فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة الشيخ الفقيه أحمد الحجي الكردي خبير الموسوعة الفقهية بالكويت ، وعضو هيئة الفتوى ، حفظه الله تعالى ورعاه:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فأرجو من الله تعالى أن تكونوا بخير وعافية ...
كما أرجو منكم التفضل بالإجابة على هذه الأسئلة، التي نتوخى من ورائها الفائدة العلمية والشرعية ...
محبكم: فياض العبسو
الأخ الأستاذ فياض العبسو حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فجوابا على أسئلتكم أجيب بما يلي:
ـ بداية ... حبذا لو أعطيتمونا نبذة عنكم وعن آخر أعمالكم ونتاجكم العلمي.
مختصر السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي حفظه الله ورعاه
الاسم: أحمد الحجي الكردي.
التولد: 1358هـ – حلب – الجمهورية العربية السورية.
الجنسية: عربي سوري.
العنوان الحالي: الكويت-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- ص ب /13/ الصفاة – الرمز البريدي /13..1 – هاتف وفاكس المنزل /5750153/ - هاتف وفاكس المكتب /2468395/ .
الوظيفة الحالية:
خبير في الموسوعة الفقهية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت.
الوظائف السابقة:
مأمور أوقاف الباب وتادف. من عام 1962 – 1963م
مدرس تربية إسلامية في سورية = = 1964 – 1964م
معيد في كلية الشريعة من جامعة دمشق = = 1964 – 1971م
مدرس في كلية الشريعة من جامعة دمشق = = 1971 – 1976م
أستاذ مساعد = = = = 1976 – 1981م
أستاذ في = = = = =1981 – 20001م
رئيس قسم علوم القرآن والسنة بجامعة دمشق = = 1983 – 1987م
وكيل كلية الشريعة بجامعة دمشق = = 1985 – 1987م
محاضر في جامعة حلب في سوريا = = 1982 – 1993م
محاضر في جامعة بنيغازي في ليبيا = = 1972 – 1974م
محاضر في كلية الإمام الأوزاعي ببيروت = = 1981 – 1982م
محاضر في كلية المقاصد الإسلامية ببيروت = = 1989 – 1993م
منتدب لكلية الشريعة بالكويت = = 1993 – 2001م
عضو هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية = = 1993 – إلى اليوم
عضو لجنة الفتوى ببيت الزكاة الكويتي = = 1995 - إلى اليوم
الشهادات العلمية الجامعية:
- الدكتوراه في الفقه المقارن-أحوال شخصية- من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر لعام 1970 م
- الماجستير في الفقه المقارن من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر لعام 1967م
- الماجستير في التفسير من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر لعام 1968م
- العليا في التربية من كلية التربية بجامعة الأزهر لعام 1965م
- الليسانس في الشريعة من كلية الشريعة بجامعة دمشق لعام 1963م
المؤلفات العلمية المطبوعة:
- أحكام المرأة في الفقه الإسلامي.
- بحوث في الفقه الإسلامي.
- فقه المعاوضات.
- المدخل الفقهي.
- الأحوال الشخصية(الأهلية والنيابة الشرعية والوصية والوقف والتركات).
- أحكام الوقف في الفقه الإسلامي.
- دعوى الحسبة في الفقه الإسلامي .
- الدرر الحسان في أحكام الحج على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان.
- مشكلات أسرية وعلاجها على ضوء الشريعة الإسلامية والقانون.
- بحوث وفتاوى فقهية معاصرة ج1-2.
- موجز أحكام الزكاة والنذور والكفارات في الفقه الإسلامي.
- أحكام المرضى في الفقه الإسلامي (مراجعة).
- الكفاية في الفرائض (تحقيق).
- موجز أحكام الحج والعمرة.
المقالات العلمية:
عدد من المقالات العلمية المحكَّمة وغير المحكَّمة تزيد على الخمسين مقالا، نشرت في عدد من المجلات العربية والإسلامية، منها: مجلة الوعي الإسلامي الكويتية- مجلة نهج الإسلام السورية – مجلة هدي الإسلام الأردنية – مجلة رابطة العالم الإسلامي السعودية – مجلة كلية الآداب الليبية – مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية – مجلة المحامون السورية.
