2011-12-18 • فتوى رقم 54371
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، أما بعد:
يا فضيلة الشيخ لكم منا أفضل تحية وسلام وكذلك نبارك هذه القناة الإعلامية التي استطاعت بفضل من الله سبحانه وتعالى أن تتفاعل وتواكب قضايا الأمة الإسلامية وأن تتغلغل في وجدان الشباب الباحث عن التوبة والمغفرة والرجوع إلى طريق الهداية والنور باتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكي لا أطيل عليكم فأنا أريد أن أطرح عليكم فضيلة الشيخ مشكلتي وأرجو أن تكونوا عونا لي إن شاء الله.
أنا شاب في العشرين من عمري ومنذ بداية سن المراهقة قررت أن أتخذ طريق الإيمان طريقا وحيدا لا رجعة فيه وهذا بطبيعة الحال بفضل من الله عز وجل ورحمته بي، ولكني وبصراحة مطلقة أجد نفسي في وضعية مزرية بمعنى آخر أني أجد نفسي فاقد السيطرة على ذاتي وخصوصا على نفسي في بعض الأحيان بسبب عدم قدرتي على كبح جماح شهوتي في هذه الأوقات فأنا كما قلت لكم أحاول قدر المستطاع تجنب كل ما من شأنه أن يثير شهوتي أو يهيج مشاعري من أفلام وموسيقى وصور وحتى في الشارع أحاول غض بصري بقدر الإمكان وأكون في هذه الحال مرتاح البال والذهن ولكن المشكلة حقيقة تبدأ عندما أشاهد إحدى المتبرجات الساقطات وبدون قصد مني سواء في الإعلام أو في الإنترنت...فتعلق صورتها في ذهني وتبدأ الخيالات الجنسية بالنمو والتطور ليل نهار دون كابح يوقفها وأقولها بكل صدق أنه حتى في الصلاة لا تسلم من الهجمة الشرسة لهاته الخيالات الجنسية وبالتالي أجد نفسي أسير الشهوة وغارق في تيار من الأفكار الشيطانية التي لا أعلم أين تقودني وتصبح هي المسيطرة علي لا أنا المسيطر عليها الشيء الذي يجعلني أفكر في ممارسة الزنا والعياذ بالله بأي طريقة كانت المهم أني أريد تحقيق هذا الهدف فيبدأ إيماني وأعترف بها بالانسلاخ تدريجيا من جسدي رغم أني في مثل هذه اللحظات أفكر بالأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى ولكن الضغط النفسي والجنسي المتلازمين واللذين لا يعلمهما إلا الله كانا قد قيداني في زاوية ممارسة الجنس فمباشرة وأقولها بكل خجل من الله الذي ائتمنني على جسدي ومنكم فضيلة الشيخ ومن نفسي أخضع لوسوسة الشيطان وأمارس العادة السرية علها تعيد لي ذلك التوازن النفسي والجنسي مع أني أعي وبالتدقيق الآثار المترتبة على هذا الفعل القبيح وجزاءها عند ربنا الكريم، وعند الانتهاء أشعر بضيق نفسي وأتوب تلقائيا إلى الله تعالى وهنا يتبادر إلى ذهني مرة أخرى وأعلم علم اليقين أنها وسوسة الشيطان اللعين بأن الله تعالى لن يغفر لي معصيتي هذا لأنني دائما أرتكبها وأتوب كل مرة . فهل يا فضيلة الشيخ يمكنكم أن تفندوا لي هذه الوسوسة الشيطانية الأخيرة بالأدلة الشرعية؟ وهل يوجد حل جذري لمسألة العادة السرية؟
وشكرا لكم وجزاكم الله عنا خير جزاء وأقول إننا نحبكم في الله، وعذرا على طول الاستفسار ولكني عمدت أن أدرج مشكلتي بالتفصيل حتى تستوعبوا مدى المأزق الذي أنا فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الله تعالى: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) [الزمر: 53].
فباب التوبة النصوح مفتوح لكل عاص، وشرطها الندم والتصميم على عدم العود لمثلها، وإن كان فيها حق لأحد فلا بدّ من توفيته حقه، ثم الإكثار من الاستغفار والعمل الصالح، والتوبة الصادقة النصوح التي يتبعها عمل صالح تمحو الذنوب كلها بإذن الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الفرقان:70]. ، ثم إذا كان العبد راضياً عن توبته فذلك إشعار بقبولها عند الله تعالى إن شاء الله تعالى.
فعليك بمجاهدة النفس، والتذكر الدائم لله تعالى، وأنه مطلع على جميع حركاتك وسكناتك، لا تخفى عليه خافية، وعليك أن تكثر من الالتجاء إلى الله تعالى، وتعلن له عجزك وضعفك، وتطلب العون والثبات منه، فذلك أنفع علاج لما تعاني منه، وعليك بالبعد عن الأسباب المسببة للمعصية ذاتها مع غض البصر عما حرم الله، وترك رفقاء السوء، ثم الانشغال بطاعة الله سبحانه تعالى ومراقبته وكثرة الذكر له، والتذكر الدائم للموت، ثم الانشغال بعمل علمي أو مهني يشغل كل الوقت، مع السعي للزواج ما أمكن، والاستعانة بالصوم فإنه وجاء ووقاية كما أخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وأسأل الله تعالى أن يثبتك على طاعته، ويحفظك من معصيته، إنه سميع مجيب.
فلابد أولا من منع النفس من المعاصي لكن إن وقع المسلم _لا قدر الله_ في المعصية فلتبعها بتوبة صادقة نصوح، بالاستغفار والندم على المعصية والعزم الأكيد على عدم العود إليها، فبذلك يغفر الله له إن شاء الله تعالى، فإن عاد إلى المعصية فليعد إلى التوبة النصوح من جديد، روى أحمد في المسند عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّيْنُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فلا بد من التيقن بعد التوبة النصوح بأن الله تعالى غفر ومحى الذنب، فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.