2014-09-05 • فتوى رقم 68716
السلام عليكم
مقدمه لسيادتكم مهندس / م ر
وحيث إنني أعمل كمهندس في إحدى الدول، وقد تبين لي من خلال تواجدي في قطاع المقاولات، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال لأي شركة تحاشي التعامل مع قطاعات الفساد، والتي تغلب على قطاع المقاولات، حتى لو أرادت الشركات ذلك فإنها لا تستطيع مطلقاَ؛ لأنها أحد أطراف المعادلة وليست الطرف الوحيد، وللتوضيح فإن الشركة هي أضعف الأطراف؛ لأنه هناك المالك (وزارة أو خاص) وهناك من يمثلون هؤلاء الملاك، وكذلك هناك جهاز الإشراف، وكذلك هناك التعامل مع مختلف هيئات الدولة؛ لاستخراج التراخيص وخلافه، وخلال كل هذه التعاملات لابد وأن تسقط الشركة لا محالة في بوتقة الفساد من رشاوي وعمولات ونسب، بل تصل في بعض الأحيان أن يكون المشرف أو ممثل المالك شريكا للشركة جبراً، عذرا للاستفاضة ولكني أردت التوضيح وما زلت أوضح، وللتحديد في حالتي عرض علي إحدى الوظائف في شركة ما براتب يعادل مرة ونصف راتبي في شركتي الحالية، بالإضافة إلى امتيازات أخرى ومركز وظيفي رفيع، إلا أن خبرتي في مجال المقاولات وتحديدا الأسعار وبدراستي للمشاريع المطروحة في الشركة الجديدة، أرى أن تلك المشاريع نظريا وعمليا خاسرة لا محالة، إلا أنني على يقين من الأمور لا تسير بالدراسة، ليس لأن الدراسة لا تطابق الواقع، ولكن لأن هناك اتفاقيات تتم قبل بداية الأعمال مع الفاسدين، وهم كثر في كل مكان، ويتم تقديم كثير من الامتيازات الغير قانونية لهم، كالسيارات والمحروقات والموبايلات ويمكنك القول الأموال وفى كثير من الأحيان هم من يطلبون ويأمرون بذلك، ويضطر المقاول إلى الإذعان لتلك الطلبات، وهو يعلم في قرارة نفسه أنه سيسترد تلك الأموال وأضعافها من العمل الذي يقوم به من خلال زيادة الكميات أو مخالفة المواصفات الخ، ولا يمتنع المرتشين عن مباركة ذلك (لأنه كاسر عينهم) ويجد في ذلك مبررا
إلا أن ذلك ليس المبرر الوحيد للقيام بالسرقة لاسترداد تلك الأموال، حيث أنه كما أشرت سابقا أنه من البداية يعلم أن هذا المشروع خاسر لا محالة، وأنه يجب عليه أن يضع سعرا أعلى من السعر الموضوع حتى يحقق المشروع الكفاف أو شيئاً من الأرباح، ولكنه يواجه بمشكلة أخرى عند وضع السعر، أن الشركات المنافسة تضع أسعارا محروقة اعتمادا على معالجة ذلك لاحقا بنفس الخطة المشار إليها سابقا بالتعامل مع المرتشين، وأؤكد أنهم موجودون كما أن هناك شركات غسيل أموال لا يهمها الخسارة كل ما يهمها أن تأخذ المشروع مهما كانت الخسارة لتبييض الأموال، بمعنى آخر إذا أردت النزاهة فابحث لك عن مكان آخر، في كل هذه الملابسات يضطر أصحاب الشركات لا محالة الانخراط في مثل هذه التعاملات، حتى أصبحت جزء أصيلا من العمل، وجزء أصيلا من الدراسات التي تقوم بها الشركات، وخاصة مشاريع الصيانة الحكومية، فهم يعولون كثيرا على تلك المعاملات الفاسدة في تقديرهم للأسعار وهي مجازفة كبيرة، نأتي إلى الموظفين في تلك الشركات وأخص المهندسين والجهاز المعاون لهم فكثير منهم ينخرط في هذا الفساد (كأن يقدم رشوة - كأن يخالف المواصفات ..الخ) علما بأنه ينفذ أوامر مديرية على الرغم من عدم رغبته في فعل ذلك، وعلمه بحرمته، ويعيش صراعا شديدا ما بين تنفيذ هذا الفعل وما بين تهديد وظيفته، وأنه وإن ترك هذا المكان وذهب لشركة أخرى سيتعرض لمواقف أخرى شبيهة بنفس المواقف السابقة، فأين هو المخرج لهؤلاء؟
وفي حالتي فأنا أعمل بشركة تريد أن تكون نزيهة، ولكن لا تخلو هي الأخرى من الوقوع في هذا المستنقع حتى تستمر الأعمال، وأنا متأكد من ذلك، ولكني لا أشارك بتلك الأعمال مطلقا، على الرغم من علمي بها يقينا، وأقول لنفسي أنت متعاقد مع الشركة للقيام بعمل لمدة 8 ساعات عليك أن تراعي الله في هذا الوقت، وأن تكون مخلصا لعملك، حتى إنني طلبت من الشركة منذ فترة طويلة أن أكون مسؤولا عن أعمال الإنشاءات، لأن معاملات الفساد فيها محدودة تصل أن تكون معدومة أحيانا، مقارنة بأعمال الصيانة التي هي بؤرة الفساد، ووافقت الشركة على ذلك، فهل هذا كافي للخروج من هذه المعضلة؟
ومع العرض الذي حظيت به في شركة جديدة قد أكون أحد المهندسين المهمين في تلك الشركة، وأنني سأكون مسؤولا عن كثير من القرارات، باستثناء تلك القرارات التي تخص الفاسدين حسب الاتفاق الذي بيننا، أي أن دوري فني فقط، ولكني لست بملاك، وعندي من الخبرة ما يكفيني أنه لا يمكن لصانع القرار الفني أن يتلاشى الأرباح أو الخسائر، ومن هنا يتدخل الشيطان
ولا أعلم هل أقبل العرض من باب التجربة تأكيدا على أهمية هذ العرض بالنسبة لي وامتيازاته المادية والمعنوية وإقرارا عند حدوث موقف ما أم ماذا أفعل؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمحرم عليك هو المشاركة الفعلية في المحرمات أو تسهيلها... كدفع الرشوة والأعمال التي فيها تزويرا أو كذبا مثلا....، وإن لم تشارك أنت في شيء من المحرمات، وكان عملك الشخصي بعيدا عنها، فلا مانع منه، مع وجوب نصح الناس حولك، وتذكيرهم بالله تعالى، وأسأل الله لك التوفيق.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.