2017-07-03 • فتوى رقم 85541
ما هو دليل تدوين الأحاديث النبوية الشريفة والأخذ بها من القرآن الكريم؟ وما هو دليل من القرآن على أن إجماع الأمة على شيء فهو صحيح؟ لأنني أتناقش مع قريب لي وهو لا يعترف لا بالأحاديث ولا بالفقهاء ولا بالإجماع، ويقول: القرآن كامل مكمل، وأنا لا آخذ إلا من القرآن.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالقرآن الكريم هو المصدر الوحيد للدين الإسلامي الحنيف، وقد أمر القرآن نفسه باتباع السنة النبوية المطهرة وجعلها ميزانا يُرجع إليه في معرفة تعاليم هذا الدين، فالأخذ بالسنة ليس إلا عملا بما أمر به القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر:7]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:32]
وقال: ﴿ من يطع الرسولَ فقد أطاعَ الله﴾ [النحل: 44]، وقال : ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ [الحشر:7]، وقال: ﴿ومن يشاققِ الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ [النساء: 115]، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يشرِّع شيئاً من عند نفسه، بل سنته وحي من عند الله تعالى، قال تعالى في سورة النجم: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:3-4].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم بأقواله وأفعاله وتقريراته، فكانت سنته هي البيان والتطبيق العملي لكتاب الله تعالى.
فإنكار السنة النبوية والتبرم بها ليس إلا تبرماً بأحكام القرآن وتنصلاً من أوامره، إلا أن أعداء الإسلام لما تعذر عليهم أن يطعنوا بالقرآن الكريم (لما له من مكانة في قلوب المسلمين) وجَّهُوا سهامهم إلى السنة النبوية الشريفة؛ لأنها الضابط لفهم كتاب الله تعالى والمبيِّن لأحكامه والمفصل لها.
وقد تعلل الذين ينكرون السنة النبوية بأنه قد تسلل إليها الكثير من الأباطيل فالتبس الصحيح منها بالضعيف فلا يمكن الأخذ بها، ولو صدق قولهم هذا لكان نقضا لقول الله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ [الحشر:7] إذ كيف يعهد كتاب الله في بيان معانيه إلى سنة لم يدم نورها ولم يستمر خيرها إذ سرعان ما عاد الغموض يغشي كتاب الله تعالى بعد أن انطفأ النور الذي لا يمكن تطبيق كتاب الله إلا به، فقد آل تكليف الله تعالى إذن عباده إلى عبث، ثم آلت القدرة الربانية التي عهدت في بيان القرآن الكريم إلى السنة التي ضاعت معالمها في غمار الأباطيل والأكاذيب إلى ضعف يتنزه عنه أقوياء الناس فضلا عن رب العالمين سبحانه وتعالى، فكل من اعتذر عن التمسك بالآيات السابقة بهذه الحجة لابد أن يلتزم بهذه النتيجة التي تعود بالنقض على الإيمان بالله تعالى وكتابه.
ثم إن الواقع يشهد بنقيض هذه الحجة الواهية فما حفظ شيء بعد كتاب الله تعالى من العبث والتلاعب كالسنة النبوية المطهرة، فلقد تتابع العلماء الجهابذة في بيان الصحيح من السنة من غير الصحيح منها، وبذلوا طاقات لا تقدر في نبذ كل دخيلٍ عليها، حتى أخرجوا ركاماً كبيرا من الأحاديث الموضوعة والباطلة، مستعينين بعلمين عظيمين لم تعرفهما الأمم: علم مصطلح الحديث، وعلم الجرح والتعديل.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطورة ترك السنة المطهرة، فعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا هل عسى رجل يبْلُغُه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه. وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله)، أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.
والأدلة على حجية السنة النبوية المطهرة كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وحسبنا أن نعلم أن علماء الأمة المعتبرين أجمعوا على حجيتها من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا.
وعليه فالذي يرفض الأخذ بالسنة كمصدر للتشريع، وينكرها كلية دون تأويل خارج عن دين الإسلام.
واسأل الله لكم التوفيق.
والله تعالى أعلم.