2008-03-01 • فتوى رقم 27352
السلام عليكم
ماهو تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح)، حيث إن هناك في البلاد العربية مدن هي عبارة عن نماذج من دول أوروبية كافرة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فبعض الأحاديث يدل على أن الهجرة انقطعت بفتح مكة، مثل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية) أخرجه البخاري.
وبعضها الآخر يدل على أن الهجرة باقية إلى قيام الساعة، مثل ما روي من حديث معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) أخرجه أبو داود.
وقد جمع الفقهاء بين تلك الأحاديث التي ظاهرها التعارض، وتأويلها على ثلاث أقوال:
أحدهما: أن الهجرة كانت في أول الإسلام مندوبا إليها، ثم فرضت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فلما فتحت مكة ارتفع وجوب الهجرة، وعاد الأمر فيها إلى الندب والاستحباب، فهما هجرتان: المنقطعة هي المفروضة، والباقية هي المندوبة.
والثاني: أن الهجرة من مكة إلى المدينة ارتفعت يوم الفتح؛ لأن مكة صارت يوم الفتح دار إسلام، وكانت الهجرة عنها قبل ذلك واجبة؛ لكونها مساكن أهل الشرك، فمن حصل عليها فاز بها وانفرد بفضلها دون من بعدهم. وهذا هو الفرض الذي سقط. أما الهجرة الباقية الدائمة إلى يوم القيامة فهي هجرة من أسلم بدار الكفر؛ إذ يلزمه أن لا يقيم بها حيث تجرى عليه أحكام الكفار، وأن يهاجر ويلحق بدار المسلمين حيث تجرى عليه أحكامهم، إلا أن هذه الهجرة لا يحرم على المهاجر بها الرجوع إلى وطنه إن عاد إلى دار الإسلام كما حرم على المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة للذي ادخره الله لهم من الفضل في ذلك.
وقد توسع بعض أصحاب هذا القول في دواعي الهجرة الباقية، فقال: إن مفارقة الأوطان إلى الله ورسوله التي هي الهجرة المعتبرة الفاضلة المميزة لأهلها من سائر الناس امتيازا ظاهرا، لكن المفارقة من الأوطان بسبب نية خالصة لله تعالى كطلب العلم، والفرار بدينه من دار الكفر ومما لا يقام فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزيارة بيت الله وحرم رسول الله والمسجد الأقصى وغيرها أو بسبب الجهاد في سبيل الله باقية مدى الدهر.
والثالث: أن الهجرة الفاضلة التي وعد الله عليها بالجنة، كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه، انقطعت بفتح مكة. أما الهجرة الباقية فهي هجر السيئات حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله وإلى رسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفي الناس العمل) أخرجه أحمد.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه) أخرجه البخاري.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.