2009-02-01 • فتوى رقم 36007
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين
السلام عليكم.
عنوان الفتوى: التوبة من عقوق الوالدين.
منذ طفولتي وأنا أمقت أمي، وتوصل بي الأمر أني لا أستطيع أن أشرب من نفس الإناء الذي تشرب منه، فتولد لي كره لها، ولا أطيق حتى أن أحتملها ولا أخفى عليكم أنها كانت تطرد أمها من بيتنا، والصور دائما في ذهني وهي معروفة عند الأهل والأقارب بقساوة قلبها، ولم تكن تصلي وكانت تعامل أخ وأخت معاملة الأم الحنون دون الآخرين، وعاملتني بمنتهى القساوة، فولدت بيننا حقد وكراهية وتوصل بها الأمر أن تعطي أي شىء من حقوقنا إليهم دون أي خوف من الله، والله أشياء كثيرة لا يتسع المقام لسردها، ولا أخفي عليكم أني كنت معها في منتهى العقوق التي تغضب الله تعالى ولما تبت إلى الله قبلت قدميها، وأنا أبكي وطلبت منها أن تسامحني وأن تعفو عني فبكت هي الأخرى، وقالت أني عفوت عنك، ومن ذلك الوقت أصبحت حريصا جدا على برها وأترقب كل صغيرة وكبيرة لكي أتجنب عقوقها، سؤالي: بحكم أن أمي لها مزاج منقلب هب فرضا أنها تراجعت عن مسامحتها لي بدون سبب يذكر، هل خول لها الشرع أن تسامح أو تتراجع كما تريد أم لا؟
وأحيطكم علما أني بعد المسامحة كنت حريصا جدا على برها، ولا أعطي أي فرصة لها، وخير دليل أنها حرمت وامتنعت أن تقسم مبلغا معتبر جدا من مال التركة بعد وفاة الوالد رحمه الله على كل أخواتي حتى الذين كانت تتعامل معهم إلا واحدا تحصل على كل شىء، ففوضت أمري إلى الله وانتصرت إلى الله، وزدت حرصا على برها؟
أفيدوني والسلام عليكم، وشكرا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فحق الأبوين على الأولاد كبير جداً، ولا يجوز للأولاد التنكر لهذا الحق مهما قصر الأبوان في حقهم، وعليهم القيام به في حدود الإمكان، وعليهم أيضاً ترك محاسبة الآباء أو الأمهات عن تقصيرهم في حق الأبناء، فبرُّ الوالدين باب عظيم من أبواب الخير والقرب من الله تعالى لا ينبغي للولد أن يحرم نفسه من ولوج هذا الباب.
ولذلك فإنني أنصحك بأن تحسن لأمك قدر إمكانك وتحاول برها بكل الطرق الممكنة، وبالقدر الذي لا يلحق بك ضرراً، وإلا كنت مسيئاً مثلها أو أكثر منها، فإن بر الوالدين واجب مهما كانت تقصيراتهم، قال تعالى في حق الأبوين:(( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).(العنكبوت:8)، وإن جاهدت نفسك في ذلك، وداومت على بر أمك فقد أديت ما عليك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.