الأخ الأستاذ ............... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فجوابا على سؤالكم عن حكم دراسة التربية الموسيقية في المدارس، علما بأن المناهج أناشيد دينية ووطنية مع عزف الآلات مفصلا.
أجيبكم بما يلي:
المعازف منها ما هو محرّم كذات الأوتار والنّايات والمزامير والعود والطنبور، والرباب نحوها في الجملة, لما روي عن عليٍّ رضي اللّه تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إذا فعلت أمّتي خمس عشرة خصلةً حلّ بها البلاء ..» وعد صلّى اللّه عليه وسلّم منها.. واتّخذت القينات والمعازف, وما روي عن أبي أمامة رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه بعثني رحمةً وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف» رواه أحمد .
ومن المعازف ما هو مكروه, كالدفّ المصنّج للرّجال عند بعض الحنفيّة والحنابلة، على تفصيلٍ سيأتي.
ومنها ما يكون مباحاً، كطبول غير اللّهو، مثل طبول الغزو أو القافلة عند بعض فقهاء الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة.
ومنها ما يكون استعماله مندوباً أو مستحباً، كضرب الدفّ في النّكاح لإعلانه عند بعض الفقهاء, وفي غير النّكاح من مناسبات الفرح والسرور في الجملة عند البعض.
علّة تحريم بعض المعازف:
نصّ بعض الفقهاء على أنّ ما حرم من المعازف وآلات اللّهو لم يحرم لعينه وإنّما لعلّة أخرى:
فقال ابن عابدين: آلة اللّهو ليست محرّمةً لعينها بل لقصد اللّهو منها, إمّا من سامعها أو من المشتغل بها, ألا ترى أنّ ضرب تلك الآلة حلّ تارةً وحرم أخرى باختلاف النّيّة؟ والأمور بمقاصدها.
وقال الحصكفيّ: ومن ذلك - أي الحرام - ضرب النّوبة للتّفاخر, فلو للتّنبيه فلا بأس به, ونقل ابن عابدين عن الملتقى أنّه ينبغي أن يكون بوق الحمام يجوز كضرب النّوبة, ثمّ قال: وينبغي أن يكون طبل المسحّر في رمضان لإيقاظ النّائمين للسحور كبوق الحمام (ابن عابدين 5/223).
ما يحل وما يحرم من المعازف:
اختلف الفقهاء في حكم آلات المعازف على التّفصيل الآتي:
أ - الدف:
الدف في اللغة: هو الّذي يلعب به, وقد عرّفه بعض الفقهاء بالطّارّ أو الغربال وهو المغشّى بجلد من جهةٍ واحدةٍ, سمّي بذلك لتدفيف الأصابع عليه, وقال بعض المالكيّة: الدف هو المغشّى من جهةٍ واحدةٍ إذا لم يكن فيه أوتار ولا جرس, وقال غيرهم: ولو كان فيه أوتار، لأنّه لا يباشرها بالقرع بالأصابع.
وقد اختلف الفقهاء في حكم الدفّ:
قال الحنفيّة: لا بأس أن يكون ليلة العرس دف يضرب به ليعلن النّكاح, وعن السّرّاجيّة: أنّ هذا إذا لم يكن له جلاجل ولم يضرب على هيئة التّطرب, قال ابن عابدين: والدف الّذي يباح ضربه في العرس .. احترازاً عن المصنّج, ففي النّهاية عن أبي اللّيث: ينبغي أن يكون مكروهاً.
وسئل أبو يوسف عن الدفّ: أتكرهه في غير العرس بأن تضرب المرأة في غير فسقٍ للصّبيّ؟ قال: لا أكرهه, ولا بأس بضرب الدفّ يوم العيد, كما في خزانة المفتين.
وقال المالكيّة: لا يكره الغربال أي الطّبل به في العرس, قال ابن رشدٍ وابن عرفة: اتّفق أهل العلم على إجازة الدفّ وهو الغربال في العرس, وقال الدسوقيّ: يستحب في العرس لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أعلنوا هذا النّكاح واضربوا عليه بالدفوف» رواه الترمذي.
وأمّا في غير العرس كالختان والولادة فقال الدسوقيّ: المشهور عدم جواز ضربه, ومقابل المشهور جوازه في كلّ فرحٍ للمسلمين, قال الحطّاب: كالعيد وقدوم الغائب وكلّ سرورٍ حادثٍ, وقال الآبيّ: ولا ينكر لعب الصّبيان فيها - أي الأعياد - وضرب الدفّ, فقد ورد إقراره من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم, ونقل الحطّاب عن عبد الملك بن حبيبٍ أنّه ذهب إلى جواز الدفّ في العرس, إلا للجواري العواتق في بيوتهنّ وما أشبههنّ فإنّه يجوز مطلقاً, ويجري لهنّ مجرى العرس إذا لم يكن غيره.
واختلف المالكيّة في الدفّ ذي الصّراصر أي الجلاجل, فذهب بعضهم إلى جواز الضّرب به في العرس, وذهب آخرون إلى أنّ محلّ الجواز إذا لم يكن فيه صراصر أو جرس وإلا حرم, قال الدسوقيّ: وهو الصّواب، لما في الجلاجل من زيادة الإطراب, هذا بالنّسبة للنّساء والصّبيان.
وقد اختلفوا في حكم ضرب الرّجال بالدفّ فقالوا: لا يكره الطّبل به ولو كان صادراً من رجلٍ, خلافاً لأصبغ القائل: لا يكون الدف إلا للنّساء, ولا يكون عند الرّجال.
وقال الشّافعيّة يجوز ضرب دفٍّ واستماعه لعرس لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أقرّ جويرياتٍ ضربن به حين بنى على الربيّع بنت معوّذ بن عفراء وقال لمن قالت: وفينا نبي يعلم ما في غدٍ: دعي هذا وقولي بالّذي كنت تقولين» أي من مدح بعض المقتولين ببدر, ويجوز لختان، لما روي عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنّه كان إذا سمع صوتاً أو دفاً بعث قال: ما هو؟ فإذا قالوا عرس أو ختان صمت, ويجوز في غير العرس والختان ممّا هو سبب لإظهار السرور، كولادة وعيدٍ وقدوم غائبٍ وشفاء مريضٍ وإن كان فيه جلاجل لإطلاق الخبر, وهذا في الأصحّ عندهم، لما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رجع من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء: «يا رسول اللّه إنّي كنت نذرت إن ردّك اللّه صالحاً أن أضرب بين يديك بالدفّ وأتغنّى، فقال لها: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا», ومقابل الأصحّ المنع لأثر عمر رضي اللّه تعالى عنه السّابق, واستثنى البلقيني من محلّ الخلاف ضرب الدفّ في أمرٍ مهمٍّ من قدوم عالمٍ أو سلطانٍ أو نحو ذلك.
وقال بعض الشّافعيّة: إنّ الدفّ يستحب في العرس والختان, وبه جزم البغويّ في شرح السنّة.
أمّا متى يضرب الدف في العرس والختان, فقد قال الأذرعي: المعهود عرفاً أنّه يضرب به وقت العقد ووقت الزّفاف أو بعده بقليل, وعبّر البغويّ في فتاويه بوقت العقد وقريب منه قبله وبعده ويجوز الرجوع فيه للعادة, ويحتمل ضبطه بأيّام الزّفاف الّتي يؤثر بها العرس, وأمّا الختان فالمرجع فيه العرف, ويحتمل أنّه يفعل من حين الأخذ في أسبابه القريبة منه. وحكى البيهقيّ عن شيخه الحليميّ - ولم يخالفه - أنّا إذ أبحنا الدفّ فإنّما نبيحه للنّساء خاصّةً, لأنّه في الأصل من أعمالهنّ, وقد « لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المتشبّهين من الرّجال بالنّساء », ونازعه السبكي بأنّ الجمهور لم يفرّقوا بين الرّجال والنّساء والأصل اشتراك الذكور والإناث في الأحكام إلا ما ورد الشّرع فيه بالفرقة ولم يرد هنا, وليس ذلك ممّا يختص بالنّساء حتّى يقال يحرم على الرّجال التّشبه بهنّ فيه .