الإشراف على الرسائل العلمية الجامعية:
أشرفت على عدد من الرسائل الجامعية للماجستير والدكتوراه، وشاركت في مناقشة العديد منها، في عدد من الجامعات العربية والإسلامية.
السؤال الأول: هل لكم أن تعطونا نبذة عن الموسوعة الفقهية وتاريخها ومشرفيها؟
ج1)) الموسوعة الفقهية التي أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، هي موسوعة شاملة للفقه الإسلامي بمذاهبه الأربعة: الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي، وقد بدأ العمل فيها منذ أواسط الستينات من القرن الميلادي الماضي، وتمت بفضل الله تعالى في عام 2008م، وهي تتألف من /45/ مجلدا، تحوي مجموع الفقه الإسلامي بكل أقسامه وأنواعه وبحوثه في حدود المذاهب الأربعة المذكورة، وهي مرتبة بحسب حروف الهجاء لكل مصطلح من مصطلحاتها، مما يميزها ويسهل أمر المراجعة فيها، وفيها عزو للآيات الكريمة لمواطنها من المصحف الشريف، وتخريج للأحاديث الشريفة التي استشهدت بها في بحوثها، وترجمة للأعلام من العلماء الذين ذكرت مذاهبهم وآراءهم، وقد قام بتحريرها نخبة من علماء المسلمين من شتى أنحاء المعمورة، ودققها نخبة من علماء المسلمين، فجاءت درة نادرة بين الكتب والمراجع الفقهية عامة، يحتاج إليها المختصون والعامة على سواء، كل على قدر حاجته إليها، وقد سجلت على قرص مدمج يباع بثمن زهيد يجمع جميع بحوثها ومجلداتها، وفيه قاعدة بيانات متقدمة، كما أنزلت على شبكة الإنترنت ليستفيد منها كل مسلم في كل مكان، ورمزها هو:
السؤال الثاني: بعد الانتهاء من عمل الموسوعة الفقهية، تقومون الآن كما علمنا، بعمل فتاوى شرعية، حبذا لو أعطيتمونا فكرة عن هذه الفتاوى، وإلى أين وصلتم، في هذا العمل الجليل؟
ج2)) إلى جانب عملي في الموسوعة الفقهية أسندت إليَّ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت القيام بالإجابة على فتاوى المستفتين من شتى أنحاء العالم على شبكة الإنترنت على موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت، ورمزه:
وقد بلغ عدد الفتاوى المنجزة إلى اليوم /5000/ فتوى، وتجري الإجابة على الفتاوى في هذا الموقع يوميا، وتصل الفتوى المرسلة من المستفتي إلى موقعه الذي أرسل منه فتواه في خلال يومين على الأكثر.
وذلك إلى جانب ما تقوم به هيئة الفتوى في الوزارة من الإجابة على الفتاوى الواردة إليها من كل مكان، وقد طبع أكثرها في /15/ مجلدا إلى اليوم، ولا زال الطبع مستمرا للفتاوى الجديدة.
السؤال الثالث: كثر المتصدرون للفتوى في هذا العصر ممن لم تتوفر فيهم شروط المفتي، دونما محاسبة من أحد، فوقع الناس في حيرة من أمرهم، فما ضوابط الفتوى في الشريعة الإسلامية الغراء؟
ج3)) الكلام في هذا الموضع يحتاج إلى وقت طويل وصفحات كثيرة يضيق المجال هنا عن استيعابها، ولهذا فإنني سوف أبين لكم أهم شروط الفتوى الشرعية، وهي:
(أ) الإسلام: فلا تصح فتيا الكافر.
(ب) العقل: فلا تصح فتيا المجنون.
(ج) البلوغ: فلا تصح فتيا الصغير.
