دروس مستفادة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
قال الله تعالى في محكم تنزيله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(النحل: من الآية44)
و يقول الحكماء لكل جواد كبوة ولكل فارس نبوة، والعاقل من اتعظ بغيره، واستفاد من تجاربه وأخطائه.
العالم اليوم يئن ويشتكي من تلك الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها، والتي انتهت إلى إفلاس العديد من البنوك والمؤسسات الربوية في العالم، وبعضها في طريقه للإفلاس، والعلماء والعقلاء في سائر الأمم يجتمعون ويتدارسون أمرهم وأسباب هذه النكبة، وطرق علاجها، ولكن بعضهم يدرسها بنية صافية وتجرد عن المصالح الشخصية، ولكنه لا يملك العلم الكافي لتبين أحوالها، والتعرف على أسبابها، ورسم الحلول الناجعة لها، فتجده يضل طريقه، ويتوه في دربه، ولا يلوي على شيء، وبعضهم يدرسها بأنانية فردية، متطلعا لأرباح أكثر يرنو إليها مهما كانت نتائجها الكارثية على بعض الناس، والبعض الآخر يدرسها بعقلانية جامدة، وأفكار قديمة بالية تربى عليها ولا يستطيع الانفلات منها، والبعض الآخر أؤتي عقلانية صافية، ونزاهة كافية، وبعدا عن التفكير في الذات والانصراف إلى البحث عن مصالح الناس، لا يرنوا من وراء ذلك إلا إنقاذ الأمة من متاهاتها، وتخليصها من ورطتها، وردها إلى طريق الصواب الذي يأخذ بها إلى المعالي والمعافاة مما هي فيه من الأمراض والمحن، وهو يملك العلم والخبرة والدراية، والكل يدور في قوقعة لا يعرف الخلاص منها، والانفكاك من أسرها، والكل يفتش عن الطريق المنقذ المؤدي إلى ما يريد.
وإننا لا نأبه الآن بمن يفتش عن مصالحه، ولا لمن جمدت أفكاره وتوقع في نظرياته القديمة البالية، ولا للجاهل الذي لا يعرف ماذا يفعل، ولكننا ننظر إلى الواعي المتنزه، الصالح المصلح، نأخذ بيده إلى طريق الخلاص، ونقول له ما قاله الإمام مالك رحمه الله تعالى: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) وهو كتابا الله تعالى وسنة رسوله r، وهذا الإسلام الحنيف والشرع المنيف إذا لم يكن دينا يعتقده عامة الناس، ولم يعتنقه غير المسلمين، فهو للجميع على أقل تقدير نظام اقتصادي ناجح، ونظام اجتماعي رابح، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام، على سيد ولد عدنان محمد رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم، أنزله خالق البشر، ومربي البشر، والعارف بأسرار حياتهم، رب العالمين، الذي لا يخطئ ولا ينسى، ولا يزل ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو العزيز الحكيم.
يا بني آدم ارجعوا إلى ربكم، وتقربوا من خالقكم، وترفعوا فوق أخطائكم، يكرمكم ربكم بالعفو والمغفرة عما سلف منكم، ويرزقكم من حيث لا تحتسبون، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:2-3).
المنقذ بعد الاشتراكية التالفة، والرأسمالية البائرة، نظام الإسلام الحنيف الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. والحمد لله رب العالمين.
السبت 18 شوال 1429هـ و 18/10/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى
في دولة الكويت