ونقل الهيتمي عن الماورديّ قوله: اختلف أصحابنا, هل ضرب الدفّ على النّكاح عام في جميع البلدان والأزمان ؟ فقال بعضهم: نعم لإطلاق الحديث, وخصّه بعضهم بالبلدان الّتي لا يتناكره أهلها في المناكح كالقرى والبوادي فيكره في غيرها, وبغير زماننا, قال: فيكره فيه لأنّه عدل به إلى السخف والسّفاهة .
وقال الهيتمي: ظاهر إطلاقهم أنّه لا فرق في جواز الضّرب بالدفّ بين هيئةٍ وهيئةٍ, وخالف أبو عليٍّ الفارقيّ فقال: إنّما يباح الدف الّذي تضرب به العرب من غير زفنٍ - أي رقصٍ - فأمّا الّذي يزفن به وينقر - أي برؤوس الأنامل ونحوها - على نوعٍ من الأنغام فلا يحل الضّرب به لأنّه أبلغ في الإطراب من طبل اللّهو الّذي جزم العراقيون بتحريمه, وتابعه تلميذه ابن أبي عصرونٍ, قال الأذرعي: وهو حسن, فإنّه إنّما يتعاطاه على هذا الوجه من ذكرنا من أهل الفسوق.
وقال الحنابلة: يستحب إعلان النّكاح والضّرب فيه بالدفّ, قال أحمد: يستحب أن يظهر النّكاح ويضرب فيه بالدفّ حتّى يشتهر ويعرف، وقال: يستحب الدف والصّوت في الإملاك, فقيل له: ما الصّوت؟ قال: يتكلّم ويتحدّث ويظهر, والأصل في هذا ما روى محمّد بن حاطبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصّوت», رواه النسائي والترمذي، وعن عائشة رضي اللّه تعالى عنها أنّها زوّجت يتيمةً كانت في حجرها رجلاً من الأنصار, وكانت عائشة فيمن أهداها إلى زوجها, قالت: فلمّا رجعنا قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: « ما قلتم يا عائشة، قالت: سلّمنا ودعونا اللّه بالبركة ثمّ انصرفنا، فقال: صلّى اللّه عليه وسلّم فهل بعثتم معها جاريةً تضرب بالدفّ وتغنّي أتيناكم أتيناكم فحيّانا وحيّاكم» رواه البخاري.
ويسن عندهم ضرب بدفّ مباحٍ في ختانٍ وقدوم غائبٍ وولادةٍ كنكاح لما فيه من السرور, والدف المباح هو ما لا حلق فيه ولا صنوج.
واختلفوا في ضرب الرّجال الدفّ, قال البهوتيّ: وظاهره - أي ندب إعلان النّكاح وضرب عليه بدفّ مباحٍ - سواء كان الضّارب رجلاً أو امرأةً وهو ظاهر نصوص أحمد وكلام الأصحاب, وقال الموفّق: ضرب الدفّ مخصوص بالنّساء, وفي الرّعاية: يكره للرّجال مطلقاً.
وقال ابن قدامة: ذكر أصحابنا أنّه مكروه في غير النّكاح لأنّه يروى عن عمر أنّه كان إذا سمع صوت الدفّ بعث فنظر فإن كان في وليمةٍ سكت وإن كان في غيرها عمد بالدّرّة.
ب - الكوبة:
الكوبة طبل طويل ضيّق الوسط واسع الطّرفين, ولا فرق بين أن يكون طرفاها مسدودين أو أحدهما, ولا بين أن يكون اتّساعهما على حدٍّ واحدٍ أو يكون أحدهما أوسع. وقد اختلف في حكمها:
فذهب جمهور الشّافعيّة إلى أنّه يحرم ضرب الكوبة والاستماع إليها لقول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه حرّم عليكم الخمر والميسر والكوبة» رواه أحمد, ولأنّ في ضربها تشبهاً بالمخنّثين إذ لا يعتادها غيرهم, ونقل أبو الفتح الرّازيّ - كما حكى الهيتمي - الإجماع على حرمتها.