(د) العدالة: فلا تصح فتيا الفاسق عند جمهور العلماء، لأن الإفتاء يتضمن الإخبار عن الحكم الشرعي، وخبر الفاسق لا يقبل، واستثنى بعضهم إفتاء الفاسق لنفسَه، لأنه يعلم صدق نفسه.
وذهب بعض الحنفية إلى أن الفاسق يصلح مفتياً، لأنه يجتهد كي لا ينسب إلى الخطأ.
وقال ابن القيم: تصح فتيا الفاسق، إلاّ أن يكون معلناً بفسقه وداعياً إلى بدعته، وذلك إذا عمّ الفسوق وغلب، لئلا تتعطل الأحكام، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح.
وأما المبتدعة، فإن كانت بدعتهم مكفّرة أو مفسقة لم تصح فتاواهم، وإلاَّ صحّتْ فيما لا يدعون فيه إلى بدعتهم، قال الخطيب البغدادي: تجوز فتاوى أهل الأهواء ومن لا نكفّره ببدعته ولا نفسّقه.
(هـ) الاجتهاد: وهو: بذل الجهد في استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المعتبرة، لقوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على اللّه مالا تعلمون}.
قال الإمام الشافعي فيما رواه عنه الخطيب: لا يحل لأحد أن يفتي في دين الله، إلاّ رجلاً عارفاً بكتاب الله: بناسخِهِ ومنسوخه، ومحْكَمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيلـه، ومكّيـه ومدنيـّه، وما أريد بـه، ويكون بعـد ذلك بصيراً بحديـث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإلاَّ فليس له أن يفتي. وهذا معنى الاجتهاد.
ونقل ابن القيّم قريباً من هذا عن الإمام أحمد.
ومفهوم هذا الشرط: أن فتيا العامّي والمقلّد الذي يفتي بقول غيره لا تصح، قال ابن القيم: وفي فتيا المقلد ثلاثة أقوال:
الأول: ما تقدم، وهو أنه لا تجوز الفتيا بالتقليد، لأنه ليس بعلم، ولأن المقلد ليس بعالم، والفتوى بغير علم حرام، قال: وهذا قول جمهور الشافعية وأكثر الحنابلة.
الثاني: أن ذلك يجوز فيما يتعلق بنفسه، فأما أن يتقلد لغيره ويفتي به فلا.
والثالث: أنه يجوز عند الحاجة وعدم العالم المجتهد، قال: وهو أصح الأقوال، وعليه العمل.
وقال ابن دقيق العيد: توقيـف الفتيا علـى حصول المجتهد يفضي إلى حـرج عظيـم، أو استرسال الخلق فـي أهوائهـم، فالمـختار أن الراوي عـن الأئمة المتقدمين إذا كان عدلاً متمكناً مـن فهم كلام الإمام، ثم حكى للمقلد قولـه فإنه يكفيه، لأن ذلك مما يغلب على ظن العامّيِّ أنه حكم الله عنده، قال: وقد انعقد الإجماع في زماننا على هذا النوع من الفتيا.
قال الزركشي: أما من شَدَا (جمع) شيئاَ من العلم فقد نُقل الإِجماع على أنه لا يحل له أن يفتي.
وليس لمن يفتي بمذهب إمام أن يفتي به إلاَّ وقد عرف دليله ووجه الاستنباط.
قال ابن القيم: لا يجوز للمقلِّد أن يفتي في دين الله بما هو مقلِّد فيه وليس على بصيرة فيه سوى أنه قول من قلَّده، هذا إجماع السلف وبه صرح الشافعي وأحمد وغيرهما.
وقـال الجويني فـي شرح الرسالة: مـن حفظ نصوص الشافعي وأقوال الناس بأسـرها، غير أنـه لا يعرف حقائقها ومعانيها لا يجـوز له أن يجتهد ويقيس، ولا يكون من أهـل الفتوى، ولو أفتى بـه لا يجوز.
