2006-02-27 • فتوى رقم 3535
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإخوة:
نحن شركة مقاولات في إحدى البلاد العربية، نعمل في مدينة يزيد عدد سكانها عن مئة وخمسين ألف نسمة، وبها مخطط طرق واحد نفِّذ منذ عشرين عاماً تقريباً، وقد أعلنت الدولة عن نيتها في تنفيذ مخطط جديد يحوي طرقاً معبّدة بلوازمها المختلفة (كهرباء، هاتف...الخ)، تلبية لمتطلبات التوسع العمراني والزيادة في عدد السكان، والمدينة في حاجة شديدة لهذا المشروع، وتعتزم شركتنا التقدم بعرضها لتنفيذ هذا المشروع، وهو عمل ضخم يحتاج إلى ميزانية كبيرة لا تتوفر لنا، ولكي نتمكن من تنفيذ المشروع لا سبيل أمامنا إلا اللجوء إلى الاقتراض من المصارف لتمويل المشروع فهل يجوز لنا ذلك مع الأخذ في الاعتبار الآتي:
أولاً: تتقاضى المصارف فائدة على القروض، مقدارها ستة في المائة 6 % سنوياً من قيمة القرض، أي بفائدة شهرية مقدارها نصف في المائة 0.5%، بمعنى أنه في حال سداد القرض في ستة أشهر مثلاً يأخذ المصرف فائدة ثلاثة في المائة 3 %، أي أنه لا يأخذ فائدة إلا عن المدة التي يبقى فيها القرض في يد المقترض، فإذا سدد المقترض ما عليه في أي مدة ولو قبل تمام العام لم يأخذ المصرف فائدة إلا على المدة التي كان فيها المال في تصرف المقترض وتحت يده.
ثانيـاً: المصارف التي تتعامل وفق هذا النظام هي مصارف تابعة للقطاع العام (الدولة) فملكيتها بالكامل للدولة وليست مصارف خاصة حيث لا يوجد حالياً في بلادنا إلا هذه المصارف، فلا توجد مصارف خاصة ولا مصارف إسلامية تتعامل وفق متطلبات الشريعة الإسلامية المتفق عليها بين الفقهاء.
ثالثاً: السبب في لجوء شركتنا إلى هذا السبيل لتمويل المشروع يكمن في ثلاثة أمور:
1-عدم قدرتنا المالية على تمويله من أموالنا الخاصة.
2-عدم وجود من يتحمل تبعات تمويله وفق نظام الحصص لا من القطاع العام ولا من القطاع الخاص ولا من المؤسسات المالية العاملة في الدولة (مصارف...الخ) لأسباب سيأتي بيانها في النقطة القادمة.
3-حتى في حال قدرتنا أو قدرة غيرنا على تمويل المشروع من حر ماله، فإنه لا يمكننا المغامرة بذلك، لأن الجهات أو الجهة صاحبة المشروع غير مضمونة الدفع للمستخلصات المالية عند استحقاقنا لها، فالمعهود منها والمعروف عنها من خلال تجارب كثيرة أنها تماطل في الدفع وتتأخر أزمنة قد تستمر أعواماً في سداد المستحقات المالية للشركات المنفذة، أو جزء منها على الأقل، الأمر الذي يجعل هذه الشركات أو الممولين المقترضين لها يحذرون كثيراً من الدخول في مثل هذه المشاريع لأن رؤوس أموالهم قد تجمّد لفترات طويلة مما يؤدي إلى تعطيل أعمالهم، أما في حال اللجوء إلى الاقتراض من المصارف، فإن هذه المصارف هي من يتولى عملية استيفاء المستحقات المالية للشركات في حال تعذر أو تعطل الحصول عليها، إذ يقوم المصرف عندئذ بالمساعدة على استيفاء تلك المستحقات لمصلحته في ذلك، وإيداعها في حساب خاص لديه للشركة المنفذة وتحصيل أقساطه المالية من ذلك الحساب، وفي حال تعذر استيفاء الحقوق بهذه الطريقة، يلجأ المصرف إلى إجراء مقاصاة بينه وبين الجهة صاحبة المشروع، باعتبار أن الجهتين (صاحبة المشروع والمصرف) ينتميان إلى القطاع العام، وعادة ما تكون بينهما معاملات مالية تمكن المصرف من استيفاء حقه، وفي مثل هذه الحال تشعر الشركة المنفذة بالأمان لأنها لن تخاطر أو تغامر برأس مالها، بل تدخل المشروع وتبتدئه بأموال المصرف، وليس عليها إلا أن تقدم مستخلصاتها إلى تلك المصارف، إذ هي الضمان الذي يطلبه المصرف لتمويل المشروع، وإذا حصل انتظار أو تأخير في الدفع فإنه يقع في الأرباح لا في رأس المال، والشركة وإن كان يلحقها ضرر في تأخير حقوقها ولو كانت أرباحاً، فإنه في هذه الحال ضرر يمكن احتماله، بخلاف ضرر تعطيل رأس المال كله.
بقية السؤال في وثيقة أخرى، وعذراً على الإطالة.
***********
بقية سؤال شركة المقاولات حول التعامل والاقتراض من بنك ربوي.