وقال أحمد بن حنبلٍ: كره الطّبل وهو المنكر وهو الكوبة الّتي نهى عنها النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
ج - الكبر والمزهر:
الكَبَر بفتحتين على وزن جبلٍ, هو الطّبل الكبير، والمزهر: هو في اللغة العود الّذي يضرب به, وفي الاصطلاح قال المالكيّة: هو الدف المربّع المغلوف، قال الحطّاب: والفرق بينهما أنّ المزهر ألهى, وكلّما كان ألهى كان أغفل عن ذكر اللّه تعالى وكان من الباطل.
وللمالكيّة في الكَبَر والمزهر ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّهما يحملان محمل الغربال, ويدخلان مدخله في جواز استعمالهما في العرس, وهو قول ابن حبيبٍ.
والثّاني: أنّه لا يحمل واحد منهما محمله ولا يدخل معه ولا يجوز استعماله في عرسٍ ولا غيره, وهو قول أصبغ.
والثّالث: أنّه يحمل محمله ويدخل مدخله في الكبر وحده دون المزهر, وهو قول ابن القاسم.
د - الأنواع الأخرى من الطبول:
للفقهاء في الأنواع الأخرى من الطبول تفصيل:
فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا كان الطّبل لغير اللّهو فلا بأس به كطبل الغزاة والعرس والقافلة, وقال ابن عابدين: وينبغي أن يكون طبل المسحّر في رمضان لإيقاظ النّائمين للسحور كبوق الحمام.
وذهب المالكيّة إلى استثناء طبول الحرب من سائر الطبول.
وقال إمام الحرمين من الشّافعيّة: والطبول الّتي تهيّأ لملاعب الصّبيان إن لم تلحق بالطبول الكبار فهي كالدفّ وليست كالكوبة بحال, قال الهيتمي: وبه يعلم أنّ ما يصنع في الأعياد من الطبول الصّغار الّتي هي على هيئة الكوبة وغيرها لا حرمة فيها, لأنّه ليس فيها إطراب غالباً, وما على صورة الكوبة منها انتفى فيه المعنى المحرّم للكوبة, لأنّ للفسّاق فيها كيفيّات في ضربها, وغيره لا يوجد في تلك الّتي تهيّئ للعب الصّبيان, وقال القاضي حسين: ضرب الطبول إن كان طبل لهوٍ فلا يجوز, واستثنى الحليميّ من الطبول طبل الحرب والعيد, وأطلق تحريم سائر الطبول وخصّ ما استثناه في العيد بالرّجال خاصّةً, وطبل الحجيج مباح كطبل الحرب .
وكره أحمد الطّبل لغير حربٍ ونحوه, واستحبّه ابن عقيلٍ من الحنابلة في الحرب وقال: لتنهيض طباع الأولياء وكشف صدور الأعداء.
هـ - اليراع:
اليراع هو الزّمّارة الّتي يقال لها الشّبّابة, وهي ما ليس لها بوق ومنها المأصول المشهور والسّفّارة ونحوها, وسمّي اليراع بذلك لخلوّ جوفه, ويخالف المزمار العراقيّ في أنّه له بوق والغالب أنّه يوجد مع الأوتار.
وقد اختلف في حكمه, فذهب الحنفيّة إلى أنّه يحرم الاستماع إلى المزامير ولا تجوز الإجارة على شيءٍ منها.
وذهب المالكيّة إلى جواز الزّمّارة والبوق, وقيل: يكرهان, وهو قول مالكٍ في المدوّنة وهذا في النّكاح, وأمّا في غيره فيحرم.
وقد اختلف فقهاء الشّافعيّة في اليراع, فقال الرّافعي: في اليراع وجهان, صحّح البغويّ التّحريم, والغزالي الجواز وهو الأقرب, قالوا: لأنّه ينشّط على السّير.
وقال النّووي: الأصح تحريم اليراع, قالوا: لأنّه مطرب بانفراده, بل قيل إنّه آلة كاملة لجميع النّغمات إلا يسيراً فحرّم كسائر المزامير.
وذهب الحنابلة إلى أنّ آلات المعازف تحرم سوى الدفّ, كمزمار وناي وزمّارة الرّاعي سواء استعملت لحزن أو سرورٍ, وسأل ابن الحكم الإمام أحمد عن النّفخ في القصبة كالمزمار فقال: أكرهه.
