أسس النظام الاقتصادي الإسلامي البديل
بحث كتبه لمؤتمر
تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة وآثارها السلبية
المنعقد من قبل دار الرقابة للاستشارات الشرعية
في غرفة تجارة وصناعة الكويت
في 18-19 /11/2008م
الأستاذ الدكتور
أحمد الحجي الكردي
تمهيد:
الأزمة المالية العالمية التي يعيشها العالم كله اليوم، لم تعد خافية على أحد، فهي حديث العلماء، مختصين وغير مختصين، وحديث التجار، كبارا وصغارا، بل هي حديث الناس جميعا على مختلف أجناسهم وأعمارهم ولغاتهم وأديانهم ومصالحهم، فهي مالئ الدنيا وشاغل الناس من غير خلاف.
فالفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات، لا تنسى هذا الموضوع في يوم من أيامها في الآونة الأخيرة، وهو الحديث الأول والشاغل الأهم لمجهودها، والناس في مجتمعاتهم لا حديث لهم إلا الأزمة المالية العالمية، فهي أول ما ظهرت كانت في أمريكا، ولكن سرعان ما انتشرت وعمت كل الأصقاع في العالم، الغني والفقير، الغنى خوفا على نقص ثروته، والفقير خوفا من الجوع والعري.
ولا بد لأي باحث مهما كان تخصصه من أن يبذل جهده في دراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة، ويحاول اقتراح الحلول الناجعة لها، كل على قدر تخصصه وقدراته العقلية والعلمية.
لقد أفلس النظام الشيوعي سابقا، وانطفأت شعلته، وتخلى عنه واضعوه، وأفلس النظام الرأسمالي لاحقا، وانكشف عواره، وأصبح التفتيش عن البديل حديث الناس ومطلب العلماء والقادة والباحثين وواجبهم، فالأمة أمانة في عنق العلماء والقادة والباحثين، ولا يجوز لهم التخلي عنها في أزماتها.
وهذا ما حدا بي لأن أشارك في هذا الموضوع المهم والخطير، مستعينا بالله تعالى، ومعتمدا على نصوص القرآن والسنة، وما قرره الفقهاء الكرام، فإن في ذلك الحل الأمثل لمشكلاتنا الاقتصادية والمالية وسائر المشكلات الأخرى.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3)، وقال صلى الله عليه وسلم :(قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) رواه أحمد وابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنِّى قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِى) رواه البيهقي وعدد من أئمة الحديث الشريف.
هذه النصوص القاطعة والشاملة وغيرها كثير في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، تدل على أن مرجع البشرية كلها في كل أمورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، العّقَدية والاجتماعية، والخُلُقية، والسياسية، والاقتصادية، والأُسرية، وغيرها، ولا يجوز لعاقل أن يخرج عنها أو يخالفها، وإلا كانت نتيجة ذلك الخسران في الدنيا والعقاب في الآخرة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107).
وما نراه اليوم في عالمنا المعاصر من حروب ونزاعات ونكبات وأزمات، في مختلف أنحاء العالم، ما سببه في حقيقة الأمر إلا الخروج على أحكام الله تعالى، والبعد عنها، ومخالفتها، وطريق الخلاص من ذلك كله الرجوع إلى الله تعالى ورسوله، والانضباط بأحكامه، والإسلامُ بتشريعاته الشاملة إذا لم يرتضه بعض البشر عقيدة ودينا لهم ليجنبهم عذاب الله تعالى في الآخرة، ويدخلهم جنته، فليس عليهم إلا أن ينصاعوا له في معاملاتهم وعلاقاتهم المختلفة على أقل تقدير، ليتخلصوا من الفوضى والظلم والضياع الذي هم فيه في الدنيا، إلى الهدى والرشد وانتظام الأمور.
وفي هذا النطاق، أحاول -ما استطعت- أن أرسم في هذا البحث الخطوط الأولى والعريضة لمعالم النظام الاقتصادي الإسلامي، تاركا التفصيلات والجزئيات إلى المتخصصين، وإلى بحوث مطولة يضعونها على مَهَل، بما يناسب العصر والعرف والحاجة.
