مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المحتسبين، وعلى آله وصحبه أئمة المسلمين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن موضوع دعوى الحسبة في الشريعة الإسلامية هام جدا وخطير، ويتركز الاهتمام فيه في نواح ثلاث:
أولاً: إنه موضوع بكر في مجموعه، فإن أحدا من الفقهاء لم يكتب فيه حتى الآن –فيما أعلم- وليس معنى هذا أن الفقهاء أهملوه وإننا سوف نوجده من عدم، ولكن معناه أنه موجود في جزئياته المبثوثة في مختلف كتب الفقه تحت أسماء متعددة في مناسبات مختلفة، وليس تحت هذا الاسم، بل ليس هناك إلا إشارات عابرة تفيد انتماءه إلى موضوع الحسبة في أثناء الكلام عن الدعوى وما يتعلق بها، حيث يقال: "وهذه الدعوى هي دعوى حسبة" لا أكثر من ذلك.
وهذا الإهمال للموضوع بهذا الشكل اضطرني إلى تتبع جزئياته في مختلف كتب الفقه وأبوابه وفصوله، ولمها ونسجها في ثوب نظرية متكاملة تبرز دعوى الحسبة في أظهر معالمها، وتحلها محلها اللائق بين أحكام الفقه الإسلامي ونظرياته.
ثانياً: إن الكثيرين يجهلون دعوى الحسبة، ويخطئ في فهم معناها كثير أيضا، وهذا ما اضطرني إلى التقديم لها بتوطئة أوضحت فيها معنى الحسبة في الشريعة الإسلامية، وأهميتها في إرساء النظام والعدل وتأمين الطهر والعفاف في المجتمع الإسلامي، كما أوضحت فيها حكم الاحتساب ومراتبه، وبذلك استطعت أن أضع دعوى الحسبة في مكانها اللائق ضمن هذا الإطار العام الذي وضعت فيه الحسبة.
ثالثاً: إن بعض من لا علم له بالفقه وتاريخه يظن أن نظام الحسبة من أساسه نظام قديم معروف لدى الأمم السابقة على الإسلام، ولم يفعل المسلمون شيئا فيه سوى أنهم أخذوه وطوروه طبق مقتضيات مجتمعهم، ولذلك اضطررت أيضا في خاتمة هذا البحث إلى الإشارة إلى هذا القول ونفيه، وبيان خطئه بالأدلة القاطعة.