2010-08-30 • فتوى رقم 45691
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل: إني في حيرة من أمري لأني أعرف طيلة عمري أن عقوبة الزانية والزاني المحصنين هي الرجم إلا أني شاهدت فيلما عن الرجم، وبعد أن شاهدت الفيلم حقيقة تصورت عملية الرجم شعرت أنها فعلا عملية دموية جدا وليس بها رأفة -لا بالزانية أو الزاني فهم لا يستحقون الرأفة- ولكن بمن ينفذون هذا الحكم فكيف يقف البشر ويمسكون بحجارة وينهالون بها عليها أو عليه حتى يقتلوه وهذا الوقت قد يأخذ ساعات! إنه أمر عنيف ويخلع الرحمة من القلوب.
مما جعلني أفكر: هل حقاً ربنا أمرنا بهذا أو الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بهذا؟
تذكرت حديث رجم الغامدية لكني تذكرت أول قاعدة في الفقه هي أن أول مصدر من مصادر التشريع هو القرآن، وثاني مصدر هو الأحاديث النبوية بشرط ألا تعارض نصا قرآنيا واضحا، كما أن القرآن وعدنا الله بحفظه, إلا أن الأحاديث هناك الضعيف منها وهناك الموضوع وهناك ما دسه اليهود وسط الكتب إلا أن هناك أيضاً الصحيح والحسن،
لكن إذا توفر الحكم في القرآن فإن الأمر منته، فأمسكت كتاب الله المصدر الأول للتشريع لأتدبر هذا الأمر وطبعاً ذهبت إلى سورة النور فهي التي تكلمت في هذا الشأن بوضوح
وكانت البداية وكأني أقرأها لأول مرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
فالله لم يتكلم في أول أي سورة عن نفس السورة كمثل هذه، فالله يقول أنزلناها وفرضناها (تدبر معني فرضناها) وأنزلنا فيها آيات بينات ( والله حينما يقول أن الآيات بينات فهي لا تحتاج لتوضيح من سنة ولا فقه ولا أي شيء فهو رب العزة) لعلكم تذكرون
ثم ابتدأ الله تبارك وتعالى بحد من حدوده
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
وهنا الأمر واضح جداً لم يفرق الله بين المحصنات وغير المحصنات
وَلْيَشْهَدْ (( عَذَابَهُمَا )) طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ
وهنا العذاب هو الجلد .. والمعروف أن العذاب يختلف عن الموت
ثم حينما ننظر للآية:
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
وهنا الحديث عن المحصنة التي يتهمها زوجها وليس له شهداء
أليس معنى العذاب هنا مثل ما في الآية الثانية؟
ثم حينما أذهب إلى سورة النساء في حالة الجارية التي تزني بعد زواجها قال تعالى:
فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)
نصف ما على المحصنات من (( العذاب ))؟ فهل هناك نصف رجم؟ أليس معنى (نصف) هنا أن حد الله يمكن عده وتقسيمه؟ 50 جلدة بدل من 100 جلدة
كما أن هناك آيات تتكلم عن المرأة الزانية وكأنها حية بعد تنفيذ حد الله فيها ويكون لها بعض العقوبات الأخرى:
الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) سورة النور
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) سورة النساء
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) سورة الطلاق
أليس كل هذا كافيا بأن نأخذ حكم المسألة من القرآن؟
أرجوك شاركني التفكير أو وضح لي الأمر إن كان عندي لبس، ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالقرآن والسنة مصدرا التشريع الإسلامي، وهما في رتبة واحدة، فالسنة تنسخ القرآن الكريم كما ينسخ القرآن السنة الشريفة.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.