تعددت أنواع الزواج في المجتمعات الحديثة لأسباب عدة منها ارتفاع نسبة المهاجرين لأغراض مختلفة كالتعليم أو تحسين الدخل أو ارتفاع النفقات المترتبة علي تأسيس منزل زوجية بالإضافة إلي تبعات الإنفاق، وتعددت هذه الأنواع فمنها ما أطلق عليه الزواج العرفي وزواج المسيار والزواج فرند والزواج بنية الطلاق .. الخ...
حول هذا الموضوع حاولنا أن نجد تأصيلا شرعياً لهذه الأنواع وحول موضوع تعدد الزوجات التقينا والدكتور أحمد الحجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الإفتاء في دولة الكويت فكان هذا اللقاء:
فالزواج كما عرّفه الفقهاء هو عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا، غايته الحياة المشتركة والنسل.
وتحقيقًا لهذه الغايات السامية من الزواج وضع الفقهاء للزواج أركانًا وشروطًا لابد من توافرها كلها فيه، فإذا خلا عنها أو عن بعضها وقع فاسدًا أو باطلاً، ولم تحل الزوجة به لزوجها.
وهذه الشروط اتفق الفقهاء في بعضها واختلفوا في بعضها الآخر، بصرف النظر عن التسمية التي تطلقها بعض المجتمعات على بعض أنواع الزواج، فالمهم توافر الشروط وليس نوع التسمية، للقاعدة الفقهية الكلية: (العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني).
وعليه فإنني سوف أبحث في أنواع عقود الزواج المعروضة للبحث والدراسة، وأعرف بها، وأبيّن الصحيح منها من غير الصحيح، على ضوء توافر الشروط أو عدم توافرها فيه، كما يلي:
1. الزواج بنية الطلاق:
الطلاق اثر من آثار الزواج، فإذا تزوج إنسان بامرأة بعقد زواج مستكمل لشروطه الشرعية، ملك حكما حق طلاقها، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الطلاق لمن اخذ بالساق" رواه ابن ماجه.
فإذا تزوج رجل امرأة تحل له، وكانت شروط العقد وأركانه مستوفاة فيه كلها ونوى الزواج عند العقد وفى نفسه أنه سوف يطلقها بعد مرور مدة من الزمن محددة أو غير محددة، أو نوت الزوجة ذلك في نفسها أو نويا ذلك في نفسيهما معا من غير ذكر ذلك في العقد، فالزواج صحيح، ولا يؤثر في صحته نية الزوج الطلاق، أو نية الزوجة طلب الطلاق بعد الزواج، لان الطلاق حق للزوج وهو ثمرة من ثمرات العقد الصحيح، يملكه الزوج على زوجته بمجرد العقد عليها، لما تقدم من الحديث الشريف، فلا يقدم ولا يؤخر نيته في الطلاق قبل الزواج، وكذلك الزوجة، فإنها تملك حق طلب الطلاق من زوجها إذا وجد مبرر لذلك، وللزوج أو القاضي أن يجيبها إلى طلبها هذا إذا ثبت المبرر له، فلا يقدم ولا يؤخر نيتها طلب الطلاق قبل العقد، وسواء في ذلك أن يعلن احد الطرفين عن نيته في الطلاق قبل العقد للطرف الآخر أو يكتمها عنه، إلا أن ذلك مكروه لغير مبرر أو حاجة، والكراهة هذه لاتنافي الصحة، ولكن لا يجوز للزوجين أن يشترطا ذلك في العقد بنص صريح.
أما إذا انتقص الزواج بنية الطلاق أحد أركانه أو شروطه فلا يصح، لا لنية الطلاق فيه، بل لنقصان أركانه أو شروطه.
2. الزواج العرفي:
الزواج العرفي هو الزواج غير المسجل رسميا لدى السلطات المختصة في الدولة، وهو إذا استكمل أركانه وشروطه يكون صحيحا ولو لم يكن مسجلا لدى السلطات المسؤولة في الدولة، لأن التسجيل ليس من شروط الزواج أصلاً، فإذا انتقص العقد أحد أركانه أو شروطه لم يصح، لا لأنه زواج عرفي، بل لأنه منتقص لأركانه وشروطه.
إلا أن العلماء لا يوصون بالعقد العرفي أصلا وينهون الأزواج عنه، لا لبطلانه وفساده، بل لما يترتب عليه من مخالفة لأمر ولي الأمر الذي يأمر في العقود بالتسجيل الرسمي، ولما قد يترتب عليه من ضياع حقوق الزوجين والأولاد في كثير من الأحوال.
