2010-04-29 • فتوى رقم 43644
مشكلتي هي أنني نشأت في بيت لا يعرف شيئا عن الدين ولا يعرف إلا هواه ومراده من الدنيا فقط لا غير، وأب قاس لا يعرف لله رحمة في الأرض ولا في السماء، ولهذا ما نشأت إلا على المعصية، وكنت قد التزمت بدين الله لما هداني الله عز وجل، وحفظت ما تيسر من القرآن، ودرست ما وفقني الله عز وجل إليه من الفقه والسنة والسيرة وغير ذلك، غير أنه تربص بي الشيطان وأبي ونفسي الأمارة بالسوء، فما كان مني إلا أن خرجت من الالتزام رويدا رويدا حتى أصبحت لا أقترف إلا الذنوب والمعاصي وأشدها الزنا، فما تركت امرأة ولا فتاة عرفتها إلا زنيت بها، ثم عدلت عما كنت فيه لما ضاقت بي الأرض، ثم رجعت تارة أخرى حتى قمت على امرأة أزني بها لعام كامل ولا أعلم أين كان قلبي حينها ووقتها، حتى ظهرت في حياتي فتاة وهذه هي مشكلتي الآن هذه الفتاة كنت قد نويت أن أتربص بها كالمعتاد ولكن يشاء الله عز وجل أن تكون سببا لهدايتي؟ لست أدري حتى الآن؟
غير أنني دائما وأبدا كان الناس يدعون لي بالهداية، وأحسب هذا ظنا بالله أنني قد هديت، فمنذ أن عرفت هذه الفتاة لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات لم أقترف جريمة الزنا أبدا، بل أقلعت عن كل شيء سيء في دنياي وتصرفاتي وصحبة السوء وغيره، ووفقني الله عز وجل في دراستي إلى أن أنهيتها، لكن نيتي لم تكن لذلك بل كانت لاستغلالها أقصى الاستغلال حتى تساعدني في دراستي ثم أتركها بعد ذلك، ولم أكن أهواها نفسيا ولا عاطفيا ولا جنسيا، بل ولله الحمد كان هناك حاجز كبير ينفرني منها من هذا الجانب ولست أدري ما هو؟ ربما رحمة بها من ربي العزيز الكريم ورحمة بي أيضا ثم اكتشفت بعد فترة يسيرة أنني أحبها بشدة ولا أدري ما السبب، وأحسست بجوارها بالأمن والاحتواء وراحة البال وأبكي بين يديها بين الحين والحين أشكو قسوة الأيام وخوفي من الله عز وجل لما فعلت في سابق عهدي مع كل من عرفت من النساء بل والرجال لأنني كنت ظالما قاهرا للرجال، فلم أترك أحدا إلا وآذيته شر أذية وأكيد من المكائد ما لا يخطر على بال أحد، بل وأشكك الناس في عقائدهم ومعتقداتهم لأنني على قدر عال من الثقافة والاضطلاع، بل وعلى قوة أعلى من الإقناع والجدال، ولا أرهب شيئا على الأرض، ولي من فنون السيطرة والتحكم والمراوغة ما لا يخطر على بال أحد، فكثيرا ما يهابني الناس من ذلك غير أنني فوجئت في هذه السنوات الثلاث بانكساري من داخلي وحزني على عمري حتى إن ضربني أحد أو شتمني أحد لم ألق له بالا بل أتركه وحالَه، وأصبحت أخشى الله خشية بالنسبة لي هي خوف كبير لم أعهد به من قبل، وحين أنهيت دراستي وأنهيت فترة تجنيدي فكرت في الزواج منها فقبلت، وتقدمت لأهلها وصليت صلاة استخارة لكنني وجدت نفسي مقبوض القلب وتوقف الأمر حتى الآن فهناك مشكلة عسيرة وهي أنني بدأت الالتزام فتوجهت لإيداع أموالي ببنوك إسلامية بحته وتركت الحرام إجمالا وتفصيلا، وبدأت أواظب على الصلاة وأعامل الناس معاملة حسنة ولله الحمد، وأتحرى مرضاة الله عز وجل في كل كلمة وفعل وتصرف، المشكلة الآن أنني أريد إنسانة ملتزمة تساعدني على طاعة الله عز وجل وتعينني على ذلك لكن.. يتبع في رسالة أخرى ورائها مباشرة.
