حجاب المرأة المسلمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم :(إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) رواه البخاري.
بين الفينة والفينة تظهر آراء وفتاوى واتجاهات فكرية تدعي أنها إسلامية وشرعية، والإسلام منها براء، من ذلك ما كتبته السيدة ...... من أن الحجاب للمرأة المسلمة غير مشروع، ولم يرد عليه دليل شرعي، وتحدت هذه السيدة العلماء أن يأتوها بدليل واحد عليه من القرآن والسنة.
هذا القول أتفه من أن يناقش أو يرد عليه، ولولا خشية أن بعض الناس قد يتأثر به ما قلت فيه شيئا، ولهذا فإنني سوف أكتفي في كلمتي هذه ببيان حكم الحجاب للمرأة شرعا، وحكمته، وحدوده، ودليل ذلك من مصادر التشريع الإسلامي المتفق عليها.
الحجاب شرعا معناه ستر العورة، وهو واجب على المرأة أمام الرجال عامة غير زوجها، تكريما لها، وإبعادا لها عن الابتذال، ولئلا تكون مثار فتنة في المجتمع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59)،
وعورة المرأة أمام الرجال الأجانب عنها (غير المحارم على التأبيد) كل بدنها، سوى الوجه والكفين، وأمام محارمها من الرجال على التأبيد، وكل النساء مثلها، ما بين السرة والركبة، وزاد البعض على ذلك ما لان من البطن وما ساواه من الظهر، وتشدد البعض وقال: عورتها كل بدنها سوى ما يظهر منها غالبا في بيتها، وهو الرأس والساعدان والساقان ما دون الركبة،
ودليل وجوب الحجاب على المرأة أمام الأجانب عنها من الرجال ما تقدم من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) (من الأحزاب:59)، حيث أمر الله تعالى المرأة بتغطية جميع بدنها أمامهم (عليهن)، وقال جل من قائل: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: من الآية31)، وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وقد دخلت عليه بثياب رقاق: (يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلاَّ هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ) (رواه أبو داود مرسلا)، وقالت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: (لما نزل {يُدْنِينَ عليهنَّ من جَلابِيبِهِنَّ} خرج نساءُ الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغِرْبانَ من الأكسية). (أخرجه أبو داود).
وفوق ذلك أمر الله تعالى الرجال بغض البصر عن النظر للنساء الأجنبيات عنهم، وأمر النساء بغض البصر عن النظر إلى الرجال الأجانب عنهن، فقال سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور:30-31).
وفي حجاب المرأة تكريمها وإبعاد النظرات العابثة عنها، وإخراجها من أن تزون سلعة لتهي الرجال بها، أو التمتع بجمالها، مما يخرجها عن طبيعتها أن تكون شقيقا للرجال في خدمة المجتمع والارتفاع به، قال صلى الله عليه وسلم : (إنما النساء شقائق الرجال) (رواه أبو داود والنسائي).
فهل بعد هذه الأدلة يطلب أدلة أخرى، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ:37).
والله تعالى أعلم.
السبت، 26 صفر، 1430هـ و 21/02/2009م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت