2006-09-19 • فتوى رقم 6984
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل صحيح أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصحابة آخرين عصوا الرَّسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، حينما طلب منهم إحضار كتف ودواة ليكتب لهم كتابا يعصمهم من الضَّلالة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد أخرج البخاري برقم (114)، ومسلم برقم (1637) عن عبد الله بن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه قال :(اتئوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا من بعده). قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كناب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط قال:(قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع)، فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كتابه.
واختلف العلماء في الكتاب الذي هم بكتابته: قال الخطابي: يحتمل وجهين :
أحدهما:أنه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة، كحرب الجمل وصفين، وقيل: أراد أن يبين كتابا فيه مهمات الأحكام ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه ، ثم ظهر للنبي أن المصلحة تركه، أو أوحي إليه به.
وقال سفيان بن عيينة: أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده، حتى لا يقع منهم الاختلاف، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة رضي الله عنها: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمني ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر (أخرجه مسلم)، ومع ذلك فلم يكتب .
وقول عمر رضي الله عنه: إن رسول الله عليه الصلاة والسلام غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، قال الإمام النووي: كلام عمر رضي الله عنه هذا مع علمه وفضله، لأنه خشي أن يكتب أموراً فيعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها، لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها.
وقال البيهقي: قصد عمر رضي الله عنه التخفيف على النبي عليه الصلاة والسلام حين غلبه الوجع، ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم، وقال البيهقي: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قيل: إن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى ، وذلك كما هم في أول مرضه حين قال: وارأساه، ثم ترك الكتاب، وقال: يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم قدمه في الصلاة، وقد كان سبق منه قوله عليه السلام:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر).
وفي تركه الإنكار على عمر رضي الله عنه دليل على استصوابه.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.