السؤال:
الشيخ الجليل د. أحمد الحجي الكردي
السلام عليكم
نرجو من فضيلتكم التكرم بإبداء الرأي الشرعي حول توسعة المسعى الجديدة بين الصفا والمروة
وماذا تقولون لمن منعوا هذه التوسعة؟
تحياتنا ومحبتنا
مجلة الدعوة السعودية
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمسعى ومكان الطواف ومكان الرجم ومنى ومزدلفة وعرفات وغيرها من مناسك الحج هي أمور توقيفية، فلا يجري ولا يقبل فيها القياس ولا الاجتهاد، ولا يعني هذا أن نغض الطرف عن النظر في مقتضيات المصلحة وحاجات الحجاج والعمار عندما يضيق الأمر عليهم، ولكن يجب في هذه الحال المواءمة بين توقيفية هذه المناسك وبين حاجات الناس فيها للتوسعة، فلا تهمل الحاجة مهما ضاق الأمر بالناس، ولا يتوسع في المصلحة أكثر منها، للقواعد الفقهية الكلية: (الضرورات تبيح المحظورات)، والقاعدة: (الضرورات تقدر بقدرها) والقاعدة: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة).
وعليه فأرى أن يجمع لهذا الموضوع علماء الأمة وصلحاؤها وخبراؤها من كل أنحاء العالم الإسلامي، ولا يكتفى بعلماء قطر واحد أو قطرين، ولا يكتفى بعلماء مذهب معين أو فرقة معينة من المذاهب والفرق المعتبرة شرعا، كما لا يكتفى بعلماء الدين عن خبراء الأمور الاجتماعية والعمرانية وغير ذلك مما يحتاج إليه الأمر، ثم يُعرض الأمر عليهم، وتوضح لهم المشكلات التي يعاني منها العمار والحجاج، والمتاعب التي تصيبهم من جراء محدودية مكان وزمان هذه الأماكن والشعائر، ليقترحوا الحل المناسب، بحسب خبراتهم وعلومهم، وترخصات الفقهاء المعتبرين، بتوجيه من الأدلة الشرعية، والنصوص النبوية، وما روي من فتاوى الصحابة الكرام وتصرفاتهم، ثم يؤخذ بقولهم إذا اتفقوا، وبقول جمهورهم عند الاختلاف، وعندها لن نجد مخالفة معتبرة من أحد، ولا يجوز التصرف بغير ما بينت، لخطورة الأمر.
وعلى سبيل المثال فقط أشير، إلى أن الطواف هو الدوران حول الكعبة المشرفة بشروط معينة، ولم يجز أحد من العلماء الطواف حول الكعبة من داخل الحِجر مهما كانت الدواعي، وأجاز الجميع الطواف حول الكعبة من داخل المسجد الحرام من أي مكان فيه مهما توسع بنيانه عن السابق، إذا لزم الأمر وضاق المطاف حول الكعبة مباشرة بالطائفين، ولم يجيزوا الطواف حول الكعبة المشرفة من خارج المسجد الحرام، لأنه طواف حول المسجد وليس حول الكعبة.
ومثل ذلك رمي الجمرات، فلا بد من رميها في مكانها الذي رماها فيه سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، مهما اشتد الزحام، ولا يجوز رميها في مكان آخر، ولكن لا بأس بأن يوسع الطريق المؤدي إليها، لأن النسك هو في رميها في المكان المحدد، وليس في المشي إليها في طريق معين، كما يمكن الأخذ بمذهب الشافعية ومن وافقهم في جواز تأخير الرمي في الأيام كلها إلى اليوم الرابع من أيام النحر، فترمى كلها بالترتيب عند ضيق الأمر وازدحام الحجاج في الأيام الأولى، ولا يفتى بتقديمها على مواعيدها عند الزحام لغناء الأول عنه، وأما السعي فهو المشي في طريق محدد بين هضبتين معينتين هما الصفا والمروة، بشروط معينة، فلا يجوز تغيير مكانهما ولا المشي في غير الطريق الواصلة بينهما، مهما اشتد الأمر، ولكن يمكن في حال كثرة الساعين وضيق المكان، أن ينظم الأمر بينهم ما دام ذلك ممكنا، وهو ممكن إن شاء الله تعالى، فيجعلون أفواجا منظمة وفق ترتيب معين، وهو وإن كان غير سهل ولكنه غير مستحيل، واللجوء إليه أهون من اللجوء إلى توسيع المكان وأمر الساعين في السعي في غير الطريق الذي سعى فيه سيدنا رسول صلى الله تعالى عليه وسلم.
وفي مزدلفة، وهي مكان محدد من الأرض، يجب على الحاج أن يبيت فيه ليلة العيد، فلا يجوز الخروج عليه وتوجيه الحجاج إلى المبيت في غيره من الأمكنة قبل أن تذلل العقبات فيه، ويخرج منه من المباني وغيرها كل ما يمكن الاستغناء عنه من قبل الحجاج، وإقامة مواطن للمبيت فيها طبقات بعضها فوق بعض على قدر الإمكان، فإذا فعل هذا كله وأمثاله ولم يف بالغرض، وضاق الأمر بالحجاج رغم ذلك، عندها يجري التفكير في الإذن للحجاج بالمبيت في أطرافها إذا لم يتسع لهم المبيت فيها.
وهكذا في المناسك كلها، ولا أرى جواز التسرع في الموضوع والاكتفاء بدراسات مبتسرة، وحلول سريعة يراها البعض ويرفضها عامة الفقهاء المعتبرين أو بعضهم، وبالله تعالى التوفيق،
والله تعالى أجل وأعلم.
الجمعة 5 ربيع الثاني 1429هـ و 11/4/2008م
أ.د.أحمد الحجي الكردي
خبير في الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى
في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
في دولة الكويت