2011-02-26 • فتوى رقم 47743
أبي سافر عندما كنت أنا -أصغر أبنائه- في التاسعة ولم يعد إلا بعد أن أصبح عمري 20 عاماً, خلال هذه الفترة لم يزرنا إلا لمدة شهر قبل 10 أعوام رغم أنه كان قادراً على ذلك, وقبل سفره لم يكن يتولى من التربية إلا جانب إلقاء الأوامر والإهانة والإحراج, لكنه لم يكن يعلم عنا شيئا ولم يكن يهتم بنا.
والدي لم يتول تربيتنا, وخلال سنوات عديدة لم يكن يصرف علينا, لم يهتم بنا, لم يقم بواجباته كأب على الإطلاق, فهل يجب علينا القيام بواجباتنا نحوه كأبناء؟
قبل أن تجيب يجب أن تعلم أنه متسلط لأبعد الحدود, وعنيد لدرجة لا يمكن تصورها, ويفوق غروره كل حد, فهو يرى نفسه فوق البشر, لذا يسب من يعرفه ومن لا يعرفه, ويحدث الجميع بصيغة الأمر, ويتعمد إحراجنا أمام الناس, ويهين أمي بسبب وبدون سبب, ويبذر المال على التباهي ثم يعاتب أمي لأن المال نقص, ويصرف على أخيه بتبذير رغم أنه ميسور الحال وجميع أبنائه يعملون, بل إن ابنته من أغنى سيدات الأعمال في البلد, بينما يبخل على أبنائه وزوجته رغم أننا لسنا ميسوري الحال بل مرت علينا أعوام من فقر مدقع لم يكن يصرف فيها علينا, وقطع كل صلة له ببناته من زوجات سابقات.
الآن بعد أن عاد فجأة يتحكم في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا رغم أننا راشدون, فهو يريد أن يحدد ما نأكله وما نشربه وما نلبسه ومن نزوره ومن نقطعه, وكيف نمشي وكيف نضحك وكيف نتكلم بل وأكثر.
سؤالي الثاني هو: بعد كل هذا هل علي أن أطيعه في كل صغيرة وكبيرة حتى لو كان ذلك سيضر بمصلحتي؟
وهل له الحق في أن يغير حياتي التي بينتها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فحق الأبوين على الأولاد كبير جداً، ولا يجوز للأولاد التنكر لهذا الحق مهما قصر الأبوان في حقهم، وعليهم القيام به في حدود الإمكان، وعليهم أيضاً ترك محاسبة الآباء أو الأمهات عن تقصيرهم في حق الأبناء، فبرُّ الوالدين باب عظيم من أبواب الخير والقرب من الله تعالى لا ينبغي للولد أن يحرم نفسه من ولوج هذا الباب، قال تعالى في حق الأبوين:(( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).(العنكبوت:8).
ولذلك فإنني أنصحك بأن تحسن لأبيك قدر إمكانك وتحاول بره بكل الطرق الممكنة، وبالقدر الذي لا يلحق بك ضرراً، وتعتذر بلطف عما يضر بمصالحك، وإلا كنت مسيئاً مثله أو أكثر منه، فإن بر الوالدين واجب مهما كانت تقصيراتهم، قال تعالى في حق الأبوين:(( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).(العنكبوت:8).
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.