و - الضّرب بالقضيب:
اختلف الفقهاء في الضّرب على القضيب, فذهب الحنفيّة إلى أنّ ضرب القضيب حرام لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «الاستماع إلى الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتّلذذ بها كفر» رواه العراقي، والمقصود بالكفر كفر النّعمة.
واختلف الشّافعيّة في الضّرب بالقضيب على الوسائد على وجهين:
أحدهما: أنّه مكروه, وبه قطع العراقيون, لأنّه لا يفرد عن الغناء ولا يطرب وحده وإنّما يزيد الغناء طرباً, فهو تابع للغناء المكروه فيكون مكروهاً.
وثانيهما: أنّه حرام وجرى عليه البغويّ والخراسانيون.
وعند الحنابلة: قال ابن قدامة: الضّرب بالقضيب مكروه إذا انضمّ إليه محرّم أو مكروه كالتّصفيق والغناء والرّقص, وإن خلا عن ذلك لم يكره, لأنّه ليس بآلة ولا يطرب ولا يسمع منفرداً بخلاف الملاهي.
وقال في الإنصاف: في تحريم الضّرب بالقضيب وجهان, وجزم ابن عبدوسٍ بالتّحريم.
ز - العود:
من معاني العود في اللغة: كل خشبةٍ دقيقةً كانت أو غليظةً, وضرب من الطّيب يتبخّر به, وآلة موسيقيّة وتريّة يضرب عليها بريشة ونحوها, والجمع أعواد وعيدان, والعوّاد: صانع العيدان والضّارب عليها، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ.
وقد اختلف الفقهاء في حكمه:
فذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم ضرب العود واستماعه لأنّ العود من المعازف وآلات اللّهو.
وقال الصّاوي: ذهبت طائفة إلى جوازه, ونقل سماعه عن عبد اللّه بن عمر, وعبد اللّه ابن جعفرٍ, وعبد اللّه بن الزبير, ومعاوية بن أبي سفيان, وعمرو بن العاص, وغيرهم, رضي اللّه تعالى عنهم, وعن جملةٍ من التّابعين.
ثمّ اختلف الّذين ذهبوا إلى تحريمه, فقيل: كبيرة, وقيل: صغيرة, والأصح الثّاني, وحكى المازريّ عن ابن عبد الحكم أنّه قال: إذا كان في عرسٍ أو صنيعٍ فلا ترد به شهادة.
وقال الماورديّ: إنّ بعض أصحابنا كان يخص العود بالإباحة من بين الأوتار .
ح - الصّفّاقتان:
الصّفّاقتان دائرتان من صفرٍ - أي نحاسٍ - تضرب إحداهما على الأخرى, وتسمّيان بالصّنج أيضاً, وهما من آلات الملاهي.
والمعتمد من مذهب الشّافعيّة أنّ استعمالهما واستماعهما حرام, لأنّ ذلك من عادة المخنّثين والفسقة, وشاربي الخمر, وفي الضّرب بهما تشبه بهم ومن تشبّه بقوم فهو منهم, ولأنّ اللّذّة الحاصلة منهما تدعو إلى فسادٍ كشرب الخمر لا سيّما من قرب عهده بها, والاستماع هو المحرّم، أمّا السّماع من غير قصدٍ فلا يحرم .
ط - باقي المعازف الوتريّة:
ذهب الفقهاء إلى تحريم استعمال المعازف الوتريّة كالطنبور والرّباب والكمنجة والقانون وسائر المعازف الوتريّة, واستعمالها هو الضّرب بها.
تعلم الموسيقى:
ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى تحريم تعلم المعازف والموسيقى والإجارة على تعلمها, لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه بعثني رحمةً وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبّارات يعني البرابط والمعازف والأوثان . . . لا يحل بيعهنّ ولا شراؤهنّ ولا تعليمهنّ» رواه أحمد .
اتّخاذ المعازف:
ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يحرم اتّخاذ آلة اللّهو - المعازف - المحرّمة ولو بغير استعمالٍ لأنّ اتّخاذها يجر إلى استعمالها, وقالوا: يحرم اتّخاذ آلةٍ من شعار الشّربة كطنبور وعودٍ ومزمارٍ عراقيٍّ ونحو ذلك.
