2009-12-07 • فتوى رقم 41374
السلام عليكم
أريد أن أستفسر عن بعض الآيات في القرآن الكريم، أسأل الله أن تفيدوني وأجد الإجابة.
الآية الكريمة قال الله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم) [سورة البقرة، آية:29].
وقال تعالى: (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفضاً ذلك تقدير العزيز العليم) [سورة فصلت، الآيات:9-12].
فأنا علمت بتفسيرهمآ، فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين، ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال، ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين، فكانت أربعة أيام.
ثم إن الله خلق السماوات في يومين، فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين، وهذا ترتيبهما.
وفي هذه الآية الكريمة قال تعالى: (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها) [سورة النازعات، الآيات:27-30].
فما معنى كلمة دحاها: لأنه بكل تأكيد ليس معناها خلقها، ففي معنى الآيات الأول أن الله خلق الأرض ثم خلق ما فيها من جبال ورزق ثم السماوات السبع.
فارجو تفسير ذلك لي، فهل الترتيب كما ذكرت صحيح، وإن كان، فارجو تفسير الآية من سورة النازعات.
أرجو الاهتمام والاعتناء برسالتي؛ لأني في أشد الحاجة للرد، وإن كان ليس من اختصاص الموقع، فأشيروا على من يفيدنى، عسى الله يفرج همكم وهمي.
وجزاكم الله خيراً، وجعله في ميزان حسناتكم وأعمالكم بإذن الله.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإليك ما ذكره ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" عند تفسيره لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29]، فقال مانصه:
(وقد جرى اختلاف بين علماء السلف في مقتضى الأخبار الواردة في خلق السماوات والأرض فقال الجمهور منهم مجاهد والحسن ونسب إلى ابن عباس إن خلق الأرض متقدم على خلق السماء لقوله تعالى هنا: {ثم استوى إلى السماء} وقوله في سورة حم السجدة ( 9 11 ): {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} إلى أن قال: ثم استوى إلى السماء وهي دخان .
وقال قتادة والسدي ومقاتل إن خلق السماء متقدم واحتجوا بقوله تعالى : بناها رَفع سمكها فسواها إلى قوله : { والأرضَ بعد ذلك دحاها } [ النازعات : 27 30 ] . وقد أجيب بأن الأرض خلقت أولاً ثم خلقت السماء ثم دُحيت الأرض فالمتأخر عن خلق السماء هو دحْو الأرض ، على ما ذهب إليه علماء طبقات الأرض من أن الأرض كانت في غاية الحرارة ثم أخذت تبرد حتى جمدت وتكونت منها قشرة جامدة ثم تشققت وتفجرت وهبطت منها أقسام وعلت أقسام بالضغط إلا أن علماء طبقات الأرض يقدرون لحصول ذلك أزمنة متناهية الطول وقدرة الله صالحة لإحداث ما يحصل به ذلك التقلب في أمد قليل بمقارنة حوادث تعجل انقلاب المخلوقات عما هي عليه .
وأرجح القولين هو أن السماء خلقت قبل الأرض لأن لفظ { بعد ذلك } أظهر في إفادة التأخر من قوله : { ثم استوى إلى السماء } ولأن أنظار علماء الهيئة ترى أن الأرض كرة انفصلت عن الشمس كبقية الكواكب السيارة من النظام الشمسي . وظاهر سفر التكوين يقتضي أن خلق السماوات متقدم على الأرض . وأحسب أن سلوك القرآن في هذه الآيات أسلوب الإجمال في هذا الغرض لقطع الخصومة بين أصحاب النظريتين .
والسماء إن أريد بها الجو المحيط بالكرة الأرضية فهو تابع لها متأخر عن خلقها ، وإن أريد بها الكواكب العلوية وذلك هو المناسب لقوله : { فسوتهن سبع سموات } فالكواكب أعظم من الأرض فتكون أسبق خلقاً وقد يكون كل من الاحتمالين ملاحظاً في مواضع من القرآن غير الملاحظ فيها الاحتمال الآخر).
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.