2009-07-22 • فتوى رقم 38405
هل الكفارة الكاملة للغيبة (وتتضمن طلب العفو ممن أغتبتهم) تنطبق على من أغتبناهم في ساعات قهر وغضب، وبعد تعرضنا لخداع وغدر، أو ظلم وجرح، أو لأذى نفسي وعاطفي كبير منهم؟
أم أنه إن شاء الله في مثل هذه الحالة يكفيني الدعاء والتوبة والاستغفار والصدقة عنهم، وذكرهم بخير؟
وانا فعلتها كلها تقريباً، لكن لم أستطع الانقطاع عن تذكر ما جرى والتألم منه أمام بعض أصدقائي، وهم يعرفون أيضاً الأشخاص الذين استغبتهم، لكني توقفت عن ذكرهم بسوء الآن.
وأنا مستعدة لطلب العفو منهم إن كان ذلك أفضل لي، مع العلم أن الكلام الذي قلته بوجههما عندما علمت أنهم كذبوا علي وجعلوني أعيش في وهم كبير، أغلبه أقسى من الكلام الذي اغتبتهما فيه.
وأنا غالب المرات لم أذكرهما إلا بما فعلاه، أي ذكرتهما بما رأيت أنه موجود فيهما بسبب نفسيتي المتعبة، وصدمتي الكبيرة بوجود هكذا أشخاص، لذلك كنت كثيراً ما أحادث صديقتي وأحلل تصرفاتهم وأقوالهم، وأنا غير مصدقة لما حصل معي.
فأرجو التوضيح في حالات كهذه، ما النصيحة؟
لا أريد أن أعيش مع هذا الذنب كل عمري، ولا أريد أن تذهب كل عباداتي هباء منثوراً بسبب هذا الذنب الذي علي، وأيضاً بنفس الوقت أخشى إن اعتذرت لأشخاص جرحوني أن يكون ردهما قاسياً، أو أن أصدم من جديد وأعود إلى الوراء بعد أن بدأت أنسى وأظن أنهم هم أيضاً ذكروني بسوء بسبب ما حصل، والله يسامحهم.
مع جزيل الشكر.
ربي يريح بالكم، ويدخلكم الجنة بغير حساب.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالغيبة حرام باتّفاق الفقهاء، بغض النظر عن الأسباب الباعثة على الغيبة.
ومع هذا فقد ذكر العلماء أموراً ستّةً تباح فيها الغيبة لما فيها من المصلحة; ولأنّ المجوّز في ذلك غرض شرعيّ لا يمكن الوصول إليه إلاّ بها، ومنها أنه للمظلوم أن يجهر بظلم ظالمه لمن يلتمس مساعدته، ويطلب عونه، فيذكر أنّ فلاناً ظلمني وفعل بي كذا وأخذ لي كذا، ونحو ذلك.
فإن كان حالك كذلك لم تأثمي إن شاء الله تعالى فيما كان منك سابقاً، وإلا فعليك إبراء نفسك من هذه الغيبة بأن تتوقفي عنها، وتنوي الإقلاع عنها وعدم العود لمثلها، وأن تستغفري الله عن كل الأوقات التي قضيتها في الغيبة، ثم عليك أن تعتذري لمن اغتبته إن استطعت وتطلبي منه أن يسامحك، فإن سامحك فحسن، وإلا فعليك أن تزيدي في العبادة كي يسامحك الله تعالى عنه، وإن لحق بالمغتاب عار تحاولي إزالته، مع الاستغفار والتوبة والإكثار من الأعمال الصالحة.
وفي كل الأحوال أرشدك إلى الأفضل بالدعاء لمن ظلمك لا الدعاء عليه، لتكسبي أجر العافين عن الناس، وهو أجر عظيم جداً، قال الله تعالى في وصف عباده الذين أعد لهم في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134].
وإليك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة)، فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي -أي اختلفت معه- فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم.
قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر.
قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله: لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت؛ غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه.
فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.