الاكتساب بالمعازف:
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ الاكتساب بالمعازف لا يطيب, ويمنع منه المكتسب وذلك إذا كان الغناء حرفته الّتي يكتسب بها المال, ونصوا على أنّ التّغنّي للّهو أو لجمع المال حرام بلا خلافٍ.
قال ابن عابدين: في المنتقى: امرأة نائحة أو صاحبة طبلٍ أو زمرٍ اكتسبت مالاً ردّته على أربابه إن علموا وإلا تتصدّق به, وإن من غير شرطٍ فهو لها.
وقال الماورديّ: ويمنع - أي المحتسب - من التّكسب بالكهانة واللّهو ويؤدّب عليه الآخذ والمعطي.
الغناء مع المعازف:
الغناء إمّا أن يقترن بآلة محرّمةٍ من آلات العزف أو لا يقترن بها, فإن لم يقترن بأيّ آلةٍ فقد اختلف الفقهاء في حكمه، وإن اقترن الغناء بآلة محرّمةٍ من آلات العزف, فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وجمهور الشّافعيّة إلى حرمته.
وذهب بعض فقهاء الشّافعيّة إلى حرمة آلة العزف وبقاء الغناء على الكراهة.
الاستماع إلى المعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّ الاستماع إلى المعازف المحرّمة حرام, والجلوس في مجلسها حرام, قال مالك: أرى أن يقوم الرّجل من المجلس الّذي يضرب فيه الكبر والمزمار أو غير ذلك من اللّهو, وقال أصبغ: دعا رجل عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه تعالى عنه إلى وليمةٍ, فلمّا جاء سمع لهواً فلم يدخل فقال: ما لك؟ فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من كثر سواد قومٍ فهو منهم ومن رضي عمل قومٍ كان شريكاً لمن عمله» أورده ابن حجر في المطالب العلية وفيه انقطاع.
بل إنّ بعض الفقهاء نصّ على أنّ من يستمع المعازف المحرّمة فاسق, قال ابن القيّم: العود والطنبور وسائر الملاهي حرام, ومستمعها فاسق.
شهادة العازف والمستمع للمعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّه لا تقبل شهادة العازف أو المستمع للمعازف المحرّمة كالمزامير والطّنابير والصّنج وغيرها.
التّداوي باستماع المعازف:
ذهب الشّافعيّة إلى جواز التّداوي باستماع المعازف المحرّمة للضّرورة.
قال الرّملي: لو أخبر طبيبان عدلان بأنّ المريض لا ينفعه لمرضه إلا العود عمل بخبرهما, وحلّ له استماعه, كالتّداوي بنجس فيه الخمر, وعلى هذا يحمل قول الحليميّ: يباح استماع آلة اللّهو إذا نفعت من مرضٍ, أي لمن به ذلك المرض وتعيّن الشّفاء في سماعه.
وقال الشّبراملسيّ: آلة اللّهو قد يباح استعمالها بأن أخبر طبيب عدل مريضاً بأنّه لا يزيل مرضه إلا سماع الآلة, ولم يوجد في تلك الحالة إلا الآلة المحرّمة.
وقال الحنابلة: يحرم التّداوي بصوت ملهاةٍ وغيره كسماع الغناء والمحرّم لعموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «ولا تداووا بالحرام» رواه أبو داود.
الوصيّة بالطّبل:
ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الشّخص لو أوصى بطبل, وله طبل لهوٍ لا يصلح لمباح, وطبل يحل الانتفاع به, كطبل حربٍ يقصد به التّهويل, أو طبل حجيجٍ يقصد به الإعلام بالنزول والرّحيل, أو غيرهما - غير الكوبة المحرّمة - حملت الوصيّة على ما يحل الانتفاع به لتصحّ, لأنّ الظّاهر قصده للثّواب, وهو فيما تصح به الوصيّة, فإن صلح لمباح تخيّر الوارث, فإن لم يكن له إلا طبول لا تصح الوصيّة بها لغت, ولو أوصى بطبل اللّهو لغت الوصيّة لأنّه معصية، إلا إن صلح لحرب أو حجيجٍ أو منفعةٍ أخرى مباحةٍ, لإمكان تصحيح الوصيّة فيما يتناوله لفظها, وسواء صلح على هيئته أم بعد تغيرٍ يبقى معه اسم الطّبل, فإن لم يصلح إلا بزوال اسم الطّبل لغت الوصيّة.