والأصح عند الحنفية أن المجتهد فـي المذهب ـ مـن المشايخ الذيـن هـم أصحـاب الترجيح ـ لا يلزمه الأخـذ بقـول الإمام على الإطلاق، بـل عليه النظر في الدليـل وترجيح ما رجح عنـده دليله، فإن لـم يكـن كذلك فعليه الأخـذ بأقوال أئمـة المـذهب بترتيب التزمـوه، وليس لـه أن يختار ما شاء،
وكـذا صرح الحنفية والشافعية والحنبلية بأنه ليس له أن يتخير في مسألة ذات قولين، بل عليه أن ينظر أيهما أقرب إلى الأدلة أو قواعد مذهبه فيعمل به، قال ابن عابدين: صرح بذلك ابن حجر المكي من الشافعية ونقل الإجماع عليه، وسبقه إلى حكاية الإجماع فيه ابن الصلاح والباجي من المالكية، وإذا كان يعلم أن الصواب في قول غير إمامه وكان له اجتهاد فله أن يفتي بما ترجح عنده.
وليس للمفتي المقلد أن يفتي بالضعيف والمرجوح من الأقوال على ما صرح به الحنفية والمالكية والحنبلية، بل نقل الحصكفي أن العمل بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع، وصرح الحنفية بأن ليس للمفتي المقلد الإفتاء بالضعيف والمرجوح حتى في حق نفسه، خلافاً للمالكية الذين أجازوا له العمل بالضعيف في حق نفسه.
وما رجع عنه المجتهد من أقواله فلا يجوز للمقلّد الإفتاء به، لأنه برجوعه عنه لم يعد قولاً له، وهذا ما لم يرجحه أهل الترجيح، ومن هنا ترك القديم من أقوال الشافعي التي خالفها في الجديد، إلاّ مسائل معدودة يعمل فيها بالقديم رجحها أهل الترجيح من أئمة الشافعية، قال الإمام الشافعي: ليس في حِلٍّ من روى عني القديم
(و) جودة القريحة: ومعنى ذلك أن يكون كثير الإصابة، صحيح الاستنباط، فلا تصلح فتيا الغبي، ولا من كثر غلطه، بل يجب أن يكون بطبعه شديد الفهم لمقاصد الكلام ودلالة القرائن، صادق الحكم، وقد تقدم في كلام الشافعي: أن تكون له قريحة، قال النووي: شرط المفتي كونه فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح النظر والاستنباط، وهذا يصحح فتياه من جهتين:
الأولى: صحة أخذه للحكم من أدلته.
والثانية: صحة تطبيقه للحكم على الواقعة المسؤول عنها، فلا يغفل عن أي من الأوصاف المؤثرة في الحكم، ولا يعتقد تأثير مالا أثر له.
(ز)الفطانة والتيقظ: يشترط في المفتي أن يكون متيقظاً، قال ابن عابديـن: شرط بعضهم تيقـظ المفتي، قـال: وهذا شرط في زماننا، فلابد أن يكـون المفتي متيقظاً يعلـم حيل النـاس ودسائسهم، فإن لبعضهم مهارة في الحـيل والتزوير وقلب الكـلام وتصوير الباطل في صورة الحق، فغفلة المفتي يلـزم منها ضرر كبير فـي هـذا الزمان،
وقال ابن القيم: ينبغي للمفتي أن يكـون بصيراً بمكـر الناس وخداعهم وأحـوالهم، فـإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ، فالغِرّ يـروج عليـه زَغَل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زَغَل الـدراهم، وذو البصيرة يخـرج زَيْفَها كما يخرج الناقد زَغَل النقود، وكم من بـاطل يخرجه الرجـل بحسن لفظـه وتنميقه فـي صورة حـق، بل هذا أغلب أحوال الناس، فإن لم يكن المفتي فقيهاً في معرفة أحوال الناس تصور له المظلوم في صورة الظالم وعكسه .