أهم المبادئ والأسس للاقتصاد الإسلامي:
1)) الاقتصاد الإسلامي بكل مشتملاته هو جزء لا يتجزأ من النظام الإسلامي العام الشامل، الخُلُقي، والاجتماعي، والتشريعي، الذي لا ينفك جزء منه عن جزء، ولذا لا يمكن إفراده بالبحث من غير إشارة إلى صلته الوثيقة بباقي المبادئ الإسلامية الأخرى.
2)) المال في الإسلام وسيلة لاستدامة الحياة، وليس غاية لها، والغاية الأولى من الحياة هي الانتظام بأحكام الله تعالى، والانصياع لها، والتمسك بها: قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات: 56-58)، وقال جل من قائل: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77) ، ففي هذا بيان شاف إلى أن الخروج على أحكام الله تعالى نتيجته الفساد في الأرض، وهو ما تعاني منه البشرية الآن.
3)) التجارة والصناعة والزراعة وسائر الأعمال الإنتاجية الأخرى مباحة شرعا، لأهداف خاصة، وبضوابط خاصة، فأما أهدافها، فهي تقديم العون للبشرية على استمرارها في عبادة الله تعالى، وليس الربح وجني الثروات، ولا يعني ذلك منع الربح فيها، لأن الربح لو منع لتوقفت الحياة، ولكن ليكن الربح مساعدا على خدمة البشرية، التي هي الأصل، لا أصلا في نفسه والخدمة فرعه، وإلا انقلبت الآية وعمت المشكلات والأزمات، قال صلى الله عليه وسلم: (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) رواه الترمذي، والتاجر الصدوق هو الذي يعمل لخدمة الناس ويربح من ذلك، وليس الذي يعمل للربح ويخدم الناس من وراء ذلك.
4)) التعامل الاقتصادي بين الناس جميعا لا ينعقد إلا عن تراض كامل من جميع أطرافه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء:29). فإذا دخله إكراه بأي صورة كان، فسد التعامل وحرم.
5)) طرق الاستثمار الإسلامية كثيرة متعددة، تلبي كامل متطلبات البشر، في كافة البيئات والأزمنة، على مختلف العادات والأعراف، لأنها من تشريع خالق البشر، الذي يعرف متطلباتهم وما يصلحهم وما يحتاجون إليه، وهي منضبطة بشروط تجعلها موجهة في تأمين مصالح الناس بعدالة، دون جنوح أو إضرار أو إفساد، ولا يجوز استعمالها إلا بشروطها وضوابطها، وسوف أبين أهم هذه الطرق، وأهم ضوابطها:
آ- أهم طرق الاستثمار الإسلامية:
1) البيع للأموال الحقيقية، بجميع أنواعه: المقايضة، والبيع بالثمن، والسلَم، والصرف، والمرابحة، والتولية، والوضيعة.
2) الإجارة بنوعيها، سواء كانت إجارة المال، أو إجارة الأشخاص.
3) الاستصناع.
4) الشركات المالية بأنواعها.
5) المضاربة أو القراض.
6) المزارعة.
7) المساقاة.
8) الصدقة، والقرض الحسن، للفقراء والمعوزين وذوي الحاجات، وهذا استثمار في الآخرة، وربحه أكبر من ربح أي استثمار آخر دنيوي، قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:261)، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة أسري به مكتوباً على باب الجنة: (الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ لأنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لا يَسْتَقْرِضُ إِلا مِنْ حَاجَةٍ) رواه ابن ماجه.
ب – أهم ضوابط الاستثمار الشرعي، وممنوعاته:
1) منع الغش، والغش له أنواع مختلفة، كلها زور وبهتان، وقد مر رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى صُبْرَةِ طَعَام،ٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلا، فَقَالَ: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رواه مسلم.
2) منع التدليس، والتدليس هو إخفاء العيب مع عدم اشتراط البراءة منه، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) رواه مسلم.
3) منع النَّجَش، والنجش هو الزيادة في ثمن السلعة دون قصد شرائها، إنما بقصد ترويجها وإيقاع المشترين لها في الخطأ، وهو نوع من الكذب والاحتيال للربح الوفير بغير حق، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (لا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْر) متفق عليه.
4) منع استقبال الجَلَب (بيع الحاضر للبادي –تلقي الركبان) ومعناه شراء السلعة من الجاهل بسعرها في السوق بثمن بخس، وذلك ممنوع لما فيه من الإضرار بالبائع، وهو داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه في الحديث السابق.
