2008-03-21 • فتوى رقم 27886
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
أنا الأخ أحمد بالغ من العمر 23سنة، فضيلة الشيخ كنت في السابق مسرفاً على نفسي وأحببت فتاة وارتكبت المعاصي معها لا أقصد الزنا بل لقاءها وتقبيلها وأستمر معي هذا الحال فترة
إلى أن أمسكتني أمها معها في المنزل، وبعدها ردعت علما أني كنت أذهب للقاءها، ولكني كنت أضع حسبان الله عز وجل وكنت أخاف، ولكني لم أستطع أن أقاوم، ثم حاولت خطبتها
ورفضوا أعطائي هذه الفتاة، بكيت وأنزعجت وشعرت بوحدة وملل وكآبة تسببت في تأخيري في جامعتي، وشعرت بضيق صدر لا يحتمل، وكنت قد أغضبت والدي وأمي من أجلها لأنهم كانوا لا يريدونها، وكانوا يريدون زواجي من أقاربي، وشعرت بأنهم ينحازون، وبأنهم لا توجد رأفة في قلوبهم تجاهي، فلقد كنت بحاجة ماسة للزواج لأني كنت أمارس العادة السرية، وأتفرج على قنوات العهر.
فوقفت وفكرت وسألت نفسي عدة أسئلة منها
1- لماذا لا ألجأ إلى الله ويزوجني؟
2-لماذا لا أصالح والدي وأمي؟
3-لماذا لا أتوب؟
وبالفعل لجأت إلى الله بداية وصالحت أهلي ثانية، وبعد فترة بدأت بالصدقة والصلاة وترك بعض الأمور التي تغضب الله ورسوله، ولكني لم أترك العادة السرية ومتابعة أفلام العهر، قطعت شوطا على هذا الحال، و كنت كثير الصدقة وكنت أحرم نفسي وأعطي غيري، وأقول هم أحوج بكثير مني، وكنت أبحث عن أي شخص مكروب عسى ولعل أن أساعده، وأزيل همه إن كان بمقدوري إزالته، وكنت أهدي وأعظ من أراه ضال فكثير من الذين نصحتهم قبلوا النصيحة والتزموا وفرج الله عنهم، فكنت لا أبتغي أجر كل ما ذكرت، ولكن كنت أطمع برضا الله عسى ولعل أن الله يتوب علي ويوفقني ويزوجني بالحلال، ويغنيني عن الحرام وكنت أسهر الليالي بالدعاء والبكاء وكنت أبحث عن أي عمل يقربني إلى الله، أنا أحب الله وأطمع بكرمه ورحمته، ولا أريد أن يعطيني أمرا ثم يصد وجهه الكريم عني، فأنا محتاج إليه في كل أمور ديني ودنياي حتى أني أحيانا كنت أتضايق عندما لا أجد شيئا أقدمه لله عسى ولعل أن يرحمني الله، ويزوجني ويملأ لي ساحة الفراغ التي كنت أعيشها، فقد كنت أدعو بشدة وبيقين مطلق ثم بعدها مرت علي مرحلة وساوس كفر وشتم لله وللرسول تحدثني بها نفسي مرغما، وكنت أخاف من هذا الأمر، وبقيت على ما كنت عليه من عبادة ثم بعدها تبت عن العادة السرية، وأفلام العهر ثم ازدادت علي هذه الوساوس حتى ظننت أني كفرت وخرجت عن الملة، وبقيت صابرا على نفسي لا أرتكب الحرام، وأجاهد نفسي عليه، بقيت صابرا حتى ملني الصبر، وذهب يقيني وضعفت قوتي فالحلال الذي طلبته بعيد، ولا ينال فكل الأبواب مسدودة ولا أمل لفتحها، ثم عدت إلى المعاصي مرغما ثم تبت ثم عدت ثم تبت والآن رجعت إلى ما كنت عليه وذهب كل أمل بالله ويئست وتعبت.
فضيلة الشيخ أنا ضائع ومحتار ومخذول فأنا لم أدعوا بأثم ولا قطيعة رحم لماذا حصل كل هذا؟
لأني التجأت إلى الله وطلبت حلالا أستر به نفسي، هل سأبقى على هذه الحال أصرخ ولا مجير فحياتي انقلبت ولا زلت أدفع الثمن، ولكن على أي أساس هل هي الذنوب أم امتحان؟
لم أعد أستطع ضبط نفسي وصار الزواج فرض عين علي، فلم أتزوج الفتاة التي أحبها، ولم أعد أستطيع ان أدعوا الله من أجل زواجها لأنها يئست مثلي وتركتني، وربما تتزوج عن قريب، وتتركني فلم أنسها ولم أتزوجها وحتى لم أتزوج غيرها؟
بدأت أشك في عبادتي وفي كل شيء وأخاف الموت ومكر الله عز وجل وأحس بالتقصير، وعدم قبول الأعمال والدعاء؟
فضيلة الشيخ هل أنا مطرود من رحمة الله؟ هل أنا من المغضوب عليهم؟ وصلت إلى قمة اليأس وخسرت كل شيء، فلقد نقضت التوبة، وضيعت أجر الصبر الذي صبرته، وانعدمت ثقتي في الله فلست أنا من الذين يفوزون برحمة الله وبكرمه فأي ثمن دفعته يا شيخ لو تعلمه، فكم مر علي من الحزن والألم، وصبرت فماذا نلت غير الخذلان ومن كريم، وهذا أمر لوحده كافي لقتلي، فكيف تحصل هذه الأمور وأنا متوكل على الله ومتفائل بكل الخير؟
لقد ضعت وخسرت كل شيء وتدمرت، فماذا أفعل، فهل أنا مذنب بكل ما ذكرت لحضرتك وذكرته لغيرك، ولكن صدقني تعبت تعبت تعبت... فلقد خسرت رحمة الله وكرمه، وهذا أمر صعب علي لأني تركت الدنيا ولجأت إلى الله، وبنيت آمال وأحلام على رحمته وكرمه، فلم أعد أتصور حياتي من دون دعاء فلقد تهت وضعت فماذا أفعل؟
فضيلة الشيخ كم من الناس الذين طلبوا الزواج من الله من لسان وليس من قلب، وكم من الناس الذين لم يطلبوا الزواج ووهبهم الله الزواج من غير طلب، فأنا مضى لي 3سنوات أصرخ، ولا أجد الزواج ؟
فأي أمل انتظر وأي فرج سيأتي فلقد كرهت الدنيا حتى أني طلبت الموت وأصابني وساوس وعقد نفسية لهول ما مرَّ علي فماذا أنتظر؟
هل الله راضي عني أم غاضب لا أعلم فكل الأمور التي مرت علي لا تشير لرضا الله علي؟
حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلا بد أن نعلم أننا عبيد لله تعالى في هذه الحياة، وأن الواجب على العبد أولاً أن ينكسر ويتذلل على باب مولاه، ويعلن له العجز والضعف، ويداوم على ذلك ويستمر عليه، ويجتهد في تنفيذ أمر الله تعالى ثانيا، والدعاء نوع من العبادة، وقد يستجيب الله تعالى للداعي كما دعا إذا كان فيه الخير له، وقد يستجيب له بما هم أفضل منه إذا كان فيما دعا به شر له، فالله تعالى يعلم السر وأخفى، والمهم أن يثق الداعي بأن الله تعالى سوف يستجيب له بما هو الخير له وليس كما طلب تماماً، فقد تكون الاستجابة بصرف شر عنه، أو بجلب خير غير الذي دعا به، وبذلك يزول اليأس منه ولا يقنط من رحمة الله تعالى.
روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ))، ثم إن العبد المؤمن إذا دعا الله تعالى إما أن يستجيب له في الدنيا، أو يؤخر الاستجابة للآخرة فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجبت لك فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول أما أنك لم تدعني بدعوة إلا استجيب لك، فهل ليس دعوتني يوم كذا و كذا لغم نزل بك أن أفرج عنك ففرجت عنك، فيقول : نعم يا رب فيقول: فإني عجلتها لك في الدنيا، ودعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أن أفرج عنك فلم تر فرجا، قال : نعم يا رب فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا و كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا يدع الله دعوة دعا بها عبده المؤمن إلا بين له إما أن يكون عجل له في الدنيا، وإما أن يكون ادخر له في الآخرة قال: فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليته لم يكن عجل له في شيء من دعائه). أخرجه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
والابتلاء قد يكون دليلا على محبة الله عز وجل للعبد، إما تكفيرا لذنوبه أو رفعا لدرجاته إذا لم يكن له ذنب.
وأنت في محنة من الله تعالى، فكن فيها من الناجحين، بالصبر والرضا بقضاء الله.
وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، وأمر المؤمن كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.
أما عن الوسواس الذي كان يأتيك وتخاف منه الكفر، فلا تخف من هذه الوساوس أبداً وحاول أن تصرفها عنك؛ لأنها وساوس الشيطان يحاول بها التأثير على المؤمنين المحبين لله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، ولولا حبك لله ورسوله لما طاف الشيطان حولك ليصرفك عما أنت عليه من الخير، فثق بالله واثبت ولا تخف من هذه الوساوس، فقد ثبت أن صحابيا جاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له يارسول الله إني لأجد في نفسي أمورا لو ألقيت من جبل كان أهون علي منها، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: أوجدت ذلك؟ قال : نعم، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: ذلك خالص الإيمان، ولذلك أقول لك هذا علامة الإيمان.
وأرجو أن تكثر من قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فهي تشرح الصدر وتيسر الأمور كلها، مع دعاء الله تعالى أن يصرفه ويخفف عنك ما أنت فيه.
وعليك بمجاهدة النفس، والتذكر الدائم لله تعالى، وأنه مطلع على جميع حركاتك وسكناته، لا تخفى عليه خافية، وعليك أن تكثر من الالتجاء إلى الله تعالى، وتعلن له عجزك وضعفك، وتطلب العون والثبات منه، فذلك أنفع علاج لما تعاني منه، وعليك بالبعد عن الأسباب المسببة للمعصية ذاتها مع غض البصر عما حرم الله، وترك رفقاء السوء، ثم الانشغال بطاعة الله سبحانه تعالى ومراقبته وكثرة الذكر له، والتذكر الدائم للموت، ثم الانشغال بعمل علمي أو مهني يشغل كل الوقت، مع السعي للزواج ما أمكن، والاستعانة بالصوم فإنه وجاء ووقاية كما أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، أسأل الله تعالى أن يثبتك على طاعته، ويحفظك من معصيته، إنه سميع مجيب.
وإن وقعت _لاقدر الله_ في معصية فأتبعها بتوبة صادقة نصوح، بالاستغفار والندم على المعصية والعزم الأكيد على عدم العود إليها، فبذلك يغفر الله لك إن شاء الله تعالى، فإن عدت إلى المعصية فعد إلى التوبة النصوح من جديد، فبذلك تحافظ على قلبك نقيا طاهرا، وتتجنب غضب الله تعالى، ولا تخرج عن ساحة رضاه، روى أحمد في المسند عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ».
وأخيرا فإنني أدعوك إلى الثقة بمولاك العظيم، فهو سبحانه العليم بك، الخبير بحالك، المطلع عليك، وهو أقرب إليك من حبل الوريد، فأدم صلتك به، وقوي يقينك به، وسلمه أمرك، وفوض إليه شأنك، وارض بما قسم لك، فالله تعالى هو علام الغيوب، وليدع الإنسان ثم ليرض باختيار الله تعالى وإرادته، فالله هو الحكيم الخبير، أسأل الله لك التوفيق.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.