2013-04-15 • فتوى رقم 62210
إذا كنت أعيش بمكة المكرمة فهل كما سمعت أن الحسنات تُضاعف لي وبنفس الوقت السيئات تضاعف لأني أعيش بمكة أم ماذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
جاء في الموسوعة الفقهية جوابا على سؤالك ما يلي: (تَضَاعُفُ السَّيِّئَاتِ بِمَكَّةَ
ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُجَاهِدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَغَيْرُهُمْ ، لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ .
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ مُقَامِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَقَالَ : " مَا لِي وَلِبَلَدٍ تُضَاعَفُ فِيهِ السَّيِّئَاتُ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ " .
فَحُمِلَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مُضَاعَفَةِ السَّيِّئَاتِ بِالْحَرَمِ ، ثُمَّ قِيلَ : تَضْعِيفُهَا كَمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ بِالْحَرَمِ .
وَقِيلَ : بَلْ كَخَارِجِهِ .
وَمَنْ أَخَذَ بِالْعُمُومَاتِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْمُضَاعَفَةِ قَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ".
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لابْنِهِ : " يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فَإِنْ عَصَيْتَ وَلا بُدَّ ، فَلْتَكُنْ فِي مَوَاضِعِ الْفُجُورِ ، لا فِي مَوَاضِعِ الأُجُورِ ، لِئَلا يُضَاعَفَ عَلَيْكَ الْوِزْرُ ، أَوْ تُعَجَّلَ الْعُقُوبَةُ " وَحَرَّرَ بَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ النِّزَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : الْقَائِلُ بِالْمُضَاعَفَةِ : أَرَادَ مُضَاعَفَةَ مِقْدَارِهَا أَيْ غِلَظَهَا لا كَمِّيَّتَهَا فِي الْعَدَدِ ، فَإِنَّ السَّيِّئَةَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةٌ ، لَكِنَّ السَّيِّئَاتِ تَتَفَاوَتُ ، فَالسَّيِّئَةُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَبِلادِهِ عَلَى بِسَاطٍ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهَا فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْبِلادِ ، وَلِهَذَا لَيْسَ مَنْ عَصَى الْمَلِكَ عَلَى بِسَاطِ مُلْكِهِ كَمَنْ عَصَاهُ فِي مَوْضِعٍ بَعِيدٍ عَنْهُ .
وَيُعَاقَبُ عَلَى الْهَمِّ فِيهَا بِالسَّيِّئَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا .
قَالَ تَعَالَى : {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وَلِهَذَا عُدِّيَ فِعْلُ الإِرَادَةِ بِالْبَاءِ .
وَلا يُقَالُ : أَرَدْتُ بِكَذَا ، لَمَّا ضَمَّنَهُ مَعْنَى يَهِمُّ ، فَإِنَّهُ يُقَالُ : هَمَمْتُ بِكَذَا .
وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ وَعَدَمِ فِعْلِهَا .
كُلُّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَصْحَابِ الْفِيلِ .
أَهْلَكَهُمْ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى بَيْتِهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : " لَوْ أَنَّ رَجُلا هَمَّ أَنْ يَقْتُلَ فِي الْحَرَمِ أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ الأَلِيمِ ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : " مَا مِنْ بَلَدٍ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْهَمِّ قَبْلَ الْفِعْلِ إِلا مَكَّةَ وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.