2010-06-13 • فتوى رقم 44386
السلام عليكم ورحمة الله
أعاني بشكل كبير من الخوف من الظلام، ولم أكن كذلك من قبل، والسبب في خوفي هو تفكيري الدائم بالقبر وظلمته ووحشته، حتى إنني أصبحت أؤخر صلاة الفجر لحين بزوغ أول خيط من النهار خوفاً من انقطاع الكهرباء فجأة خلال صلاتي.
فهل خوفي هذا من القبر وظلمته هو علامة صحة في الدين أم فساد فيه، مع العلم أنني ولله الحمد متدينة جداً ولا أقطع فريضة؟
وكيف أمنع نفسي من أن يقودني هذا الخوف إلى الهلاك،، وكيف أسيطر على خوفي لئلا يدخلني في مرحلة اليأس من رحمة الله، أو بطريقة أخرى: كيف أمزج بين مخافة القبر وعذابه، والتيقن من رحمة الله لعباده؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فكراهية الموت والخوف منه إنما تأتي من كثرة انغماس الإنسان في الملذات، ويكون علاج ذلك عن طريق تقوية الإيمان بالتوبة والاستغفار، وكثرة ذكر الله عز وجل، والإكثار من العمل الصالح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء) قيل: يا رسول الله وما جلاؤها؟ قال: (كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ولماذا يخاف المؤمن من الموت، والموت لا يعني الفناء فليس الموت إلا مرحلة من المراحل التي سيقطعها المؤمن في طريقه إلى لقاء ربه الغفور الرحيم؟! فالإنسان كان ماءً مهينا ثم صار علقة بعد ذلك، ثم صار مضغة بعد ذلك، ثم جنيناً في رحم أمه، ثم إلى الحياة الدنيا، ومنها إلى الحياة الآخرة. الجنين يرتعد فؤاده (في أول الأمر) خوفاً من الحياة الدنيا، وهي له أوسع وأكبر، والحياة الآخرة أوسع من الدنيا ولا شك، وهي للمؤمنين دار السعادة والجزاء الحسن، ولهم فيها الأمان والاطمئنان، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام82].
وما تجدينه من الخوف من عذاب الله هو من صفات المتقين، وقد أثنى الله عليهم بذلك فقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) [المعارج:27-28]؛ وقال: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور:37-38]، ولكن هذا الخوف لا يكون محموداً إلا إذا كان مصحوباً بالرجاء، فيحملُ على الاجتهاد في العمل، وبذل الوسع في الطاعة والعبادة ليحصل للمسلم ما يرجوه، ويأمن مما يخافه ويخشاه، وأما الخوف الذي يؤدي إلى القنوط واليأس من رحمة الله، فإنه مذموم وصاحبه على خطرٍ عظيم. قال تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر:56].
فعليك أن تصرفي وساوس الشيطان عنك، ثم لا تؤخري صلاة الفجر عن وقتها، إذ أن آخر وقتها هو طلوع الشّمس، وتأثمي إن بقيت على هذه الحالة، فصلاة الفجر بعد نهاية وقتها بطلوع الشمس تعتبر قضاء ولو كان ذلك قبل أذان الظهر من نفس اليوم، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ [النساء:103].
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.