أسباب الخلافات الزوجية، ودوافع بعض الأزواج أو الزوجات إلى الانحراف أو الشذوذ أو الجريمة
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالزواج سنة الأنبياء، وصفة الصالحين والأتقياء، وهو طريق استمرار المجتمع والنسل، وهو اللبنة الأولى لبناء المجتمع الفاضل المتعاون على إعمار الأرض، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، وقد خلق الله تعالى في نفس كل رجل وامرأة الرغبة في الاجتماع بالجنس الآخر، ليتم هذا الاجتماع، وينتظم النسل، على ما في ذلك من مشاق ونفقات ومسؤوليات.
ولن يكون هذا الالتئام سببا لنشئ صالح إلا إذا كان التفاهم والتعاون والتواد بين الزوجين هو أساس هذه العلاقة، ومن أجل ذلك نبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الشباب والشابات إلى حسن الاختيار، فقال صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي.
فإذا راعى الشباب هذه التعليمات النبوية سعدوا في حياتهم، ونتج منهم النسل الصالح، وإذا ما قصروا في ذلك جنوا المتاعب والهموم والمشكلات والخلافات الزوجية.
وهناك صفات أخرى ألمح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إليها لكل من الجنسين عند الخطوبة، منها الكفاءة بين الزوجين، وهي تعني التقارب بينهما في كل ما تعارف الناس التقارب فيه، من السن والجمال والمال والنسب والصنعة والثقافة والمستوى الاجتماعي وغير ذلك، فإذا ما اختلت الكفاءة تبدت المشكلات بين الزوجين، وتفاقمت في كثير من الأحيان، ونتج عنها التعسر في استمرار الحياة على نسق مرض.
ولو أردنا حصر أسباب الخلافات الزوجية للاحظنا ما يلي:
1)) سوء اختيار كل من الزوجين الزوج الآخر، والتقصير في التحري عنه أثناء الخطوبة، والتسرع في الارتباط به.
2)) ضعف الوازع الديني في أحد الزوجين أو كليهما، فإن الدين عاصم من الزلل والخطأ، ومساعد على الصبر وسعة الصدر، فإذا ما كان أحد الزوجين أو كلاهما ضعيف التدين لم يمنعه ذلك من الإساءة لقرينه، أو عدم احتمال إساءته، أما المتدينون فتجد كل واحد منهم يحرص على الإحسان إلى الآخر، ويتحمل إساءاته ويصبر عليها، وبذلك تدون الحياة مستقرة بينهما.
3)) تدخل أهل الزوج أو أهل الزوجة أو كلاهما في حياة الزوجين، ومحاولة توجيههما وجهة معينة قد لا تتناسب أو لا ترضي الزوج الآخر، وقد يكون ذلك عن حسن نية أحيانا، أو عن تسلط واستبداد في أحيان أخرى ، مما يسيء إلى العلاقة بين الزوجين، ويعقدها، ويورث الخلافات بينهما بسببها.
4)) سوء أخلاق بعض الأزواج أو الزوجات إلى القدر الذي لا يمكن احتماله، ينتج ذلك غالبا عن ظروف معيشية أو صحية أو اجتماعية أو اقتصادية معينة، مما يجعل أحد الزوجين شديدا لا يطاق.
5)) إصابة أحد الزوجين بعاهة أو مرض بسب حادث أو غيره، مما يجعل الطرف الثاني غير قادر على الصبر عليه.
6)) عقم أحد الزوجين، بحيث يتعذر معه الإنجاب، فبعض الأزواج أو الزوجات يحتملون ذلك، وبعضهم لا يحتمل ولا يصبر من شدة رغبته في النسل.
وهذه الحلافات وأمثالها تظهر في الأسر كثيرا، فبعضها يستطيع الزوجان التغلب عليه، وبعضها يعجزون عن التغلب عليه، فينتهي الأمر إلى شقاق ونزاع، ثم إلى الطلاق والفراق في نهاية الأمر، إلا أن بعض الأزواج والزوجات لا يستطعن الطلاق أو لا ينتهين إليه لظروف اجتماعية أو غيرها، فينحرفن نحو الخطيئة والعلاقات المحرمة، سواء في ذلك الزوج أو الزوجة، وينتج عن ذلك تفاقم المشكلات، وربما أدى الأمر إلى الجريمة، ولهذا كان الطلاق بعد تعثر الحياة الزوجية وصعوبة استمرارها -على ما فيه من أضرار على الأسرة والأولاد- خير حل وخير نهاية تنتهي إليها الحياة الزوجية، فرارا من الخطيئة أو الجريمة، فآخر الدواء الكي كما يقولون، وقال تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً) (النساء:130)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَبْغَضُ الْحَلالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلاقُ) رواه أبو داود وابن ماجه.
والله تعالى أعلم.
الأحد 28 ذو الحجة 1428هـ و 6/1/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية
وعضو هيئة الفتوى في دولة الكويت