المال هو من الربا المحرم بقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة:275]، والربا من أشد المحرمات عند الله تعالى، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:278].
ثم أخذ هذه الفوائد والتخلص منها بدفعها للفقراء وفي طرق البر العامة أو تركها للمؤسسة الربوية، مما اختلف فيه المعاصرون من الفقهاء، فذهب الأكثرون إلى تفضيل أخذها من المؤسسة الربوية وصرفها للمحتاجين من الفقراء والمساكين دون الاستفادة منها بشيء للنفس مطلقا، لا طمعا في الأجر والمثوبة؛ لأن الله تعالى لا يقبل إلا طيبا، ولكن كفارة عن الخطأ الذي وقع فيه، وتخلصا من المال الحرام، والفقراء يأخذونها حلالاً إن شاء الله تعالى؛ لأن الحرام لا يتعدى الذمتين.
وذهب آخرون إلى عدم جواز أخذها أصلا، لأنها مال حرام فلا يجوز قبضه لأي سبب من الأسباب، وأنا أرجح القول الآخير.
وفي كل الأحوال يجب على من تورط بوضع ماله بالربا أن يسحبه فوراً ويتوب إلى الله تعالى، ولا يجوز له الاستمرار بالترابي بنية التصدق بمبلغ الفوائد الربوية باتفاق الفقهاء، والمخاطر من وراء الربا عظيمة جداً، فالربا من الكبائر، وقد ذكر اللّه تعالى لآكل الرّبا خمساً من العقوبات:
إحداها : التّخبّط. قال اللّه تعالى : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ» .
الثّانية : المحق. قال تعالى : «يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا» والمراد الهلاك والاستئصال، وقيل ذهاب البركة والاستمتاع حتّى لا ينتفع به، ولا ولده بعده.
الثّالثة: الحرب. قال اللّه تعالى : «فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه» .
الرّابعة : الكفر. قال اللّه تعالى : «وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» وقال سبحانه بعد ذكر االربا: «وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» أي كفّارٍ باستحلال الرّبا، أثيمٍ فاجرٍ بأكل الرّبا.
الخامسة: الخلود في النّار. قال تعالى : « وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» .
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا: يارسول اللّه وما هنّ؟ قال: الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
وما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي الله تعالى عنهما قال: « لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء».
فحاولي أن تستمري في نصح والددتك بالكلمة الطيبة، لكي تبتعد عن الربا، وأكثري من الدعاء لها بالهداية، وأسأل الله له البعد عن ارتكاب المحرمات، وبما أن والدتك قد وهبتك المال قبل وضعه في الربا، فهو لك، وعليك التخلص من الفوائد الربوية، مع سحبه في أقرب وقت.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.