5) منع بيع الدين من غير من عليه الدين، وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن (بيع الكالئ بالكالئ) رواه مالك في الموطأ، وهو بيع الدين بالدين، فالدين شرعا من عقود الإرفاق، يلجأ إليه المحتاجون عند الحاجة الماسة والعسر، سدا لحاجتهم وتوفيرا لليسر، ثم رد مثله بعد الميسرة من غير زيادة مشروطة، وكان يوافق عليه الأغنياء طلبا للأجر عند الله تعالى، وليس طلبا للربح في الدنيا، فإذا ما يسر الله تعالى على الفقير واستطاع وفاء دينه أدى الذي عليه، وإذا أعسر واستمر عسره، فما على المقرض إلا إنظاره إلى ميسرة، من غير ضيق ولا عنت ولا تبرم، ولو أعفاه من الدين وأسقطه عنه صدقة لله تعالى كان أولى، قال تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:280). وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم المدين من المماطلة في وفاء الدين مع القدرة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ) رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد، وقال صلى الله عليه وسلم (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ) متفق عليه.
6) منع بيع الحصاة: وهُوَ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، لأنه من الغرر، وشبيه بالمقامرة، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رواه مسلم.
7) منع بيع العِينة، وقد َعَرَّفَهَ الرَّافِعِيّ الشافعي بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَيُسَلِّمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ بَائِعُهُ منه قَبْل قَبْضِ الثَّمَنِ منه بِثَمَنِ نَقْدٍ أَقَل مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وهو طريق من طرق الاحتيال على الربا المحرم شرعا، قال صلى الله عليه وسلم: (إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلا لا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) رواه أبو داود وأحمد.
8) منع بيوع الغرر، والْغَرَرُ هو الجهالة في أي من عناصر البيع، مثل أن يبيع شيئا غير موجود عند البيع، ومنه المقامرات بأنواعها، وهو َمَنْهِيٌّ عَنْهُ، لحديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) رواه مسلم، واستثنى الفقهاء من ذلك بيع السَّلَم، وهو بيع المعدوم، ولكن بشروط قاسية تضبطه وتمنع الضرر منه، وذلك عند الحاجة إليه.
9) منع الربا، وذلك بتحريم الله سبحانه وتعالى له في القرآن الكريم في أكثر من موضع، قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) (البقرة: من الآية275)، بل إن الربا في الإسلام من أشد المحرمات وكبائر الذنوب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (البقرة:278-279)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً) رواه أحمد.
والربا يدخل في البيوع كما يدخل في الديون، وهو محرم فيهما، وهو على نوعين: ربا الفضل، وربا النساء، وكلاهما محرمان أشد التحريم، ولو دخلا في عقد من عقود البيع أفسداه، والعقد الفاسد عقد محرم شرعا.
ومؤدى الربا ومعناه العام ضمان الربح للغني، وترك الفقير تحت احتمال الربح أو الخسارة، وهو مجاف للعدالة والأخلاق الكريمة، ثم ربا القرض خاصة -وهو أهم أنواع الربا- الغبن فيه ظاهر على الجانب الضعيف الذي يدفع الربا للغني المقرض، حيث يتمكن الغني فيه من ضمان الربح لنفسه، ويبقى الجانب الضعيف المقترض بين الربح والخسارة، وربما كان ذلك عنصرا رئيسا في حصول الأزمة المالية الأخيرة التي يعاني منها العالم كله.
10) منع الاحتكار، وهو استيراد السلع التي يحتاجها الناس من مكان إنتاجها، ثم الامتناع عن بيعها مدة من الزمان، بقصد إغلاء ثمنها على الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) رواه ابن ماجه.
11) عدم جواز التسعير على التجار سلعهم، إلا إذا أغلوها إلى درجة عجز العامة معها عن توفيرها لأنفسهم، وكانت من السلع الأساسية في حياة الناس، ففي هذه الحال فقط يجوز التسعير، بشرط ملاحظة قلة السلعة وندرتها عند وضع السعر، فعن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (غَلا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ) رواه الترمذي وأحمد.
والله تعالى أعلم.
الخميس 23 شوال 1429هـ و 23/10/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت