2008-05-11 • فتوى رقم 29577
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- احترت كثيرا إلى من أوجه خطابي، من أسأل؟ وعند من سأجد ما أنشد من الجواب الشافي الكافي، فبحثت طويلا إلى أن استقر بي الأمر عندكم لما أتوسم بكم من الخير، والثقة في علمكم، ومنهجية عقلكم، وانفتاحكم نحو الشباب.
- بداية أتمنى حقا وأرجو أولا أن تكملوا رسالتي حتى السطر الأخير دون أن تلقوها جانبا، أو أن تهملوها، وثانيا أن أحظى برد كريم مفصَل منكم، وأسال الله العلي القدير أن يثيبكم جزيل الثواب ويوفقكم لمل فيه الخير والسداد..
- المسألة :
أنا طالب في كلية الهندسة الميكانيكية في السنة الدراسية الأخيرة من المرحلة الجامعية، وأبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، إلا أنه جدَ معي في الآونة الأخيرة أمرٌ حقا أرقني... وهو تفكيري في الزواج أو الخطبة كمرحلة أولية... ويزيد من تعقيد حيرتي هو آلية الاختيار وطريقة البحث، وتحديد من سأتقدم لها وما هي ضوابط التعرف والبحث والاختيار.
فكيف لي أن أختار فتاة وأتحقق من دينها وخٌلقها والتزامها وفكرها قبل أن أتقدم بأهلي لها.
ولا أدري إن كان يحل لي أن أكلَم فتاة أعجبني شكلها أو أن أسألها أو أن أستنطقها لأتأكد من حقيقة دينها، وفكرة وخُلقها، أو كيف يمكنني الحصول على حقيقة تلكم الأمور بشكل صريح دون تغيير أو تزوير نقل أو ما شابه… وكيف لي أن أتبين فيما إذا كنت مقبولا من قبل الفتاة وأتحقق من قبولها لي بعيدا عن ضغط الأهل الذي يمارس في بعض الأحيان لإجبار الفتاة على الموافقة على الخاطب فهل يحل لي أن أسألها مباشرة مثلا...؟
في الختام كلي ثقة وأمل أني سأحصل على رد من قبلكم ونصيحة تعينني أدعو الله لكم عليها ما مد الله في عمري.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمود.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمطلوب في الزوجة أن تكون صالحةً ذاتُ دين، فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء.
وفي الحديث الشريف إرشادٌ لأفضل السُّبل لاختيار شريكة العمر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تُنكح المرأة لأربع :لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» أخرجه الشيخان.
فاللائق بذي الدِّين والمروءة أن يكون الدِّين مطمح نظره في كل شيء لا سيَّما فيما تطول صحبته لأنَّه به يحصِّل خير الدُّنيا والآخرة، ولذلك اختاره الرَّسول بآكد وجهٍ وأبلغه، فأمر بالظَّفر الذي هو غاية البغية فلذلك قال :«فاظفر بذات الدين»، فإنك بها تكتسب منافع الدَّارين، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به، فاظفر أيُّها المسترشد بها.
والمقصود من هذا الحديث الشَّريف هو التَّحذير من أن يكون الهدف الأوَّل للمتزوج تلك الأمور الدُّنيوية وحدها، فإنَّها- إذا خلت من الدِّين- لا تحقق الغاية المنشودة من الزَّواج، فالواجب أن يكون الدِّين متوافراً أوَّلاً، لأنَّه الواقي من كلِّ خطر.
فالدِّين سيمنع الغنيَّـة من البطر، ويدفعها لشكر النِّعمة، ويمنع ذات الحسب من الكبر والغرور، ويجعلها في طاعة زوجها، ويدفع ذات الجمال لصون جمالها، ويبعد بها عن أن تذل بهذا الجمال فتقع في محظور.
فالدِّينُ هو العنصُر الأساس في اختيار الزَّوجة، ذلك أنَّ الزَّوجة سكنٌ لزوجها، وحرثٌ له، وهي مهوى فؤاده، وربَّةُ بيته، وأمُّ أولاده.. عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم، فإن لم تكن على قدرٍ عظيمٍ من الدِّين والخُلُق؛ فشِل الزَّوج في تكوين أسرةٍ مسلمةٍ صالحة.
أمَّا إذا كانت ذاتَ خلقٍ ودين كانت أمينةً على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفةً في نفسها ولسانها، حسنة لعشرةِ زوجها، فضمنتْ له سعادته، ولأولاد تربيةً فاضلة، وللأسرةِ شرفَها وسمعتَها، فاللائقُ بذي المروءة والرأي أن يجعل ذواتِ الدينِ مطمحَ النَّظر وغايةَ البُغية؛ لأنَّ جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْقِ، وغِنَى النَّفس أولى من غنى المال وأنفس، والعبرةُ في الخصال لا الأشكال، وفي الخِلال لا الأموال..
فالمرأة الصَّالحة صاحبة الدِّين والخُلق تعرف واجباتها؛ فتحفظ زوجها وأولادها، ولا تبذِّر المال، ولا تترك البيت الزَّوجي يسير على الضَّلال، انطلاقاً من الخوف من ربِّها سبحانه.
ويذكر الإمام الغزالي مضارّ اختيار الزَّوجة غير متديِّنة فقال: إنها كانت ضعيفة الدِّين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها، وسوَّدت بين النَّاس وجهه، وشوشت بالغيرة قلبه، وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاءٍ ومحنةٍ، وإن سلك سبيل التَّساهل كان متهاوناً بدينه وعِرضِه ومنسوباً إلى قلة الحميّة والأنفة.
وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشدّ، إذ يشقّ على الزَّوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها.
وإن كانت فاسدة الدِّين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشاً معه، فإن سكت ولم ينكره كان شريكاً في المعصية مخالفاً لقوله تعالى: (قو أنفسكم وأهليكم نارا) [التحريم:6]، وإن أنكر وخاصم تنغَّص العمر، ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّحريض على ذات الدِّين، لأنَّ مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدِّين؛ فأمّا إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدِّين ومشوشة له.
وتعرف صاحبة الدين أن تكون من أسرة متدينة، وبسؤال الأقارب والجيران.
وكذلك احرص بأن تكون مقاربة لك في المستوى العام الثقافي والسن والمال، ولا تكون أرفع منك في ذلك ما أمكنك ذلك، ثم بأن تنظر إليها محجبة بين أهلها وترتضي شكلها وترضى هي بشكلك.
مع كثرة التضرع إلى الله تعالى طلبا للزوجة الصالحة التقية النقية التي تسعد معها في الدنيا والآخرة، أتمنى لك أن توفق لخير زوجة تسعد معها في الدارين إن شاء الله تعالى.
ولا مانع من رؤية الخاطب لمخطوبته مرة ومرتين وثلاث مرات بقصد التبين لا التلذذ بها، وبشرط أن تكون بالحجاب الكامل سوى الوجه والكفين، وبحضور أحد من أرحامها؛ من أب أو أخ أو عم أو خال، ولا يجوز بغير ذلك، وبشرط أن تكون هذه الجلسة على قدر الضرورة التي يحتاجان فيها إلى التعرف إلى بعضمها، أما بعد التبين والخطبة، فالخطيبان قبل العقد أجنبيان عن بعضهما تماماً، وعليه فيحرم الخلوة بينهما، والنظر إلى بعضهما، لأن الخطبة لا تعني الزواج، والخطيبة قبل العقد عليها أجنبية من كل الوجوه،، حتى يتم العقد الشرعي.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.