2005-11-19 • فتوى رقم 46
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 25 عاماً من اليمن، جامعي متزوج وعندي ولد أكرمني الله به في رمضان الماضي، مستقر في حياتي الزوجية والعملية ولله الحمد، وأنا أكبر أولاد أبي، ولي أخوان صغيران عمرهما سنة تقريباً من زوجة أبي الثانية.
مشكلتي بدأت قبل سنتين ونصف تقريباً عندما ألتحقت بالعمل بإحدى المؤسسات، وأراد أبي أن يأخذ جزءاً من الراتب(أقل من الثلث بقليل) بحجة أن هذا إيجار عليك وعلى زوجتك المقيمة في اليمن، بالإضافة إلى أنه يحتفظ ببطاقة الصراف الآلي الخاصة بحسابي بالبنك بحجة محافظته على راتبي من الضياع، ويعطيني منه مصروفاً يكاد يغطي مصاريف البترول من وإلى العمل، ويقول لي إذا أردت أي مبلغ آخر:"أخبرني لماذا، وإذا وافقت سأعطيك سواء كانت هذه المصاريف الخاصة لزوجتك أو تعطيها لأمك ـ وهي المنفصلة عن أبي(بدون طلاق) والمقيمة في اليمن ـ ، أو غيرها من المصاريف، مع العلم أن أبي يكفيهم مصروفاتهم الأساسية هناك.
بعدها بفترة زاد أبي المبلغ الذي يأخذه كل مرة، ثم زاده مرة أخرى حتى وصل إلى ثلث الراتب، ونقص علي المصروف الخاص بي، بالإضافة إلى معاملتي كأنني أمامه لا شيء ورأيت أن الهدف من كل هذا مادي بحت، وأن العلاقة بين الأب وابنه تحسب بالأرقام فقط ، وكلما ناقشته في هذه النقطة قول: "أنت ومالك لأبيك"، ( حتى دراستي الجامعية كانت بالمجان.. وزواجي أنا دفعت تكاليفه كاملة والحمد لله، وأبي حالته المادية والصحية لا بأس بها والحمد لله، فزادت المشاكل بيننا بدون أن أرفع صوتا أو يدا ولا زلت على هذه الحال والحمد لله، لكن أبي يعرفه القاصي والداني، لا يقبل النقاش، وهو معروف بأنه عنيد جداً جداً لأبعد الحدود وصاحب مشاكل، المهم:أنه كان علي ضغط نفسي شديد وقتها، بعدها خيرني أبي إما تقبل هذا الوضع، أو تبحث لنفسك عن حياة أخرى، وطبعاً نظراً لكل هذه الظروف أنا خرجت من عنده، وبعدها أبي حاول أنه يسجنني، وبالفعل سجنني لمدة خمسة أيام، واستطعت أن أخرج من السجن دون معرفته بذلك، لأنه كان يريد أن يعيدني إلى اليمن رغم أني ولدت هنا وعشت حياتي كلها هنا، طبعاً تجاوزت هذه المرحلة وبدأت حياتي الخاصة، وأحضرت زوجتي للإقامة عندي بعد أن طردها أبي من بيته في اليمن، وأبي يقاطعني مقاطعة كاملة ( لا زيارات مسموحة ولا تليفونات، حتى أخواتي المتزوجات وغير المتزوجات منعنهن أن يكلمنني، حتى أمي منعها، ولكن طبعاً أكلمهم بالسر دون أن يعلم الوالد، وتوسطت أكثر من مرة أهل الخير للصلح مع أبي بأية طريقة..أية طريقة إلى أن أرجع إلى البيت، ولكنه رفض ذلك.. المهم بعد محاولات عدة (استمرت سنتين!) وافق أبي على الصلح بشرط أن أعود عنده في البيت مع زوجتي وولدي وبنفس الشروط السابقة، رغم أني كنت أشترط على أطراف الصلح الوعد بأي شئ للصلح ما عدا أن أعود عنده للبيت..
والآن أنا في حيرة شديدة، أريد أن أبر أبي وأصطلح معه، لكني متأكد تماماً من المشكلات الكبيرة التي ستقع بيننا في حال عودتي للبيت، سواء بيني وبين أبي لأني بعد أن ذقت طعم الحرية قد لا استسيغ العودة إلى التقييد مرة أخرى، أو بين زوجتي وزوجة أبي مع العلم بأن زوجة أبي أصغر مني، وبصراحة لا أحد ممن يعرفون أبي حق المعرفة نصحني بالعودة، وإنما بمواصلة حياتي مع البر به بأي طريقة أخرى مادية أو معنوية، أمي تقول أنها لا تريدني أن أكون وزوجتي الضحية كما كانت هي.. ولكنها مع ذلك على الحياد، وزوجة أبي لا أعرف خيرها من شرها، وأنا على قناعة تامة أني قد لا أستطيع أن أبر أبي إذا عدت للبيت نظراً للحساسية العالية بيننا الآن، لأن أي شرارة تجلب أكبر مشكلة، فما العمل؟
ملاحظة : بعد أن خرجت لأول مرة من عند أبي، وبعد تدخل أحد الوجاهات الاجتماعية جمع بيننا وأجبرنا على الصلح، وبالفعل عدت عند أبي بالبيت ووقتها كنت لوحدي فقط، ولكن للأسف أبي طردني من البيت بعد أسبوع واحد فقط وفي منتصف الليل لأنه طلب أن أعطيه كشف حسابي بالبنك وأنا رفضت ذلك.
أفيدونا..هل نعود؟ أم لا؟ جزاكم الله كل خير.. ونفع بكم أمة الإسلام.. ولا تنسونا من صالح دعائكم.. ابنكم: أبو أحمد أ. ع.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأندبك إلى نسيان كل ما فات، والتصرف مع والدك بما يمليه عليك ضميرك الحي، فيكون تصرفا لبقاً، مع البقاء على احترامك لأمك أيضاً والتي ضحت كثيراً في سبيل سعادتك، فحق الأبوين على الأولاد كبير جداً، ولا يجوز للأولاد التنكر لهذا الحق مهما قصر الأبوان في حقهم، وعليهم القيام به في حدود الإمكان، و عليهم أيضاً ترك محاسبة الآباء أو الأمهات عن تقصيرهم في حق الأبناء إن حصل ذلك ابتغاءً لوجه الله تعالى، ولذلك فإنني أنصحك أخي الكريم بأن تحسن لأبيك قدر إمكانك وتحاول بره بكل الطرق الممكنة، بالقدر الذي لا يلحق بك ضرراً، وإلا كنت مسيئاً مثله أو أكثر منه، فإن بر الوالدين معاً واجب مهما كانت تقصيراتهم، وربما كان لبعضهم عذر فيها فلا تتحمل نتائج القطيعة لأحد فيهم، ولكن في الحدود الضيقة، وكذلك صلة الآرحام، واستمع معي لقوله تعالى في حق الأبوين:(وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).(العنكبوت8).
ولا أرى ها هنا وجوب العودة للسكن مع والدك في منزله، خصوصاً إذا كان الوضع كما ذكرت قد يترتب عليه أذى أكبر وقطيعة رحم جديدة، لكن مع مراعاة أن لا يقع منك تقصير أو إساءة في المعاملة أو الحديث معه،أو تبتعد عنه حال حاجته إليك. وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.