2010-06-05 • فتوى رقم 44301
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما حكم الشرع عن شخصان (رجل وزوجته) الرجل كريم ومحب لعمل الخير وينفق على أولاده من حلال ما كسبه ولا يقصر في أداء واجبهم نحوه، وأدى فريضة الحج مرتان لشخصه والثالثة لوالده المرحوم، ويؤدي صلواته بانتظام دون تفريط، ولكن عيبه لا يتحمل سماع الحديث الجارح والمشين، ومستعد لقطع العلاقة مع أقرب الأقربين إليه بمجرد أن يخطئ معه الشخص، ولا يتقبل الاعتذار، ويخاصم لدرجة الفجور، ولا يسامح من ظلمه بسهولة، ولا ينسى من ظلمه مهما طال الزمن، وحتى لو تم الصلح بينهم.
وأخيراً قرر التقليل من الاحتكاك الكثير بأهله وأهل زوجته خشية خسرانهم إن أساؤوا إليه أو ظلموه، ففي تلك الحالة هل يكون مؤهلاً بأن يعمل داعية للإسلام وناصحاً للمسلمين؟
أما زوجته مهنتها الأساسية داعية إسلامية، ونالت كورسات دينية في ذلك، وملمة بحفظ بعض الأجزاء من القرآن الكريم وبعض الأحاديث، وتعمل داعية إسلامية للنساء، مستعينة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن عيبها أنها تكذب وتخلق الفتنة بين زوجها وأهلها، وتشهد زوراً لمساندة ظالم ضد مظلوم تعاطفاً معه إن كان الظالم من أفراد أسرتها والمظلوم هو زوجها، وتقف مع أهلها تعاطفاً معهم وهم مخطئين على غيرهم، ولا تنصح أهلها بحجة أنها تخشاهم ولن تسطيع التخلي عن الكلام المشين والجارح لغيرها وعدم الطاعة لزوجها، مع التحدي بعض الأحيان وليس بأكملها.
وحدث خلاف بين ذلك الرجل وزوجته نتيجة عدم الطاعة مع التحدي من جانب زوجته، وأدى ذلك لوقوع أبغض الحلال عند الله، وتسربت المشكلة حتى قطعت الرحم بين زوجها وشقيقها وهي السبب في ذلك ومعترفة بذلك، فتم الإصلاج بين الزوجة وزوجها، فأرادت الزوجة مواصلة عملها كداعية إسلامية فرفض زوجها، وحجته في ذلك أنها غير مؤهلة دينياً للعمل كداعية، وإن أقوالها وأفعالها لا تتناسب مع طبيعة عملها كداعية، وأوضح لها بالإمكان بأن تعمل معلمة روضة أو معلمة لمحو الأمية، ولكن هي مصرة على العمل كداعية، فالزوج رافض بسبب التجارب معها طيلة عشرين عاماً من تاريخ زواجهم.
فماذا أنتم ناصحون للاثنان؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأنصح كلا الزوجين بداية إلى أن يوطنا نفسهما على مسامحة من أساء إليهما، ولا يحملا في قلبهما على أي مسلم، ليفوزا بسلامة القلب التي هي من أعظم السبل للفوز برضاء الله تعالى ودخول الجنة، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾[الشعراء:88-89].
وأخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا بني، إن قدرت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل)، ثم قال لي: (يا بني، وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن احتقر عمله قلت: يا عبد الله؛ إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرارت، فأردت ان آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدى به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق.
ثم إن على الداعي إلى الله تعالى أنّ يتخلّق بما يدعو إليه فإنّه ييسّر على المدعوّين قبول الدّعوة، إذ يرون داعيهم ممتثلاً لما يدعو إليه، فالنّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أمر بأمر بدأ فيه بنفسه وأهله، كما قال في خطبته في حجّة الوداع: «ألا وإنّ كلّ دم ومال ومأثرة كانت في الجاهليّة تحت قدميّ هاتين إلى يوم القيامة، وإنّ أوّل دم يوضع دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب.
ثمّ قال: ألا وإنّ كلّ رباً كان في الجاهليّة موضوع، وإنّ اللّه قضى أنّ أوّل رباً يوضع ربا العبّاس بن عبد المطّلب» أخرجه أحمد.
وكذا يجب على الداعي إلى الله تعالى أنّ تكون أخلاقه موافقة لمضمون دعوته، فيؤكّد مضمون الدّعوة ويقوّيه في نفوس المدعوّين والأتباع، فإنّه يكون مثلاً حيّاً لما يدعو إليه، ونموذجاً عمليّاً يحتذيه الأتباع، ويخرج في أنفسهم عن أن يكون مضمون الدّعوة أمراً خياليّاً بعيداً عن الواقع.
هذا بالإضافة إلى أنّ المدعوّ يتعلّم من أخلاق الدّاعية من التّفاصيل ما قد لا تبلّغه الدّعوة القوليّة، ولو أنّ أخلاق الدّاعي كانت على خلاف ما يدعو إليه كان ذلك تكذيباً ضمنيّاً لدعوته، وإضعافاً لها في نفوس المدعوّين والأتباع، والمعصية قبيحة من كلّ أحد، ولكنّها من الدّاعية أشدّ قبحاً وسوءاً، وهو مهلك لدعوته، قاطع للنّاس عن القبول منه.
وقد ذم الله تعالى في القرآن الكريم الذين يقولون مالا يفعلون، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف:2-3].
وأخرج البخاري عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلانا ما شأنك؟ أليس كنت تأمرننا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه).
فعلى الزوجين أن يعيا ذلك ويلتزماه سلوكاً في حياتهما.
وأسأل الله تعالى لهما التوفيق.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.