2006-02-27 • فتوى رقم 3529
فضيلة الدكتور أحمد الحجي الكردي حفظك الله تعالى.
أرجو دراسة الفتاوى التالية الصادرة عن الأستاذ أحمد مهدي الخضر وبيان الرأي الفقهي فيها، وجزاك الله خيراً.
أولاً: الأراضي الأميرية وانتقالها، وأن للإمام حق إعطائها ضمن الشروط التي يرى فيها المصلحة:
1- قانون انتقال الأموال الأميرية والوقفية: وليس ارث الأموال الأميرية أصدره السلطان العثماني المسلم والخليفة بتاريخ 27 ربيع الأول 1331 هـ الموافق 1912 م وهو يتألف من 12 مادة وجاء في المادة الأولى :
(لدى وفاة شخص ما ينتقل ما في عهدته من الأراضي الأميرية والموقوفة.... لشخص أو أشخاص يسمون أصحاب حق الانتقال)
2- المعتمد في المذهب الحنفي: للإمام تمليك منفعة الأراضي أو رقـبتها بحسب ولايته العامة.
ص 277/278 ج5 رد المحتار وص 265 ج3 منه أيضاً وفي هذه الصفحة يقول ابن عابدين: اغتنم هذه الفائدة إذ المشهور في كتب الفقه حق الإمام في المنفعة لا في الرقبة. وأنه ليس لأحد استرداد ما أقطعه الإمام من الأراضي من الأئمة والخلفاء بعده سواء كان على وجه التمليك أو المنفعة.
3- لولي الأمر أن يتصرف فيما فـيه مصلحة الرعـية حسب الحاجة 212 /3 من المرجع نفسه.
4 - أراضي مصر والشام والعراق خراجية، واعـتبرت موقوفة على المسلمين ثم انحلت، فصارت للدولة تضعها في مصالح المسلمين، وهذا ما حققه الكمال 49/50 ج2 من نفس المرجع، وكذلك الموسوعة الكويتية ص119-122 من المجلد الثالث.
5- الأراضي في مصر والشام ما عـلم منها أنه من بيت المال بوجه شرعي فهو أرض أميرية، وما لم يعلم فهو ملك لأربابه ص257/258 ج3 من رد المحتار وفيه تحقيق النووي وابن حجر وتراجع الملك الظاهر بيبرس عن طلبه المستندات من أهل الشام، وإلا تنزع الأراضي من أيديهم. مع أن أصل الأراضي خراجية كالوقف، ومع ذلك احتمال انتقال الأراضي بوجه صحيح إلى الشاغلين كان كافياً لإقرار أصحاب الأراضي على أراضيهم عن طريق تمليك الدولة أو من آلت إليهم منها افتراضاً، فكيف إذا ثبت تمليك الدولة فعلاً للأراضي منفعة أو رقبة للشاغلين، وفق قانون مضى عليه عشرات السنين؟
ثانياً: الوصية الواجبة: صدر بها القانون 59 تاريخ 17/9/1953 ونص عليها في المادة 257 وأنها في حدود ثلث التركة ومقدمة على الوصية الاختيارية. أصلها الشرعي في قول للإمام أحمد / معجم المغني لابن قدامه ج2 ص 1021 بعنوان الوصية الواجبة، (ودائرة الفتوى بحلب عممت على المساجد نشرة بأهمية المذاهب الأربعة).
وأصلها في القرآن الكريم آية (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين)، و هي دليل النسخ الجزئي للوصية للوالدين، نسخت بآية المواريث وبقيت الوصية للأقربين، ولا أولى من أيتام مات أبوهم في حياة جدهم صاحب المال، ويدعون أولاد المحروم يأخذون حصة أبيهم على أن لا تتجاوز الثلث لأنها وصية، وقد مضى على القانون نحو خمسين عاماً يعمل به المسلمون، وكذلك المصريون قبلهم فهل يأكلون وهم عشرات الملايين من هذه الوصية حراماً؟ أوليس فيها الحرج العظيم؟
( وما جعل عليكم في الدين من حرج )
ثالثاً: رفع الحرج مقدم على قوة الدليل: ولذلك أخذ الحنفية بمذهب مالك في عـدة زوجة المفقود ص498/1 رد المحتار، وكذلك رأى ابن عابدين إجازة بيع ثمار أشجار بساتين الشام قـبل بدو أكثر صلاحها لئلا يحكم بفساد البيوع، وأن الناس يأكلون الحرام في الشام رفعاً للحرج، ولو قـوي الدليل بالحديث في النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه ص 38/39 ج4 من رد المحتار، كما رأى الاكتفاء بشاهدين لإثبات هلال رمضان وترك الجمع الغفير في حال الصحو لتعذر ذلك أمام تطاول البنيان ص93/94 ج2 منه، فكيف يحكم على ملايين المسلمين لا في الشام وحدها بأنهم يأكلون الحرام بالوصية الواجبة المعمول بها نحو خمسين عاماً في سوريا، وقبلها في مصر وغيرها، وكيف يحكم بأن المسلمين منذ نحو مائة عام في كافة ديار المسلمين إنما يأكلون الحرام في الأموال الأميرية، وقـد أجازها خليفة المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها، وهم مئات الملايين، أوليس الحرج هنا أوضح من الحرج في بساتين الشام.
إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه هو الذي جعل الغنائم في الأراضي الزراعية في مصر والشام والعراق لمصلحة عامة المسلمين بفرض الخراج عليها، ثم آلت كما حقق الكمال لبيت المال عـيناً ومنفعة تتصرف بها الدولة لمصلحة الأمة، وفي ظل ذلك صدر قانون الانتقال .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه الأمور هي محل اجتهاد، ولا ينقض اجتهاد بمثله، ولا يعقب أحد على احد في هذا الميدان، فقد اختلف فقهاء السلف في كثير من الأمور ولم يعتب أحد منهم على احد،
ورأيي في هذين الأمرين معروف للجميع، وهو أن الأراضي الأميرية وهي الأراضي التي تركها عمر رضي الله تعالى عنه ومن بعده في أيدي أهلها هي ملك لهم، وعليهم فيها الخراج، وتوزع بعد الوفاة كتوزيع سائر الأموال والأملاك، وهي غير أراضي الحوز والأراض الموات.
وأما الوصية الواجبة بعرف القانون، وهي حصة من التركة تدفع لأولاد الابن أو أولاد البنت المتوفين قبل أصلهم إذا وجد من يحجبهم عن الإرث من الأولاد، فلم يقل بها أحد من فقهاء السلف أبدا، وأتحدى من يثبت أن أحدا مننهم قال بها، والوصية الواجبة في المغني وغيره غيرها تماما، ولا يجوز حملها عليها، وقد كتبت في هذا بحوثا كثيرة يمكن الرجوع إليها في كتابي الأحوال الشخصية المقرر على طلاب الجامعة في دمشق وحلب.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.