2007-10-29 • فتوى رقم 23460
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام وأنت وإدارة الموقع بألف خير.
كنت قد عرضت في السابق سؤالاً حول أسهم البنوك، وحول المضاربة بها، فأرجو منك تفصيل هذا السؤال بعد إذنك.
الموضوع هو أنني كنت أملك أسهماً من بنك فلسطين المحدود، وهو بنك فلسطيني ورثتها عن والدي، عندما دخلت هذه الأسهم السوق المالي (البورصة) قمت ببيعها لغرض المضاربة، وقمت بشراء بدلها أسهماً في شركة إستثمارية لكن أموالي فيها خسرت الكثير نتيجة هبوط سعرها في السوق (هنا أنا خسران تقريباً نصف المبلغ) صبرت في السوق 3 سنوات لكي أخرج لو برأس المال دون جدوى؛ لأن جميع الأسهم العاملة في السوق يكاد نشاطها في السوق يعوض خسارتي, إلا سهم واحد وهو سهم بنك فلسطين فهو دائما نشط ويرتفع في كل نهاية سنة، لكنني قبل أن أتخذ القرار في غزة شاورت المفتي الشيخ عبد الكريم الكحلوت، وأخبرته بما سبق أعلاه، وأخبرته أنني أريد الرجوع لبنك فلسطين فقط لتعويض خسارتي من خلال المضاربة في السعر، والخروج منه مباشرة فور تحقيق ذلك الغرض، وليس بسبب أنه مربح لا بل أنا أعرف أنه بنك ربوي ( لكن الحاجة تبرر الوسيلة) وأنا أريد تعويض خسارتي فقط لا غير) فأجابني الشيخ الكحلوت بالرفض التام وحرمانية ذلك، فهل أنت تنصحني بالدخول في أسهم البنك وتعويض خسارتي والخروج منه فوراً، أم لا تنصح، علماً بأني صامد على هذه الحال 3 سنوات دون جدوى، وكنت أرى أسهم هذا البنك ترتفع أمامي وأنا لا أتحرك، وإذا كان ردك كرد الشيخ الكحلوت، فما عقاب من يضارب بأسهم البنوك فأريدك أن تقنعني وتخيفني من العقاب كي أقف مكاني فوراً، وهل هذا العقاب كمن يتعامل بالربا مباشرة؟
وجزاك الله كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالإيداع في البنوك الربوية للاستثمار وأخذ الفوائد محرم؛ لأنه ربا، والربا من أشد المحرمات شرعا، فهو من كبائر الذنوب، قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ [البقرة:275]، ]، فمن ارتكب إثم الربا فعليه أن يسارع إلى سحب ماله المودع بالربا، مع التوبة والندم والاستغفار، وعليه أن يتخلص من الفوائد المحرمة بدفعها إلى الفقراء والمساكين لا طمعا في الأجر والمثوبة؛ لأن الله تعالى لا يقبل إلا طيبا، ولكن كفارة عن الخطأ الذي وقعت فيه، وحسبك أن تعلم أن الله تعالى آذن المتعامل بالربا بالحرب، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ، وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }. سورة البقرة[275 - 281].
فقد ذكر اللّه تعالى لآكل الرّبا خمساً من العقوبات:
إحداها : التّخبّط. قال اللّه تعالى : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ» .
الثّانية : المحق. قال تعالى : «يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا» والمراد الهلاك والاستئصال، وقيل ذهاب البركة والاستمتاع حتّى لا ينتفع به، ولا ولده بعده.
الثّالثة: الحرب. قال اللّه تعالى : «فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِه» .
الرّابعة : الكفر. قال اللّه تعالى : «وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» وقال سبحانه بعد ذكر االربا: «وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» أي كفّارٍ باستحلال الرّبا، أثيمٍ فاجرٍ بأكل الرّبا.
الخامسة: الخلود في النّار. قال تعالى : « وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» .
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « اجتنبوا السّبع الموبقات قالوا: يارسول اللّه وما هنّ؟ قال: الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
وما رواه مسلم عن جابر بن عبد اللّه رضي الله تعالى عنهما قال: « لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم آكل الرّبا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء».
وأخيراً أطمنك بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله تعالى خيراً منه.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.