لكن هذه الفتاة التي تحدثت عنها هي في الأصل متبرجة وتلبس البنطال الضيق بشدة، وتضع من المساحيق والمكياج ما يحيلها إنسانة أخرى لا تعرفها، ثم إنها ترفض أن تتخلى عن عملها وتتمسك به بقوة وبشدة، إضافة إلى أنها متقلبة المزاج مثلي وعصبية جدا، وعنيدة جدا، ولا تترك لك مجالا إلا للجدال حتى تخرج منه منتصرة، ولا تقبل الهزيمة أبدا بل ولا تقبل إلا أن تفعل ما في داخل رأسها فقط لا غير سواء رضيتُ أم أبيت، فإنها قد تبكي مرارا وتكرار ثم لا تلبث إلا قليلا حتى تحقق ما كانت تصبو إليه! وتسايرك وتستدرجك حتى تفعل ما تريد! ثم إنه كانت بيننا بعض اللمسات والقبلات وخلاف ذلك، وما كنت أفعل ذلك رغبة فيها وإنما لأضحك عليها وأستدرجها حتى تكمل مساعدتها لي في دراستي، بل إنني كنت أتقيأ بعد تقبيلي لها لأنني في داخلي لا أرغبها أصلا، والآن ماذا أفعل؟ هل أتزوجها أم لا؟ علما بأنني أمقت شكلها تلك الطامة الكبرى فأنا فعلا لا أقبل شكلها مطلقا بل لا أطيق النظر إليها منذ أول يوم رأيتها فيه وللأسف الشديد، فأنا من الرجال الذين يؤسرون بالجمال ولا أدري ما السبب، بل أحس أنني قد أتقيأ إذا نظرت إليها بل أقسم بالله لا أجد بداخلي شهوة تجاهها أبدا ولا أعلم ما السبب، ولكني أقبل شخصيتها نوعا ما وعلى مضض أيضا ولكني خائف وفي حيرة شديدة، أخاف أن يعاقبني الله عز وجل على تركي لها بعد هذه السنوات الكثيرة وأخاف أن أتزوجها فيعاقبني الله عز وجل بها لعلمي أنها ليست ذات دين كما تتخيلون فهي تصلي فقط لا غير؟ فما العمل وما السبيل؟ أريد من تعينني على طاعة الله عز وجل وأنا في أشد الحاجة لذلك فماذا أفعل؟
استخرت الله عز وجل وما زلت لا أدري ما العمل ولم يتبين لي شيء، وقلت لأمي وهي تعرفها ولكن أمي قالت أي واحدة تتزوج فأنا موافقة عليها وهذه مسؤوليتك أنت بمفردك، ولتتحمل عاقبة قرارك أيا كان، أما أبي فأخلى مسؤوليته تماما من زواجي لأنني كنت شقيا منذ صغري، فالكل يخاف مني بشدة ويخاف من تكرار مأساتي، ولكني أفكر بجد، والله العظيم أفكر بجد وأبكي مرارا وتكرارا ولا ينفع الندم وأعلم ذاك ولكن ما السبيل؟
عرض علي بعض أقاربي أخت أحد أصدقائه وهي متنقبة ومتدينة وتحفظ القرآن وتصلي وتصوم وملتزمة بشرع الله عز وجل، وللحقيقة لم أرها حتى الآن لكني أسمع عن جمالها وأسمع عن تدينها، إذن أعتقد أنك قد فهمت ما بداخلي فدلوني بالله عليكم؟ عسى أن أجد من هذا الضيق مخرجا!! وأنا آسف جدا على الإطالة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فعليك أن تتوب توبة صادقة نصوحا بالندم الشديد على الذنوب، والعزم على عدم العود إليها، وكثرة الاستغفار والبكاء، وفعل الصالحات... قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود:114]، مع طلب السماح ممن أسأت إليهم، والابتعاد عن كل امرأة لا تحل لك، فإنك إن لم تعجل بالتوبة النصوح فسيحاسبك الله تعالى على كل صغيرة وكبيرة، وأما إن تبت توبة نصوحا بالشروط السابقة، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له إن شاء الله تعالى.
أما عن الزواج فبعد أن تستقيم على الطاعات وتبتعد عن المعاصي جهد الاستطاعة فابحث عن ذات الدين والخلق، ولا أنصحك بالزواج من الفتاة التي تحدثت عنها والتي كانت لك خليلتك في الحرام، وأوصيك أن تتضرع إلى الله تعالى في الثلث الأخير من الليل فتعترف له بذنوبك، وتسأله المغفرة والزوجة النصوح، وأسأل الله لك التوفيق.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.