3. زواج المسيار:
زواج المسيار جديد على المسلمين نسبيا، فقد نشأ في بعض البيئات الإسلامية أخيرا بسبب ظروف معينة اقتضته أو شجعت عليه، وصورته أن يتزوج رجل له زوجة وأولاد غالبا –إمراة مطلقة أو أرملة، ويتواعدان عند الزواج ألا ينفق عليها وأن لا يقسم لها مع زوجته الأولى في المبيت إذا كان له زوجة أخرى، وهذا العقد إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية يكون صحيحا، لأن الإنفاق على الزوجة والمبيت عندها ليس من شروط الزواج ولا أركانه، ولكنه أثر من آثاره وثمرة من ثمراته، فإذا تواعدا على خلاف ذلك لم يبطل العقد ولم يفسد، ولكن هذا التواعد لا يكون ملزمًا، فبمجرد تمام العقد صحيحا تستحق الزوجة النفقة والمبيت، ولها المطالبة بهما، ولا يستطيع الزوج التمسك بالإنفاق المسبق، لأنه غير ملزم.
4. زواج فرند:
هذا الزواج جديد على مجتمعنا الإسلامى نسبياً، وقد ظهر في بعض المجتمعات الإسلامية بسبب مصالح معينة لجأت إليه، ومنها عدم توفر السكن المناسب للعوائل الجديدة المحدودة الدخل.
وهو أن يتفق شاب مع شابة تحل له شرعا –وهما زميلان في الجامعة أو في المدرسة– على الزواج، ويتواعدان على أن لا تطالب الزوجة زوجها بالسكن ولا بالنفقة، ويبقى كل منهما في بيت أهله وكنفهم، ثم يجتمعان كل أسبوع أو شهر مثلاً في غرفة في الفندق، أو في بيت أهله، أو بيت أهلها، أو أي بيت آخر يتيسر لهما، فيلتقيان فيه لمدة يوم أو يومين مثلا، ثم يعود كل منهما إلى عمله، ثم يلتقيان في غرفة ما بعد أسبوع أو أسبوعين أو أكثر أو أقل بحسب المتيسر لهما وهكذا حتى ييسر الله لهما سكنًا خاصًا بهما، وقدرة على الإنفاق، فيسكنان معا ويستمران في حياتهما الزوجية كباقي الأزواج.
وربما يتفقان قبل العثور على السكن المشترك أو توفره على أن يتوقفا عن إنجاب الأولاد حتى يتوفر لهما السكن المشترك، وذلك باستعمال وسائل منع الحمل المؤقتة التي لا يمنع الشرع من استعمالها، وهذا الزواج بصورته المعروضة مشروع إذا استكمل أركانه وشروطه الشرعية كلها، لأن النفقة والمبيت المستديم ليس من شروط الزواج باتفاق الفقهاء، ولكنهما أثر من آثاره وثمرة من ثمراته فلا يفسده عدم توافرها وكذلك التواعد على تاخير الإنجاب لمدة معينة بوسائل مؤقتة مشروعة، فإنه لا يفسده أيضا، ولكن للزوجة في هذه الحال بمجرد العقد عليها أن تطلب من زوجها توفير السكن الخاص بها والنفقة، وليس له الاعتذار عن ذلك بسبب الشرط السابق، لأن هذا الشرط السابق غير لازم.
5. تعدد الزوجات:
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء:3].
نظرًا لصراحة هذا النص القرآني الكريم في إباحة التعدد للرجل إلى أربع زوجات، فقد اتفق الفقهاء أن لكل رجل أن يتزوج أربع زوجات، بشرط واحد وهو أن يعزم على العدل بينهن في المبيت والنفقة، فإذا نوى عدم العدل أو خاف الجور أثم في التعدد، ولا يشترط لإباحة التعدد وجود تقصير من الزوجة الأولى، أو إعلامها بالتعدد عند حصولها، لعدم تعرض النصوص الشرعية لذلك أصلا.
وهذا التعدد قد أباحه الشارع الإسلامي توفيرًا لمصلحة كبرى لايغنى غيرها عنها، وهى أن عامة المجتمعات البشرية يغلب فيها عدد النساء على عدد الرجال في سن الزواج، فإذا لم يبح الشارع التعدد بقى عدد من النساء بدون زواج، وهو مفسدة قد تقودهن إلى الزنا، كما هو الحال عليه في كثير من المجتمعات التي تمنع التعدد.
ومن أجل ذلك شرع الإسلام التعدد، ولم يشرط فيه سوى العزم على العدل، وهو منطوق قوله تعالى السابق (فإن لم تعدلوا فواحدة).
والله تعالى أعلم