ومما يتعلق بهذا ما نبه إليه بعض العلماء من أنه يشترط في المفتي أن يكون على علم بالأعراف اللفظية للمستفتي، لئلا يفهم كلامه على غير وجهه، وهذا إن كان إفتاؤه فيما يتعلق بالألفاظ، كالأيمان والإقرار ونحوها. والقرابة والصداقة والعداوة لا تؤثر في صحة الفتوى كما تؤثر في القضاء والشهادة، فيجوز أن يفتي أباه أو ابنه أو صديقه أو شريكه أو يفتي على عدوه، فالفتوى في هذا بمنزلة الرواية، لأن المفتي في حكم المخبر عن الشرع بأمر عام لا اختصاص له بشخص، ولأن الفتوى لا يرتبط بها إلزام، بخلاف حكم القاضي.
ويجوز أن يفتي نفسه، قال ابن القيم: لكن لا يجوز أن يحابي نفسه أو قريبه في الفتيا، بأن يرخص لنفسه أو قريبه، ويشدد على غيره، فإن فعل ذلك قدح في عدالته، ونقل أبو عمرو بن الصلاح عن صاحب الحاوي أن المفتي إذا نابذ في فتياه شخصاً معيناً صار خصماً، فترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته عليه إذا وقعت.
وقـد نبه الإمـام أحمـد إلـى خصال مكملة للمفتي حيث قـال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، وأن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته، والكفاية وإلا مضغه الناس، ومعرفة الناس.
السؤال الرابع: ما وصيتكم ونصيحتكم لطلاب العلم الشرعي، في هذا العصر، الذي كثرت فيه الفرق والفتن ؟
ج4)) وصيتي لشبابنا وأبنائنا طلاب العلم التزام تقوى الله تعالى أولا، والابتعاد عن المكروهات بعد الامتناع عن المحرمات، والتزام النوافل بعد أداء الفرائض في وقتها، والصلاة بجماعة في المسجد قدر الإمكان في حق الرجال، والانقطاع لطلب العلم والتفرغ له ما أمكن، وأن يقصدوا العلم لذاته لا للدنيا وبهارجها، والتوكل على الله تعالى، والتواضع للعلماء واحترامهم وعدم إعناتهم بالأسئلة المحرجة، وعدم الرد عليهم قبل النضج، وبعد النضج لا بأس بمحاورتهم بالحسنى.
السؤال الخامس: هل يجب على المسلم، اتباع مذهب معين ؟
ج5)) يفضل لطالب العلم المبتدئ أن يختار مذهبا معينا من المذاهب الأربعة يتمذهب به ويلتزمه، من غير تعصب له ولا امتهان لغيره، فإذا بزغ نجمه فيه استحب له الاطلاع على المذاهب الثلاثة الأخرى، ومحاولة فهم أدلتها ومقارنتها بعضها ببعض تحت إشراف متخصصين بهذه المذاهب، ولا بأس بعد ترجح دليل مذهب آخر غير مذهبه عنده أن يأخذ بما ترجح له، فإذا أصبح مجتهدا منع من تقليد غيره من غير ترجح دليله في نطره.
السؤال السادس: ما واجب العلماء والدعاة في مواجهة هذا الفساد المستشري في أوصال المجتمع ؟
ج6)) العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء رسل الله تعالى لإصلاح البشرية، ومن هنا تكون مهمة العلماء النظر في أحوال العامة والقادة معا، ومحاولة إرشادهم إلى ما يرضي الله تعالى ورسوله، كل منهم على قدر إمكانه، من غير توان، ومن غير إضرار، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104)، وإذا لم يكن العلماء هم هذه الأمة، فمن يكون غيرهم، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة، من غير تكبر ولا ترفع على أحد.
السؤال السابع: يسأل بعض الشباب: ما حكم النظر إلى الصور والأفلام الإباحية ؟
ج7)) النظر إلى الصور والأفلام الإباحية حرام باتفاق الفقهاء، لما يؤدي إليه ذلك من إثارة الشهوات والفتنة، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، وسواء أكانت الصور للرجال أو للنساء أيضا. فيحرم مشاهدة الأفلام المتهتكة لأنها طريق للوصول إلى الفاحشة، ولذلك حرم لما سوف يؤدي إليه غالباً، وللأضرار التي هي نتائج نتائج مشاهدتها وهي كثيرة ملموسة، وأغلبها خلقي ونفسي وتربوي واجتماعي...، ولو حل مشاهدتها لحل تصويرها، وهو من أغرب الغريب!
