2009-07-26 • فتوى رقم 38511
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا شيخ: سوف أقص عليك قصتي باختصار:
منذ أن كان عمري 8 سنوات افترقا والدي، وذهبت أنا مع أمي إلى بلد ثان غير الذي كنا نعيش فيه، وكان أبي يضرب أمي ويهينها، وبالمختصر كان من غير ديننا، كان مسيحياً وأصبح مسلماً عندما تزوج أمي، ولكن قلباً هو ليس بمسلم ولا حتى بمسيحي.
المهم أنه تخلى عنا كلياً، وانقطعت أخباره، وتخلى عن أخي أيضاً الذي بقي معه، وطرده من البيت عن عمر 15 سنة ليبقى هو مع امرأة في بيت واحد دون الزواج منها.
وبعد غياب دام 14 سنة، ظهر أبي في حياتي، ولم أكن أعلم عنه شيئاً، وبدأ يتلفظ بكلمات بذيئة، ويهين أمي كلما تحدثت معه، مع أنه يقول دائماً: إن أمي لا تزال في قلبه.
ولكن المشكلة أنه ظهر فقط عبر الهاتف، أي أنني حتى اليوم وبعد مرور 17 سنة لا أعرف حتى ملامحه، وأنا أتعب كلما تحدثت إليه، فهو لا يؤمن بشيء، وأسأله: هل تصلي أو حتى تتذكر الله؟ يقول: إنه كل أسبوع أو أسبوعين يقول: يا رب.
إنه يعيش مع امرأة دون زواج في الحرام، والمشكلة أنني أنا من أبادر بالاتصال به، وإذا لم أفعل فهو لا يتذكر أن يتصل أو يطمئن علي.
يا شيخ: لم يصرف علي أو على أخي فلساً واحداً مذ تركنا ونحن صغار، وعذب أمي عذاباً وحشياً.
سؤالي: ماذا أفعل، إذا كان هو لا يهمه إذا كلمته أم لا، ولا يهمه أن يسأل عني، والله إنني إذا رأيته صدفة لا أعرف ملامحه؟
أنا تعبت، وأدعو الله دائماً أن يهديه، ولكن: هل أتحمل كلماته البذيئة وعدم اهتمامه بي، حتى إنه كان يريد أن يحرض أخي أن يسكن مع امرأة دون زواج؟
أنا لا أريد أن أقطعه، ولكن: هل إذا لم اتصل به وانتظرت حتى يسأل عني هو: أكون قد ارتكبت شيئاً يغضب الله؟
أتمنى أن يسأل عني هو، لا أنا.
وحتى عندما أكلمه يكلمني وكأنني غريبة، ولم يفكر يوماً في رؤيتي، هل أكون مخطأة إذا اتنظرته أن يبادر هو؟
مع العلم أنني نصحته كثيراً، ولكن لم يقطنع.
وعفواً على الإطالة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأوصيك بالاستمرار في معاملتك لوالدك بالحسنى، ونصحه بحكمة وموعظة حسنة، (أو توكلي أحدا ذا مكانة عنده ليقوم بذلك بحكمة) وذلك في أوقات الراحة، وتذكيره الدائم بالله تعالى، وأنه مطلع على جميع حركاته وسكناته، ولا يخفى عليه خافية، وأنا عباد لله وسيأتي اليوم الذي سيحاسبنا فيه عن جميع أفعالنا، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وأوصيك مع ذلك ببر هذا الوالد والإحسان إليه بما لا يترتب عليك ضرر معه، وبما لا معصية للخالق فيه.
فحق الأبوين على الأولاد كبير جداً، ولا يجوز للأولاد التنكر لهذا الحق مهما قصر الأبوان في حقهم، وعليهم القيام به في حدود الإمكان، ولو كانا غير مسلمين، فقال تعالى عن الأبوين: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) [لقمان:15].
وعليهم أيضاً ترك محاسبة الآباء أو الأمهات عن تقصيرهم في حق الأبناء، فبرُّ الوالدين باب عظيم من أبواب الخير والقرب من الله تعالى لا ينبغي للولد أن يحرم نفسه من ولوج هذا الباب، ولا شك أنه سيتغير معك إن عاملتيه بالحسنى وداومت على ذلك، بل إن الله تعالى سيكرمك بما تحبين، ويصرف عنك آثار كلامه السيء إن شاء الله تعالى.
فإن خشيت على نفسك طاعته فيما يأمر به مما حرمه الله تعالى فلك أن تجعلي علاقتك به رسمية في حدودها الدنيا.
وأوصيك بكثرة الدعاء له بالهداية والاستقامة وقتَ السحر في الثلث الأخير من الليل فإنه وقت إجابة إن شاء الله تعالى، وأسأل الله تعالى له الهداية العاجلة.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.