2013-06-03 • فتوى رقم 62901
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجوز للشخص الزواج من امرأة زانية على أساس أنها ستهدي بعد الزواج وذلك لتعلق شخص بها ويريدها في الحلال وهو يخاف من موضوع الشهوة عندها فهي تميل أحيانا لهذا الموضوع, فهل من تفعل ذلك لا تستطيع الخروج منه مع العلم بأن هذا الشخص ليس مثلها؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن لم تكن قد تابت وحسنت توبتها، فليس له الزواج منها، وإن كان الزواج منها إذا استجمع شروطه صحيح، وليبحث عن أخرى ذات خلق ودين، فهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمطلوب في الزوجة أن تكون صالحةً ذاتُ دين، فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء.
وفي الحديث الشريف إرشادٌ لأفضل السُّبل لاختيار شريكة العمر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( تُنكح المرأة لأربع :لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) أخرجه الشيخان.
فاللائق بذي الدِّين والمروءة أن يكون الدِّين مطمح نظره في كل شيء لاسيَّما فيما تطول صحبته لأنَّه به يحصِّل خير الدُّنيا والآخرة، ولذلك اختاره الرَّسول بآكد وجهٍ وأبلغه، فأمر بالظَّفَر الذي هو غاية البغية فلذلك قال: «فاظفر بذات الدين»، فإنك بها تكتسب منافع الدَّارين، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به، فاظفر أيُّها المسترشد بها.
والمقصود من هذا الحديث الشَّريف هو التَّحذير من أن يكون الهدف الأوَّل للمتزوج تلك الأمور الدُّنيوية وحدها، فإنَّها- إذا خلت من الدِّين- لا تحقق الغاية المنشودة من الزَّواج، فالواجب أن يكون الدِّين متوافراً أوَّلاً، لأنَّه الواقي من كلِّ خطر.
فالدِّين سيمنع الغنيَّـة من البطر، ويدفعها لشكر النِّعمة، ويمنع ذات الحسب من الكبر والغرور، ويجعلها في طاعة زوجها، ويدفع ذات الجمال لصون جمالها، ويبعد بها عن أن تذل بهذا الجمال فتقع في محظور.
فالدِّينُ هو العنصُر الأساس في اختيار الزَّوجة، ذلك أنَّ الزَّوجة سكنٌ لزوجها، وحرثٌ له، وهي مهوى فؤاده، وربَّةُ بيته، وأمُّ أولاده.. عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم، فإن لم تكن على قدرٍ عظيمٍ من الدِّين والخُلُق؛ فشِل الزَّوج في تكوين أسرةٍ مسلمةٍ صالحة.
أمَّا إذا كانت ذاتَ خلقٍ ودين كانت أمينةً على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفةً في نفسها ولسانها، حسنة لعشرةِ زوجها، فضمنتْ له سعادته، ولأولاد تربيةً فاضلة، وللأسرةِ شرفَها وسمعتَها، فاللائقُ بذي المروءة والرأي أن يجعل ذواتِ الدينِ مطمحَ النَّظر وغايةَ البُغية؛ لأنَّ جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْقِ، وغِنَى النَّفس أولى من غنى المال وأنفس، والعبرةُ في الخصال لا الأشكال، وفي الخِلال لا الأموال..
فالمرأة الصَّالحة صاحبة الدِّين والخُلق تعرف واجباتها؛ فتحفظ زوجها وأولادها، ولا تبذِّر المال، ولا تترك البيت الزَّوجي يسير على الضَّلال، انطلاقاً من الخوف من ربِّها سبحانه.
ويذكر الإمام الغزالي مضارّ اختيار الزَّوجة غير متديِّنة فقال: إنها كانت ضعيفة الدِّين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها، وسوَّدت بين النَّاس وجهه، وشوشت بالغيرة قلبه، وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاءٍ ومحنةٍ، وإن سلك سبيل التَّساهل كان متهاوناً بدينه وعِرضِه ومنسوباً إلى قلة الحميّة والأنفة.
وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشدّ، إذ يشقّ على الزَّوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها.
وإن كانت فاسدة الدِّين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشاً معه، فإن سكت ولم ينكره كان شريكاً في المعصية مخالفاً لقوله تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) [التحريم:6]، وإن أنكر وخاصم تنغَّص العمر، ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّحريض على ذات الدِّين، لأنَّ مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدِّين؛ فأمّا إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدِّين ومشوشة له.
وتعرف صاحبة الدين أن تكون من أسرة متدينة، وبسؤال الأقارب والجيران.
وكذلك احرص بأن تكون مقاربة لك في المستوى العام الثقافي والسن والمال، ولا تكون أرفع منك في ذلك ما أمكنك ذلك، ثم بأن تنظر إليها محجبة بين أهلها وترتضي شكلها وترضى هي بشكلك.
مع كثرة التضرع إلى الله تعالى طلبا للزوجة الصالحة التقية النقية التي تسعد معها في الدنيا والآخرة، أرجو لك أن توفق لخير زوجة تسعد معها في الدارين إن شاء الله تعالى.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.