2012-11-12 • فتوى رقم 59959
ما المقصود بقص الشارب؟ وهل يجوز حلقه تماما بالموسى؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الأخذ من الشّارب من الفطرة، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقصّ الشّارب» أخرجه مسلم.
واتّفق الفقهاء على أنّ الأخذ من الشّارب من السّنّة، لما سبق ولما ورد عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منّا) أخرجه الترمذي.
لكن الفقهاء اختلفوا في ضابط الأخذ من الشّارب، هل يكون بالقصّ أم بالحلق أم بالإحفاء؟
فأمّا الحنفيّة فقد اختلفوا فيما يسنّ في الشّارب، ونقل ابن عابدين الخلاف فقال: المذهب عند بعض المتأخّرين من مشايخنا أنّه القصّ، قال في البدائع: وهو الصّحيح ، وقال الطّحاويّ القصّ حسن والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثّلاثة.
وأمّا طرفا الشّارب، وهما السّبالان، فقيل: هما منه، وقيل: من اللّحية وعليه فلا بأس بتركهما، وقيل: يكره لما فيه من التّشبّه بالأعاجم وأهل الكتاب، وهذا أولى بالصّواب.
ونصّ الحنفيّة على أنّ توفير الشّارب في دار الحرب للغازي مندوب، ليكون أهيب في عين العدوّ.
وقال المالكيّة: قصّ الشّارب من الفطرة وهو سنّة خفيفة، فليس الأمر في الحديث للوجوب، والسّنّة: القصّ لا الإحفاء، والشّارب لا يحلق بل يقصّ، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: يؤخذ من الشّارب حتّى يبدو طرف الشّفة وهو الإطار، ولا يجزّه فيمثّل بنفسه.
وفي قصّ السّبالتين عندهم قولان.
وقال الشّافعيّة: قصّ الشّارب سنّة للأحاديث الواردة في ذلك، ويستحبّ في قصّ الشّارب أن يبدأ بالجانب الأيمن «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّيامن في كلّ شيء» أخرجه البخاري. وحدّ ما يقصّه: فالمختار أن يقصّ حتّى يبدو طرف الشّفة، ولا يحفّه من أصله، قالوا وحديث: «أحفوا الشّوارب» أخرجه البخاري، محمول على ما طال على الشّفتين، وعلى الحفّ من طرف الشّفة لا من أصل الشّعر، وقد روى التّرمذيّ عن عبد الله بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقصّ أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرّحمن يفعله»، وروى البيهقيّ في سننه عن شرحبيل بن مسلم الخولانيّ قال: رأيت خمسةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصّون شواربهم ويعفون لحاهم ويصغّرونها: أبو أمامة الباهليّ، وعبد الله بن بسر، وعتبة بن عبد السّلميّ، والحجّاج بن عامر الثّماليّ، والمقدام بن معدي كرب الكنديّ، كانوا يقصّون شواربهم مع طرف الشّفة.
وقال المحاطيّ وغيره: يكره حلق الشّارب.
وقال الباجوريّ: إحفاء الشّارب بالحلق أو القصّ مكروه، والسّنّة أن يحلق منه شيئاً حتّى تظهر الشّفة، وأن يقصّ منه شيئاً ويبقي منه شيئاً.
ونقل الزّركشيّ عن أبي حامد والصّيمريّ ، استحباب الإحفاء، ثمّ قال: ولم نجد عن الشّافعيّ فيه نصّاً، وأصحابه الّذين رأيناهم كالمزنيّ والرّبيع كانا يحفيان شواربهما ، فدلّ ذلك على أنّهما أخذا ذلك عنه، وقال الزّركشيّ: وزعم الغزاليّ في الإحياء أنّه بدعة، وليس كذلك فقد رواه النّسائيّ في سننه.
ولا بأس عند الشّافعيّة بترك السّبالتين، وهما طرفا الشّارب، لفعل عمر رضي الله عنه وغيره، ولأنّهما لا يستران الفم، ولا يبقى فيهما غمر الطّعام إذ لا يصل إليهما.
وقال الحنابلة: يسنّ قصّ الشّارب، أي: قصّ الشّعر المستدير على الشّفة، أو قصّ طرفه، وحفّه أولى نصّاً، قال في النّهاية: إحفاء الشّوارب أن تبالغ في قصّها، ومن الشّارب السّبالان وهما طرفاه، لحديث أحمد: «قصّوا سبالكم ووفّروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب» أخرجه أحمد.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.