ومعنى هذا أن المصرف يؤدي للشركة المنفذة خدمتين أولاهما تمويل المشروع بأمواله، وثانيهما ضمان استيفاء مستحقات الشركة لدى الدولة، (الجهة صاحبة المشروع) كلها أو الجزء الذي يقابل قرض المصرف على الأقل، وفي ذلك حماية للمقاول من أن يضيع رأس ماله بين أدراج مكاتب الموظفين وتعقيدات النظم الإدارية، الأمر الذي لا يجد معه البعض مفراً من اللجوء إلى استيفاء الحقوق عن طريق الرشاوي وما شابه، وهو أسلوب في التعامل ترفضه جملة وتفصيلا شركتنا.
رابـعاً: هذا المشروع مهم وحيوي جداً للمنطقة وأهلها، وهو معروض للتنافس عليه بين الشركات المحلية والشركات الأجنبية، وفي حال عجز الشركات المحلية عن القيام به لعجزها عن تمويله، وتخوفها من عدم قدرتها على تحصيل حقوقها المالية لدى الجهة صاحبة المشروع، فإن المشروع سيرسو على شركات أجنبية، وهي عادة ما تطلب مبالغ أكبر مما تطلبه الشركات المحلية لتنفيذ المشروع، مما يؤدي إلى إهدار أموال العامة، ناهيك عن حرمان المجتمع المحلي من هذه الأموال، لأن جزءها الأكبر سيحول إلى خارج البلاد، بخلاف ما لو تم تنفيذ مثل هذه المشاريع من قبل شركات محلية، فإن الأموال المتحصلة سيعاد تدويرها في النشاط الاقتصادي المحلي ليسهم في تحسين أوضاع أهل هذه البلاد عموماً، وهم أحق بأموالهم واستثماراتهم من الأجانب.
خامســاً: في حال تنفيذ المشروع من قبل شركات أجنبية فإنه يخشى ألا تلتزم تلك الشركات بالمعايير والمواصفات الفنية اللازمة، لأن هذه الشركات وفي ظل أوضاع يقلُّ فيها أهل الإتقان والأمانة عادة ما تستغل هذه الظروف لخدمة مصالحها فلا تمانع من أن ترضي هذا المسؤول أو ذاك، وكل ذلك على حساب الجودة والإتقان، ولا نزعم بأن ذلك سيقع يقيناً ولكنه أمر غالب بناء على خبرات سابقة بمثل هذه الأحوال.
أما في حال تنفيذنـا لهذا المشروع، فإننا نضمن بإذن الله تعالى الالتزام بكل المواصفات والمعايير الفنية المطلوبة، وشركتنا بفضل الله ذات سمعة ممتازة في مجال عملها وفي حرصها على الوفاء بمتطلبات الدقة والإتقان فيما تقوم به.
سادسـاً: سألنا بعض طلاب العلم عن حكم اللجوء إلى الاقتراض من المصرف في حالتنا هذه بالمواصفات التي تقدم بيانها، فأفاد بأن المسألة يتجاذبها مفسدة من جهة ومصلحة من جهة تتمثل المفسدة في الاقتراض بفائدة وهي معاملة يكاد يجمع الفقهاء على تحريمها إلا آراء شاذة هنا وهناك، لما فيها من التشجيع على التعامل على الربا الذي حرمه الله ورسوله وما حرم إلا لضرره ومفسدته، وتتمثل المصلحة في ضمان تنفيذ المشروع الذي هو مهم وحيوي للبلاد وأهلها، بأعلى مواصفات الدقة والإتقان حسب ما هو متوفر، خصوصاً وإن الضرورة المتمثلة في طبيعة النظام الإداري الذي اعتاد المماطلة في الوفاء بالحقوق على الوجه الذي سبق بيانه، هي التي ألجأت إلى قبول هذه المعاملة، وأخبرنا بأنه يجد نفسه متوقفاً أمام تغليب أي من الطرفين المفسدة أو المصلحة في مثل هذه الحالة، هل تقبل مفسدة التعامل بالربا من أجل مصلحة المحافظة على أموال المجتمع، وحق الناس في عمل جيد متقن ومخطط هم في أمس الحاجة إليه، أم أن هذه المصلحة بالغة ما بلغة لا تنفع معارضة مفسدة الربا، فأشار إلينا باللجوء إلى سماحتكم عسى أن نجد جواباً تطمئن به قلوبنا، مع الإشارة إلى أننا مستعدون للتبرع بجزء من أرباح المشروع لمنفعة المجتمع، إذا كان في ذلك درء لسيئة الاضطرار إلى التعامل بهذه الطريقة، كما أننا لن نقترض إلا ما نحن في أمس الحاجة إليه، محاولين قدر المستطاع تقليل المدة ما أمكن، مؤكدين على أن ما يدفعنا إلى الحرص على تنفيذ المشروع أمران:
أولهما: حرصنا على تطوير أعمالنا وتوسعتها وتنمية شركتنا، وهو أمر لا ننكره.
ثانيهما: حرصنا على خدمة مجتمعنا ومنطقتنا التي ننتمي إليها، وخوفنا من وقوع المشروع في أياد تضيع حق الله وحق العباد.
نأمل التكرم بالرد سريعاً لحاجتنا الملحة إلى ذلك.
والله يوفقكم وينفع بكم ويغفر لنا ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فلا يجوز الاقتراض بالربا لمثل هذا السبب، بل عليكم العدول عن هذا المشروع إلى مشروع أصغر منه على قدر رأس مالكم، أو التعاقد مع شريك مليئ يشارككم في راس المال والربح، لأن الربا من أشد المحرمات عند الله تعالى.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.