2006-08-16 • فتوى رقم 6558
أبى توفي وأنا سني عام تقريباً، ودفن فى بلدتة، وبالطبع أنا لم أره، ولكني أيضا لم أذهب يوماً إلى قبره، ولا أي أحد من إخوتي، وأمي لها سنين لم تذهب أبداً، هل هكذا لم نوف له حقه، وهل الموتى يشعرون حقاً إذا ما زارهم أحد؟
وكذلك لا أعلم ماذا أستطيع أن أفعل له، هل أتصدق له أو أقوم بعمل صدقة جارية أنا وإخوتي، أم أقرأ له قرآنا دون زيارة؟
أعتذر عن كثرة الأسئلة، ولكنى حقاً عندما كبرت شعرت أنى لم أوفه حقه، ولم أكن أفكر فيه بشكل كافي، وأشعر أني مقصر جداً تجاهه.
أرجو الإفادة، وجزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
- فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه تشرع للرّجال زيارة القبور ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّها تذكّر بالآخرة»، ولأنّه صلى الله عليه وسلم « كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويقول: السّلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون». وزاد في رواية: «أسأل اللّه لي ولكم العافية».
فما بالك إن كان المدفون المزور هو الأب.
- ثم إن الميت يشعر بمن يزوره وهو في قبره، فقد ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال :« ما من أحد مرّ بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلّم عليه إلا عرفه وردّ عليه السّلام»، وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب، ثمّ جاء حتّى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقاً، فقال له عمر: يا رسول اللّه ، ما تخاطب من أقوام قد جيّفوا، فقال عليه الصلاة والسلام: والّذي بعثني بالحقّ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون جواباً»، وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه إنّه ليسمع قرع نعالهم»، ولهذا أمر النّبي صلى الله عليه وسلم بالسّلام على الموتى، حيث جاء أنّه صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا :«السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكم للاحقون».
قال ابن القيّم : وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسّلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار بأنّ الميّت يعرف زيارة الحيّ له ويستبشر به.
وجاء في فتاوى العزّ بن عبد السّلام : والظّاهر أنّ الميّت يعرف الزّائر، لأنّا أمرنا بالسّلام عليهم، والشّرع لا يأمر بخطاب من لا يسمع.
- يجوز لدى جماهير الفقهاء للإنسان أن يتصدق على الفقراء والمساكين ويهدي ثوابها إلى من شاء من الأموات أو الأحياء من أقاربه وغيرهم على سواء، ولا ينقص ذلك من أجره هو شيئا إن شاء الله تعالى، سواء في ذلك الصدقة العادية أو الصدقة الجارية، ومثل ذلك قراءة القرآن على روحه وكل الطاعات النافلة، وخصوصاً من الابن لأبيه.
قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
وعن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إنّ ممّا يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علّمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السّبيل بناه، - أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحّته وحياته يلحقه من بعد موته».
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.