2006-11-08 • فتوى رقم 8551
تقبل الله طاعتكم وكل عام وأنتم بخير
السؤال: نحن في بلد غربي، وتطرح شبهة من قبل بعض المغرضين لا نستطيع لها جواباً، وهي زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة رضي الله عنها وهي بنت سبع أو تسع، ويزعمون أن ذلك غريب جداً ولا يجوز من رجل بعمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج طفلة، فلو تكرمتم سماحتكم برد نستطيع أن نخرس به أفواه هؤلاء الحاقدين.
زادكم الله من علمه وفضله وختم لكم بالصالحات.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فأم المؤمنين عائشة عندما خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن هو أول المتقدمين لخطبتها، بل سبقه غيره، فقد ذكر بعض المؤرخين أن جبير بن المطعم بن عدي تقدم لخطبة عائشة، وعلى هذا فأم المؤمنين كانت في عمر الزواج، وكانت تطيقه فلا غرو إذاً أن يخطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي ناضجة من حيث الأنوثة ومكتملة.
ثم إن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها كان أصلاً باقتراح من خولة بنت حكيم على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لتوكيد الصلة مع أحبّ الناس إليه سيدنا أبي بكر الصدّيق، لتربطهما أيضاً برباط المصاهرة الوثيق، وهذا دليل على أنها كانت في سن زواج.
وقريشاً التي كانت تتربّص بالرسول صلى الله عليه وسلم الدوائر لتأليب الناس عليه من فجوة أو هفوة أو زلّة، لم تُدهش حين أُعلن نبأ المصاهرة بين أعزّ صاحبين وأوفى صديقين، بل استقبلته كما تستقبل أيّ أمر طبيعي، فلو أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسلَّم من السيدة عائشة أيُّ مأخذٍ في أعراف العرب وقتها لأُخِذ على النبي صلى الله عليه وسلَّم هذا الزواج، بل إن البيئة وقتها تسمح بذلك. ثم إنّ السيدة عائشة رضي الله عنها لم تكن أول صبيّة تُزفّ في تلك البيئة إلى رجل في سنّ أبيها، ولن تكون كذلك آخرهن، فقد تزوّج سيدنا عمر بن الخطّاب من بنت سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه وهو في سنّ جدّها، كما أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب عرض ابنته الشابة حفصة على سيدنا أبي بكر الصدّيق، وبينهما من فارق السنّ مثل الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها.
ولكنّ نفراً من المستشرقين يأتون بعد أكثر من ألف وأربع مائة عام من ذلك الزواج فيهدرون فروق العصر والإقليم، ويطيلون القول فيما وصفوه بأنّه الجمع الغريب بين الكهل والطفلة، ويقيسون بعين الهوى زواجاً عُقد في مكّة قبل الهجرة بما يحدث اليوم في بلاد الغرب، حيث لا تتزوّج الفتاة عادة قبل سنّ الخامسة والعشرين.
ويجب الانتباه إلى أنّ نضوج الفتاة في المناطق الحارّة مبكّر جداً، وهو في سنّ التاسعة عادة، وتتأخّر الفتاة في المناطق الباردة إلى سنّ الواحدة والعشرين كما يحدث ذلك في بعض البلاد الباردة.
وأياً ما يكون الأمر فإنّه عليه الصلاة والسلام لم يتزوّج السيدة عائشة رضي الله عنها من أجل المتعة، وهو الذي بلغ الخامسة والخمسين من عمره، وإنّما كان ذلك لتوكيد الصلة مع أحبّ الرجال إليه عن طريق المصاهرة، خاصّة بعد أن تحمّل أعباء الرسالة وأصبحت حملاً ثقيلاً على كاهله، فليس هناك مجال للتفكير بهذا الشأن.
ولو كان عليه الصلاة والسلام همّه النساء والاستمتاع بهنّ لكان فعل ذلك أيّام كان شاباً؛ حيث لا أعباء رسالة ولا أثقالها ولا شيخوخة، بل عنفوان الشباب وشهوته الكاملة.
فهذا الذي يفكر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج زوجةً في سن ابنته، هذا لا يعرف من هو النبي، فالنبي عليه الصلاة والسلام بقي مع السيدة خديجة وهي في سن أمه ربع قرنٍ ، وكان بإمكانه أن يتزوَّج أجمل فتيات مكة، فهو بعيدٌ جداً عن هذا الذي يفكِّر فيه أعداء الإسلام.
فعندما ننظر في حياته في سنّ الشباب نجد أنّه كان عازفاً عن هذا كلّه، حتّى إنّه رضي بالزواج من السيدة خديجة رضي الله عنها الطاعنة في سنّ الأربعين وهو ابن الخامسة والعشرين.
ثمّ لو كان عنده هوس بالنساء لما رضي بهذا عمراً طويلاً حتّى تُوفّيت زوجته خديجة رضي الله عنها دون أن يتزوّج عليها، ولو كان زواجه منها فلتة فهذه خديجة رضي الله عنها توفّاها الله، فبمن تزوّج بعدها؟
لقد تزوّج بعدها بسودة بنت زمعة العامرية؛ جبراً لخاطرها وأنساً لوحشتها بعد وفاة زوجها، وهي في سنّ كبير، وليس بها ما يرغّب الرجال والخطّاب، فهذا يدلّ على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده أهداف من الزواج إنسانية وتشريعية وإسلامية، ونحو ذلك، وأهم ما رغبه بعائشة رضي الله تعالى عنها بعد كل ما تقدم هو أن صغر سنها يرشحها للحياة بعده طويلا غالبا، فتحمل سنته وتنقلها إلى من يحتاج إليها بعده، وكذلك كانت، فقد بقي بيت النبوة بعد انتقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مفتوحا لكل من يسأل عن أمور دينه، فيأتي إلى بيت عائشة رضي الله تعالى عنها ويسأل عن سنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، حيث توفيت في عام 54 هجرية، أي بعد وفاته ب 44 سنة.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.