2006-12-24 • فتوى رقم 9630
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال عليه الصلاة والسلام فيما معناه:
"تنكح المرأة لثلاث: لجمالها، أو مالها، أو دينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
حديث واضح وصريح لا جدال فيه، فأين الغلط، ولماذا يسمى زواج مصلحة بالرغم من أن الرسول لم يعيب فيه؟
وما العيب في مساعدة المرأة للزوج: هل ينتقص ذلك من رجولته؟
لماذا يعتبر عقد الزواج عقد مصلحة ويذم فيه إذا كان لدى المرأة ما يطمح الرجل له من مال أو جاه أو حياة جديدة أو مكسب
شرعي؟
أيهما أفضل: أن تتزوج المرأة الأغنى منها، أم الذي أقل منها؟
هل يبقى الرجل قواما حتى لو كان أقل شأناً من المرأة؟
هل تسقط عنه القوامة وعمادة البيت؟
هل اختلاف السن والبيئة والمستوى الاجتماعي يقضي مسبقاً على الود والرحمة بين الرجل والمرأة بالفشل؟
هل ينتقي المجتمع ما يحب من الدين ويترك منه ما يكره؟
سمعت اليوم تعليقاً من إحدى الفتيات يخص امرأة أحبها شاب، يعتقد الجميع أنها أكبر منه، المهم كان تعليقها أن هذه المرأة عجوز شمطاء تحب شاباً بعمر أبنائها، ونعتتها بالساقطة وبنت الشوارع.
فكرت قليلاً في وضع مشابه حدث مع رسولنا الكريم، وأول زوجاته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهل رأي تلك الفتاة هو نفسه يا ترى في أم المؤمنين؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فيستحبُّ أن تكون الزوجة صالحةً ذاتُ دين، فهذا هو الأصل وبه ينبغي أن يقع الاعتناء.
وفي الحديث الشريف إرشادٌ لأفضل السُّبل لاختيار شريكة العمر، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« تُنكح المرأة لأربع :لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». أخرجه الشيخان.
فاللائق بذي الدِّين والمروءة أن يكون الدِّين مطمح نظره في كل شيء لا سيَّما فيما تطول صحبته لأنَّه به يحصِّل خير الدُّنيا والآخرة، ولذلك اختاره الرَّسول صلى الله تعالى عليه وسلم بآكد وجهٍ وأبلغه، فأمر بالظَّفر الذي هو غاية البغية فلذلك قال: «فاظفر بذات الدين»، فإنك بها تكتسب منافع الدَّارين، تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به، فاظفر أيُّها المسترشد بها.
والمقصود من هذا الحديث الشَّريف هو التَّحذير من أن يكون الهدف الأوَّل للمتزوج تلك الأمور الدُّنيوية وحدها، فإنَّها- إذا خلت من الدِّين- لا تحقق الغاية المنشودة من الزَّواج، فالواجب أن يكون الدِّين متوافراً أوَّلاً، لأنَّه الواقي من كلِّ خطر.
فالدِّين سيمنع الغنيَّة من البطر، ويدفعها لشكر النِّعمة، ويمنع ذات الحسب من الكبر والغرور، ويجعلها في طاعة زوجها، ويدفع ذات الجمال لصون جمالها، ويبعد بها عن أن تذل بهذا الجمال فتقع في محظور.
فالدِّينُ هو العنصُر الأساس في اختيار الزَّوجة، ذلك أنَّ الزَّوجة سكنٌ لزوجها، وحرثٌ له، وهي مهوى فؤاده، وربَّةُ بيته، وأمُّ أولاده .. عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم، فإن لم تكن على قدرٍ عظيمٍ من الدِّين والخُلُق؛ فشِل الزَّوج في تكوين أسرةٍ مسلمةٍ صالحة.
أمَّا إذا كانت ذاتَ خلقٍ ودين كانت أمينةً على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفةً في نفسها ولسانها، حسنة لعشرةِ زوجها، فضمنتْ له سعادته، ولأولاد تربيةً فاضلة، وللأسرةِ شرفَها وسمعتَها، فاللائقُ بذي المروءة والرأي أن يجعل ذواتِ الدينِ مطمحَ النَّظر وغايةَ البُغية؛ لأنَّ جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْقِ، وغِنَى النَّفس أولى من غنى المال وأنفس، والعبرةُ في الخصال لا الأشكال، وفي الخِلال لا الأموال..
فالمرأة الصَّالحة، صاحبة الدِّين والخُلق، تعرف واجباتها، فتحفظ زوجها وأولادها، ولا تبذِّر المال، ولا تترك البيت الزَّوجي يسير على الضَّلال، انطلاقاً من الخوف من ربِّها سبحانه.
ويذكر الإمام الغزالي مضارّ اختيار الزَّوجة غير متديِّنة فقال: إنها كانت ضعيفة الدِّين في صيانة نفسها وفرجها أزرت بزوجها، وسوَّدت بين النَّاس وجهه، وشوشت بالغيرة قلبه، وتنغص بذلك عيشه، فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاءٍ ومحنةٍ، وإن سلك سبيل التَّساهل كان متهاوناً بدينه وعِرضِه ومنسوباً إلى قلة الحميّة والأنفة.
وإذا كانت مع الفساد جميلةً كان بلاؤها أشدّ، إذ يشقّ على الزَّوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها، ويكون كالذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ عندي امرأة هي من أحب الناس إلي، وهي لا تمنع يد لامس، قال:«طلِّقها»، فقال: لا أصبر عنها، قال :«استمتع بها»، وإنَّما أمره بإمساكها خوفاً عليه بأنَّه إذا طلقها أتبعها نفسه وفسد هو أيضاً معها؛ فرأى ما في دوام نكاحها من دفع الفساد عنه من ضيق قلبه أولى.
وإن كانت فاسدة الدِّين باستهلاك ماله أو بوجه آخر لم يزل العيش مشوشاً معه، فإن سكت ولم ينكره كان شريكاً في المعصية مخالفاً لقوله تعالى :( قو أنفسكم وأهليكم نارا)[التحريم:6]، وإن أنكر وخاصم تنغَّص العمر، ولهذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التَّحريض على ذات الدِّين، لأنَّ مثل هذه المرأة تكون عوناً على الدِّين؛ فأمّا إذا لم تكن متدينة كانت شاغلة عن الدِّين ومشوشة له.
وتعرف صاحبة الدين أن تكون من أسرة متدينة، وبسؤال الأقارب والجيران.
والزوج قيّم على زوجته، والمقصود أنّ الزوج أمين عليها يتولى أمرها ويصلحها في حالها ، ويقوم عليها آمراً ناهياً كما يقوم الوالي على رعيته.
قال ابن كثير في تفسير قول الله تعالى :« الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء»، أي الرجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها مؤدّبها إذا اعوجت.
ومقتضى قوامة الرجل على المرأة أنّ على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة الله وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام، وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره وقبول قوله في الطاعات.
وأتمنى لك التوفيق.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.