وقال الحنابلة: وإن وصّى بدفّ صحّت الوصيّة به, لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أعلنوا النّكاح واضربوا عليه بالدفّ», ولا تصح الوصيّة بمزمار ولا طنبورٍ ولا عودٍ من عيدان اللّهو لأنّها محرّمة, وسواء كانت فيه الأوتار أو لم تكن, لأنّه مهيّأٌ لفعل المعصية دون غيرها, فأشبه ما لو كانت فيه أوتار.
بيع المعازف:
لا يصح عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّدٍ - وعليه الفتوى عند الحنفيّة - بيع المعازف المحرّمة كالطنبور والصّنج والمزمار والرّباب والعود, لما روى أبو أمامة رضي اللّه تعالى عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه بعثني رحمةً وهدىً للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكفّارات يعني البرابط والمعازف . . . لا يحل بيعهنّ ولا شراؤهنّ ولا تعليمهنّ ولا التّجارة فيهنّ وأثمانهنّ حرام للمغنّيات» .
وفي قولٍ عند الشّافعيّة: يصح بيع آلات العزف المحرّمة إن عدّ رضاضها - أي مكسّرها - مالاً, لأنّ فيها نفعاً متوقّعاً, أي من هذا الرضاض المتقوّم, كما يصح بيع الجحش الصّغير الّذي لا نفع منه في الحال.
ويصح عند أبي حنيفة بيع المعازف لأنّها أموال متقوّمة, لصلاحيّتها للانتفاع بها لغير اللّهو, كالأمة المغنّية, حيث تجب قيمتها غير صالحةٍ لهذا الأمر، أمّا المعازف المباحة كالنّفير والطبول غير الدّربكّة فإنّه يجوز بيعها.
إجارة المعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّ استئجار آلة اللّهو المحرّمة - المعازف المحرّمة - لا يجوز لأنّ المنفعة المقصودة غير مباحةٍ ويحرم أخذ العوض عليها, لأنّه يشترط لصحّة الإجارة أن تكون المنفعة مباحةً, وفي قولٍ عند المالكيّة: يجوز كراؤها في النّكاح والرّاجح الحرمة . أمّا المعازف غير المحرّمة فيجوز كراؤها.
إعارة المعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّ من شروط المستعار كونه منتفعاً به انتفاعاً مباحاً مقصوداً, فلا يجوز إعارة ما لا ينتفع به انتفاعاً مباحاً شرعاً كالمعازف وآلات اللّهو المحرّمة.
إبطال المعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّ آلات اللّهو والمعازف المباحة لا يجوز إبطالها أو كسرها بل يحرم، أمّا آلات العزف والملاهي المحرّمة الاستعمال فلا حرمة لصنعتها ولا لمنفعتها, وأنّه يجب إبطالها, لما روى عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه تعالى عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «بعثت بهدم المزمار والطّبل», رواه ابن الجوزي، وما روي أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أمرني اللّه بمحق القينات والمعازف» .
وفصّل الشّافعيّة كيفيّة إبطال المعازف المحرّمة فقالوا: الأصح أنّها لا تكسر الكسر الفاحش لإمكان إزالة الهيئة المحرّمة مع بقاء بعض الماليّة, نعم للإمام ذلك زجراً وتأديباً, وإنّما تفصل لتعود كما قبل التّأليف لزوال اسمها وهيئتها المحرّمة بذلك.
والقول الثّاني - مقابل الأصحّ عندهم - أنّه لا يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما لا يصلح للاستعمال, فلا تكفي إزالة الأوتار فقط لأنّها منفصلة عنها.
والثّالث: تكسر حتّى تنتهي إلى حدٍّ لا يمكن اتّخاذ آلةٍ محرّمةٍ.