وعلى من تورط في ذلك التوبة مع الاستغفار والامتناع عن ذلك مستقبلاً.
السؤال الثامن: ما حكم مصافحة المرأة الأجنبية ؟
ج 8)) مصافحة الرجل الشاب للمرأة الشابة الأجنبية عنه حرام، لما فيه من الفتنة، وأباح البعض مصافحة المرأة العجوز والشاب العجوز وتقبيل أيديهما إذا أمنت الشهوة، وإلا فلا يجوز أيضا، وذلك استشفافا من قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60).
السؤال التاسع: ما حكم كشف الوجه للمرأة البالغة ؟
ج9)) يجب على المرأة الشابة الوسيمة ستر وجهها في الشارع وأمام الأجانب من الرجال، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الأحزاب:59) ، أما العجوز والشوهاء من النساء فلا بأس بأن تكشف وجهها إذا أمنت الفتنة، فإذا خيفت الفتنة وجب الستر أيضا، أخذا من قوله تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60).
السؤال العاشر: ما حكم التدخين، والنرجيلة، وتعاطي القات، والنسبة القليلة من المسكرات في بعض المشروبات، كالبيرا مثلاً ...
ج10)) التدخين والنرجيلة من المكروهات تحريما، لغلبة الظن في ضررهما الكبير على أغلب الناس، فإذا ثبت ضررهما لإنسان معين بقول طبيب مسلم عدل حرما، أما القات فحكمه منوط بما فيه من ضرر أو إسكار، فإن ثبت واحد منهما حرم، وإلا كان مباحا، وأما الشراب المسكر فحرام مهما قلت فيه المادة المسكرة، لحديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه أصحاب السنن وغيرهم.
السؤال الحادي عشر: هل يصل ثواب القرآن للأموات ؟
ج11)) أكثر الفقهاء على أن ثواب قراءة القرآن الكريم يصل إلى الأموات إذا أهداه القارئ إليهم، ولا ينقص من أجر القارئ شيء إن شاء الله تعالى، ومثل القرآن في ذلك جميع النوافل، من صلاة وصوم وصدقة و...
السؤال الثاني عشر: ما رأيكم ومدى معرفتكم بالشيخ محمد النبهان رحمه الله تعالى؟
ج12)) فضيلة المرحوم الشيخ محمد النبهان من علماء حلب وصلحائها ودعاتها إلى الله تعالى، وهو من أصحاب والدي محمد المهدي الكردي، وطلاب جدي أحمد الكردي، وقد رأيته في أول عمري في بيت جدي ثلاث مرات، ولم أره في غيرها إلا مارا في الشارع في حي البيَّاضة، وأنست منه في هذه المرات الثلاث التواضع والتقوى والرغبة في إفادة الطلاب واحتوائهم وتعليمهم، وقد ترك إرثا طيبا من السادة العلماء وطلاب العلم، ومنشأة علمية خرَّجت نخبة مختارة من الطلاب والعلماء والدعاة إلى الله تعالى، وأنتهز هذه الفرصة لأدعو الله تعالى له بالمقام العالي في الجنة، مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة والصديقين، وأن يجزيه عما قدم في الحياة الدنيا من خير خير الجزاء.
والله تعالى أعلم.
الخميس 17 جمادى الأولى 1429هـ ، و 22/5/2008م
أخوكم أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت
وأستاذ في كلية الشريعة من جامعة دمشق سابقا.
نشكر أستاذنا الفاضل وشيخنا الجليل العلامة الفقيه الدكتور أحمد الحجي الكردي، ونقول له: بارك الله في عمركم وعلمكم وهمتكم ونفع بكم المسلمين ، وجزاكم الله تعالى عن العلم وطلابه خير الجزاء.
محبكم: فياض العبسو