حكم تأجير الأرحام
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين، ومن تبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فتأجير الأرحام أو إعارتها بغير أجر لم يكن معروفا قبل سنين قليلة، وقد عرفته البشرية بعد التقدم العلمي الكبير في نطاق الطب، حيث أمكن استبدال بعض أعضاء الإنسان بأعضاء إنسان أو حيوان آخر عند الحاجة، وربما بأعضاء صناعية أيضا في كثير من الأحيان، ثم تفتق الذهن البشري عن إمكان زرع بويضة بشرية من امرأة ملقحة بحيوان منوي من رجل في مخبار في رحم امرأة أخرى غير المرأة صاحبة البويضة، عند عدم صلاحية رحم صاحبة البويضة لقبول هذا الجنين الجديد، وقد جرب ذلك، وأدى إلى نجاح في عملية الإنجاب في كثير من الأحيان.
وفي هذا المضمار بحث كثير من علماء المسلمين في العالم عن حكم هذه الإعارة للرحم أو تأجيره، هل يجوز ذلك أو لا يجوز، فأفتى جمهورهم بعدم جواز ذلك، سواء أكان إجارة بأجر معين، أم إعارة بغير أجر، وشذ بعض أو قلة، وأفتوا بجواز ذلك، وذكروا له مبررات حسبوها أدلة شرعية، من ذلك تشبيههم تأجير الرحم أو إعارته بالرضاع، حيث أجاز الشارع الإسلامي للمرأة أن ترضع طفلا غريبا عنها فيكون كابنها رضاعا، وكذلك بذل رحمها لاحتضانه مدة الحمل، فيحل، ويكون كابنها رضاعا من حيث الحرمة، ويبقى ولدا لأصحاب البويضة والمني، إذا كانا زوجين شرعيين.
وإني وأنا أدلي بدلوي في هذا المضمار، بعد أن وجه السؤال عنه إلي، أشير بادئ ذي بدء إلى أن الموضوع اجتهادي، وليس فيه نص قاطع من الشارع بالإباحة أو التحريم، وليس فيه إجماع شرعي لا تجوز مخالفته، وفي هذه الحال لا مناص من الاجتهاد في المسألة على وفق قواعد الشرع العامة، ومثل هذا الموضوع قابل لأن يجري فيه الاختلاف بين العلماء، وهو اختلاف مأذون به في الأصل.
إلا أن الجماهير من العلماء إذا اتفقوا على حكم في مثل هذه المسألة عد المخالف لها فيه شاذا وضعيفا، وهو ما يدخل في مسألتنا هذه، حيث أفتى عامة العلماء المعاصرين المشهود لهم بالعلم والتقوى بحرمة ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا النذر اليسير، فكان ذلك معلما من معالم تحريم وتجريم هذا الفعل، وشذوذ من خالف في ذلك، وهو ما أراه وأفتي به ويرتاح له قلبي، مع ضعف بل شذوذ قول من يخالفه، لأدلة كثيرة بدت لي تفيد هذا التحريم، وترد على من يقول بخلافه، من ذلك:
1)) أن فيه إدخال مني الرجل إلى رحم امرأة أجنبية عنه لا يحل له نكاحها، سواء كانت من محارمه، كأم زوجته مثلا، أو غيرها، وهو ما لم يبحه مسلم أبدا، لشبهه بالزنا الذي حرمه الله تعالى في محكم كتابه الكريم، وجعله من الكبائر، ولا يغير الحكم أن النطفة هنا ملقحة ببويضة امرأة وليست خالية من التلقيح على خلاف الزنا، لأن ذلك فارق غير مؤثر في الحكم، كما لا يغيره أن توضع هذا النطفة في رحم زوجة أخرى للزوج، لأن فيها بويضة غريبة عنها، وهو محرم.
2)) أن فيه إدخال بويضة امرأة إلى جسم امرأة أخرى غريبة عنها، وهو نوع من الاتصال الجنسي المحرم أيضا، ولا يبيحه أحد أيضا، سواء كانت هذا المرأة هي زوجة الرجل الأخرى أو غيرها، لأن كلا من الزوجتين أجنبية عن الأخرى في ذلك، كما تقدمت الإشارة إليه.
3)) ولا حجة لمن شبَّه ذلك بالرضاع مطلقا، لأن التحريم بالرضاع ثبت على خلاف القياس، والقاعدة الأصولية المتفق عليها بين العلماء تقول: (ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس)، والقاعدة الفقهية الكلية تقول: (الأصل في الفروج التحريم حتى يقوم دليل الإباحة).
والله تعالى أعلم.
السبت 28 صفر 1428هـ و 17/3/2007م
أ.د.أحمد الحجي الكردي