2012-11-22 • فتوى رقم 60119
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي فضيلة الدكتور أحمد الحجي الكردي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأسأل الله تعالى أن يبارك لنا في عمركم وصحتكم وعلمكم, وأن يجزيكم عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
سؤال: فتاة عزباء تعرَّضت للاعتداء عليها بالاغتصاب من قبل أحد الأشرار, وسكتت عن هذا الأمر ولم تخبر به أحداً, وبعد خمسة أشهر علمت بأنها حامل, فأخبرت أمها بالأمر, فخافت أمها من الأمر, لأنها على يقين بأن والدها وإخوتها إذا علموا بالأمر فسيقتلونها بسبب عاداتهم العشائرية, فهل يجوز إسقاط هذا الحمل علماً أن عمره خمسة أشهر؟
وجزاكم الله تعالى خير الجزاء, وحبذا لو تفضلتم بالإجابة على السؤال بالسرعة الممكنة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
لا خِلافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ. وهو أن يتم الجنين في بطن أمه أربعة أشهر، للحديث الشريف: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ) رواه البخاري، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا نُفِخَتْ فِي الْجَنِينِ الرُّوحُ حُرِّمَ الإِجْهَاضُ إِجْمَاعًا. وَقَالُوا إِنَّهُ قَتْلٌ لَهُ، بِلا خِلافٍ.
وَالَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ إِطْلاقِ الْفُقَهَاءِ تَحْرِيمَ الإِجْهَاضِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ أَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ فِي بَقَائِهِ خَطَرٌ عَلَى حَيَاةِ الأُمِّ وَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَصَرَّحَ ابْنُ عَابِدِينَ بِذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ الْجَنِينُ حَيًّا، وَيُخْشَى عَلَى حَيَاةِ الأُمِّ مِنْ بَقَائِهِ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ تَقْطِيعُهُ؛ لأَنَّ مَوْتَ الأُمِّ بِهِ مَوْهُومٌ، فَلا يَجُوزُ قَتْلُ آدَمِيٍّ لأَمْرٍ مَوْهُومٍ.
أما قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ: (أي قبل أن يتم أربعة أشهر) ففيه للفقهاء اتِّجَاهَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ،
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالإِبَاحَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُبَاحُ الإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَمْلِ، مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخَلُّقِ فِي عِبَارَتِهِمْ تِلْكَ نَفْخُ الرُّوحِ.
وَهُوَ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اللَّخْمِيُّ فِيمَا قَبْلَ الأَرْبَعِينَ يَوْمًا،
وَقَالَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَبْلَ الأَرْبَعِينَ أَيْضًا، وَقَالَوا َالْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ الأَوْجَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَبلَيةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلامُ ابْنِ قُدَامَةَ وَغَيْرِهِ بَعْدَ مَرْحَلَةِ النُّطْفَةِ، إِذْ رَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ وَالْغُرَّةَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.