2007-06-25 • فتوى رقم 17304
في سؤال عن سبب عدم السماح للمسيحين بناء كنائس في الجزيرة العربية، كان جوابكم أنهم مشركين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من الجزيرة.
وفي مكان آخر حول الزواج من أهل الكتاب أفتيتم بجواز الزواج من المسيحية، بل وأكل ذبيحة المسيحي.
ألا تجدون في هذه الأحكام تناقضاً واضح لا يتناسب مع الواقع، فإن كانوا مشركين ويجب إخراجهم من الجزيرة؛ فكيف يحق لنا أن نتزوج نساءهم؟
وكيف يحق لنا أكل ذبائحهم عندما لم يذكر اسم الله عند قتل هذه الذبائح (المسيحيين لا يذبحون، وإنما يقتلون بالخنق أو الإطلاق الناري).
سؤالي قد يكون ثقيل دم، لكن أرجو احتمالي والجواب بشكل مفصل، بدون اللجوء إلى عموميات غير واضحة كما كان جوابكم على أسئلة كثيرة.
وجزاكم الله خيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأهل الكتاب هم اليهود (وكتابهم التوراة الذي أنزل على سيدنا موسى عليه السلام)، والنصارى (وكتابهم الإنجيل الذي أنزل على سيدنا عيسى عليه السلام).
فاليهود والنصارى أهل كتاب وكفرة في الوقت ذاته، ولا تنافي بين الأمرين، فقد وصفهم الله تعالى بالكفر في الكتاب الكريم فقال تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة:73]، وقال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة:30]، وقال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة:72]، وقال: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85].
ولكن ميز أهل الكتاب عن باقي الكفرة بأمرين: الأول: الزواج من نسائهم، والثاني: الأكل من ذبائحهم.
فزواج المسلم بالمرأة من أهل الكتاب (اليهود والنصارى) جائز على ما يعتقدون من عقيدة فاسدة، لقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة:5].
وكذلك ذبائح أهل الكتاب حلال إذا ذبحت بالطرق الشرعية، ولو بغير تسمية عليها عند الذبح، ولكن على المسلم أن يسمي الله تعالى عند الأكل منها.
وإنّما حلّت ذبيحة أهل الكتاب لقوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة:5]، أما إذا خنقت خنقا فلا يجوز للمسلم أكلها.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.