ونصّ الشّافعيّة على أنّ المعازف وآلات اللّهو المملوكة لذمّيّ لا تبطل لأنّه مقر على الانتفاع بمثلها, إلا أن يسمعها من ليس بدارهم أي محلّتهم, حيث كانوا بين أظهرنا, وإن انفردوا بمحلّة من البلد, فإن انفردوا ببلد أي بأن لم يخالطهم مسلم لم يتعرّض لهم.
ضمان المعازف:
ذهب الفقهاء إلى أنّ آلات اللّهو - المعازف - المباحة كطبل الغزاة والدفّ الّذي يباح ضربه واستماعه في العرس يحرم كسرها, وتضمن إن كسرت أو أتلفت.
وذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المعازف المحرّمة لا يجب في إبطالها شيء, لأنّ منفعتها محرّمة والمحرّم لا يقابل بشيء, مع وجوب إبطالها على القادر عليه.
سرقة المعازف:
اختلف الفقهاء في إقامة حدّ السّرقة أو عدم إقامته على من يسرق المعازف المحرّمة أو غيرها:
فذهب الحنفيّة والحنابلة وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة إلى أنّ سارق المعازف - آلات اللّهو - لا تقطع يده, واختلف تفصيلهم وتعليلهم:
فقال الحنفيّة: لا قطع في جميع آلات اللّهو المحرّمة, لأنّها عند الصّاحبين لا قيمة بها بدليل أنّ متلفها لا يضمنها, ولأنّها عند أبي حنيفة - وإن كان يجب الضّمان على متلفها فهي متقوّمة - لكنّ آخذها يتأوّل الكسر فيها فكان ذلك شبهةً تدرأ حدّ السّرقة وهو القطع . واختلفوا في طبل الغزاة, فقيل: يقطع سارقه لأنّه مال متقوّم ليس موضوعاً للّهو فليس آلة لهوٍ, واختار الصّدر الشّهيد - وهو الأصح - عدم وجوب القطع بسرقته لأنّه يصلح للّهو وإن كان وضعه لغيره, أي أنّه كما يصلح للغزو يصلح للّهو, فصارت صلاحيّته للّهو شبهةً تمكّنت فيه فدرأت القطع.
وقال الحنابلة: لا قطع بسرقة آلة لهوٍ كطنبور ومزمارٍ وشبّابةٍ وإن بلغت قيمة ما ذكر مفصّلاً نصاباً, لأنّه معصية إجماعاً فلم يقطع بسرقته كالخمر, ولا يقطع أيضاً بما على آلة اللّهو من حليٍّ ولو بلغ نصاباً لأنّه متّصل بما لا قطع فيه وتابع له أشبه الخشب.
والقائلون بمقابل الأصحّ من الشّافعيّة علّلوا قولهم بأنّ الشّارع سلّط على كسر ما حرم من آلات اللّهو كالطنبور والمزمار وغيرهما, والتّوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه, فصار ذلك شبهةً دارئةً لحدّ السّرقة.
وذهب المالكيّة وهو الأصح عند الشّافعيّة إلى أنّه لا قطع بسرقة الطنبور والعود والمزامير ونحوها من آلات اللّهو المحرّمة إلا أن تساوي بعد كسرها - أي إفساد صورتها وإذهاب المنفعة المقصودة بها - نصاباً, لأنّ السّارق عندئذٍ يكون قد سرق نصاباً من حرزه.
لكنّ المالكيّة اختلفوا في الكسر المعتبر في تقويم المسروق, هل يكفي في اعتبار قيمته تقدير كسره وإن لم يكسر بالفعل, أم لا بدّ من كسره بالفعل ولا تعتبر قيمته بتقدير كسره ؟ المعتمد في المذهب أنّه يكفي في اعتبار قيمته تقدير كسره إذ قد تفقد عينه لو كسر بالفعل, وذهب الزرقانيّ إلى أنّه لا قطع في المسروق من هذه المعازف إلا أن يساوي بعد كسره بالفعل نصاباً.
الأربعاء 10 ربيع الثاني 1429هـ و 16/4/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت