الأخ الأستاذ ........ المحرر في مجلة جنيز المحترم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
فبناء على طلبكم في الإجابة على السؤال التالي:
ما رأي فضيلتكم في إنشاء معهد يعطي دورات تأهيلية للشباب المقبل على الزواج، بحيث يكون شرطا لاستخراج وثيقة الزواج والموافقة عليها مرهون بحصول الشاب على وثيقة التأهيل من المعهد بما يفيد اجتيازه لهذه الدورات بنجاح وصلاحيته لتحمل مسؤوليات الزواج (الرأي الشرعي) وبارك الله تعالى فيكم.
أجيب بما يلي:
الزواج هو أخطر منعطف يمر به الإنسان في حياته، لأنه أول بناء الأسرة، وهي اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وبمقدار ما تكون هذه اللبنة قوية متماسكة بقدر ما يكون المجتمع متعاونا وقويا.
والزواج عمليه معقدة ذات كلفة كبيرة وتحتاج إلى جهد ودربة، ولا ينجح فيها إلا الخبراء الأقوياء: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم.
فمن التكاليف المالية للزواج المهر والنفقة، ومن الحاجة إلى الدربة طرق التعامل بين الزوجين، فبعد أن كان كل منهما عضوا في أسرة بعيدا عن الثاني، ولكل أسرة تقاليدها وأعرافها وطريقة تعاملها، سوف يصبحان بالزواج أسرة منفردة عن أسرتيهما، تحتاج إلى بناء من جديد وطريق للتعامل مغايرة لطرق التعامل التي عاشا عليها، ومن هنا جاءت أهمية وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لكل من الزوجين بالتروي وعدم التسرع في اختيار الزوج الآخر، وأن يتم اختياره على أسس العقل والمنطق السليم، فنبه الشباب إلى ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) رواه البخاري ومسلم، ونبه الشابات وأوليائهن إلى ضرورة حسن الاختيار فقال صلى الله عليه وسلم : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي في سننه.
وقد كان المسلمون في السابق تتيح لهم ظروفهم أن يبدأ الزوجان حياتهما الزوجية في بيت والد الزوج، فيكون في هذه الحال لكل من والد الزوج ووالدته نصيب في رعاية الزوجين في أول زواجهما، ومساعدتهما على التأقلم مع بعضهما في أول عهد تكوين الأسرة، وفيه أيضا توفير النفقة على الزوج أيضا، حيث يكون في نفقة والده وتحت كنفه، حتى إذا ما حصل التفاهم والانسجام استقل كل منهما ببيته الذي ينفرد فيه مع زوجه، بعد أن يتم التفاهم بينهما ويكن للزوج مصدر رزق مستقل به، وفي ذلك مساعدة كبرى لهما على بدء حياتهما الأسرية على أسس متينة وقوية، تبتعد بهما عن كثير من المضايقات والمشكلات التي يتعثر فيها الآن الكثير من الأسر في أول عهدها.
ولكن ظروف المجتمع ومعطيات الحضارة الآن لم تعد تسمح بسكنى الولد مع زوجته في بيت والده، مما يقتضي انفراده مع زوجته بادئ ذي بدء في بيت مستقل، وهذا يحتاج إلى أن تسبقه دربة على المعايشة بينهما وتوفر إمكانات مالية مسبقة على قيام الأسرة، وهو ما اقتضى كثيرا من الشباب والشابات إلى تأخير زواجهما إلى زمن متأخر جدا أحيانا قد ينتهي إلى التعنس، وهو مما يعود على المجتمع بأوخم العواقب، ومما يؤدي فعلا إلى نشوء إشكالات وخلافات حادة بين الزوجين في كثير من الأحيان بسبب عدم قدرتهما على التأقلم مع بعضهما في أول عهد الأسرة أدت في كثير من الحالات إلى الفراق.
وهنا يأتي مكان دراسة المقترح الذي عرضته مجلة جنيز من عقد دورات تدريبية تتيح للشباب والشابات العازمين على الزواج دخول هذه الدورات للتدرب على التأقلم مع بعضهما قبل البدء ببناء الأسرة، ليدخل بعد ذلك كل منهما إلى قفص الزوجية وعنده من الدربة ما يكفيه لحسن التعايش مع الآخر، وبالتالي التقليل إلى حد كبير من أسباب النزاع والخلاف الذي قد ينشا بين الزوجين في أول عهدهما ببعضهما بسبب عدم النضج الأسري، وبذلك تحل هذه الدورات محل بيت الأب الذي كان يتدرب فيه الزوجان على الحياة المشتركة تحت ظل ورعاية الأبوين الخبيرين بشؤون الحياة وحسن التعايش بين الزوجين غالبا.
ومن هذه الزاوية أرى أن هذا المقترح جدير بالدراسة والاهتمام والتطبيق، إلا أنني أرى أن يجعل اختياريا يرغب الأزواج بدخوله، ولا يكون إجباريا أو شرطا لدخول قفص الزوجية كما جاء في الاقتراح، فربما كان الزوجان أو أحدهما كامل الثقافة والنباهة وحسن التعامل، ولا يحتاج إلى تدريب، وربما كان بعض الأزواج والزوجات لا يستطيع دخول هذه الدورات لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك، فيكون اشتراط الدورات في حقه للزواج شرطا تعسفيا ومجحفا ومضرا به، وهو ما لم يراعه واضع الاقتراح في نظري، ثم ربما كان للزوجين أو أحدهما خبرة سابقة في التعايش الأسري، لأنه قد خاض تجربة سابقة مع زوج آخر، وكان ناجحا فيها، ثم انحلت الزوجية بينهما بالموت أو الفراق لأسباب خارجة عن نطاق الاختلاف والشقاق وعدم القدرة على التأقلم، فيكون في تكليفهما بدخول هذه الدورات عنت وضيق وإلزام بما لا يلزم.
ولهذا كله فإنني أرى وجاهة ونجاعة الأخذ بمبدأ عقد دورات تدريبية للشباب والشابات المقبلين على الزواج، بالترغيب فيها والدعوة إليها والتشجيع عليها، وذلك بجعلها مجانية، وبالإغراء بها، وذلك بتقديم بعض الوجبات في خلالها، أو إقامة احتفالات معينة تشجع الشباب والشابات على دخولها والمشاركة فيها، دون إلزام أو إجبار عليها، لما تقدم من الأسباب، وفي هذه الحال يجب أن يدعى متخصصون في فن بناء الأسرة، من كبار العلماء والأطباء والمربين، لإلقاء محاضرات فيها، تشمل التوجيه العلمي والنفسي والطبي أيضا، لأن كثيرا من الشباب لا يفقه طرق التعايش الزوجي السليم، ويقع في أول عهده بالزواج بأخطاء قد يكون لها انعكاسات سيئة على مستقبل حياته.
وأنبه هنا إلى ضرورة أن تكون هذه الدورات ضمن الجنس الواحد، وليس فيها اختلاط بين الجنسين، فللشباب دورات خاصة بهم، وللشابات دورات خاصة بهن.
وأدعو هنا المؤسسات الخيرية والاجتماعية أن تأخذ هذا المقترح بعين الاعتبار، وتعمل على تنفيذه بطرق حضارية على الوجه المتقدم، خدمة للمجتمع والأسرة والأجيال، وفي سبيل التقليل قدر الإمكان من المشاكل الأسرية والخلافات التي قد تنشا عادة بين الأزواج في أول حياتهم الزوجية.
والله تعالى اعلم.
الأحد 20 من ذي القعدة 1427هـ و 10/12/2006م
أ.د.أحمد الحجي الكردي