جامعة دمشق
كلية التربية
الدبلوم العامة
بحوث في طرق
التدريس الخاصة
بمادة
التربية الإسلامية
التقطت من محاضرات
الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي
أثناء تدريسه لهذه المادة
العام الجامعي 1390-1391هـ
1970-1971م
أولاً: تعريفات:
التربية: في اللغة: مأخوذة من الربو وهو الزيادة والعلو، ومنه ربَّاه يربِّيه أي غذاه حيث يزيد ويعلو، وفيها معنى التعهد والرعاية مطلقا.
وهي في اصطلاح علماء التربية: الوسائل المدبرة التي يقصد بها الكبار من أفراد النوع الإنساني إعداد النشء جسمياً وعقلياً وأدبياً وذوقياً لغرض خاص يجعلونه نصب أعينهم. وكذلك الوسائل غير المدبرة التي يستفيد بها الإنسان في جسمه أو ذوقه أو عقله أو خلقه.
من هذا التعريف للتربية نعلم أن التربية تشمل جميع جوانب النفس الإنسانية الجسمية منها والعقلية والخلقية والاجتماعية والذوقية وغيرها.
ولذلك قسمها بعض الباحثين إلى أنواع عدة هي: التربية الجسمية، والتربية العقلية الخ... وذلك بحسب الموضوع الذي تعنى به التربية، ونلاحظ في هذا التعريف أيضاً أن التربية تنشأ عن زمرتين من العوامل، منها عوامل مدبَّرة مقصودة، ومنها عوامل غير مدبرة ولا مقصودة.
فالزمرة الأولى تكون فيها عوامل التربية ووسائلها مدبرة من قبل الكبار من أفراد النوع الإنساني حيال الصغار للتأثير في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم. ولإعدادهم للحياة المستقبلة.
وأهم مواطن هذا النوع من التربية هو الأسرة والمدرسة.
والمجموعة الثانية أن تكون عوامل التربية فيها غير مقصودة، وهي مجموعة العوامل التي تؤثر في نشأة الأطفال ونموهم من النواحي الجسمية والعقلية والخلقية بدون أن يكون للكبار دخل مباشر في توجيهها نحو هذه الغاية ولا في أدائها لهذه الوظائف، من ذلك البيئة الطبيعية، والعوامل الاجتماعية، والحضارية، والأمور التي يقوم بها الطفل من نفسه مدفوعاً بميوله وغرائزه الطبيعية.
والذي يعنينا الآن في دراستنا لطرق تدريس التربية الدينية هو العوامل المقصودة المدبرة دون الوسائل غير المقصودة الأخرى، فإن مكانها في مواد التربية العامة, ولذلك فإننا سوف نقتصر في دراستنا لهذه المادة على عوامل التربية المقصودة فقط.
- معنى التدريس -
لمادة درس في اللغة معنيان:
الأول: طول التقادم والانمحاء، ومنه قولهم: درست الأرض ودرست الرسوم، ودرست الكتابة – أي تقادمت وانمحت.
والثاني: الاستخلاص، ومنه قولهم: درس القمح إذا استخلص حبه من أعواده، ومنه يقال تجوزاً: درس الكتاب بمعنى قرأه، لما في هذه القراءة من استخلاص المعاني من الألفاظ والعبارات، ويقال: أدرس الكتابَ إدراساً ودرَّسه تدريساً: بمعنى جعل غيره يقرؤه ليفهمه، فالتدريس مصدر درس بهذا المعنى، والأصل فيه تعليم القراءة والفهم.
هذا هو المعنى اللغوي للتدريس، أما معناه الاصطلاحي: فهو فن يقصد به تزويد التلاميذ بالخبرات العلمية والعملية والفنية بأقوم الطرق.
والطريقة القويمة: هي التي توصل إلى الغرض في أقل وقت وبأيسر جهد من جانب المدرس والتلاميذ معاً، أو أنها الطريقة الاقتصادية التي توفر للمعلم والمتعلم معاً أعظم ما يمكن توفيره من الجهد والوقت.
- بين التربية والتدريس -
مما تقدم من تعريفات كل من التدريس والتربية نرى أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً.
فالتدريس يعني بناحية واحدة من نواحي التربية، أو بنوع واحد من أنواعها.
أما التربية فتشمل كل النواحي المتعلقة بالنفس الإنسانية، عقلية كانت أو جسمية أو ذوقية أو غيرها.
وبذلك يكون كل تدريس تربية، ولا عكس.
لكن هذا التفريق بين التدريس والتربية إنما هو نظري اعتباري لا غير، لأن الواقع المشاهد الآن أن التدريس اتسع نطاقه حتى كاد يشمل جميع أنواع التربية إن لم يكن شملها فعلاً، فمع أن الغرض الأساسي من إنشاء المدارس هو العناية بالتربية العقلية (أي تزويد التلاميذ بالعلوم والمعارف) فقد أصبح من أهم أغراض التدريس في هذه المدارس تنمية الأجسام وتقويم الأخلاق وتهذيب الأذواق وتربية الطلاب تربية اجتماعية رشيدة.
هذه حقيقة ملموسة لا تحتاج إلى برهان، وأصدق دليل على ذلك أن الوزارة المهيمنة والمنظمة والمشرفة على هذه المدارس في سورية وفي كثير من الأقطار الأخرى أصبحت تسمى الآن بوزارة التربية، بعد أن كانت تسمى في السابق بوزارة المعارف، كما تتجه الأنظار اليوم إلى تسمية رجال التعليم برجال التربية، وتسمية المعلم بالمربي.
- معنى التعليم -
التعليم هو إيصال العلم أو المعرفة إلى ذهن المتعلم بطريقة منظمة، فهو لذلك فرع من فروع التربية المقصودة، إذ يعنى بالتربية العقلية فقط دون النواحي الأخرى التي تعنى بها التربية، كالتربية الجسمية والذوقية وغيرها.
وللتعليم أركان أربعة، هي: المعلم، والمتعلم، والمادة المراد تعليمها، وطريقة التعليم.
ولكل ركن من هذه الأركان الأربعة شروط خاصة به إذا توفرت كان التعليم سليماً مثمراً كفيلاً بإيصال المعلومات إلى ذهن الطالب على النحو المرجو.
- بين التعليم والتعلم -
نتبين مما سبق أن التعليم أو التدريس فن أو عمل خاص يقوم به المعلم, أما التعلم فهو نشاط جسمي وعقلي يصل به الإنسان إلى تعديل خبراته السابقة أو اكتساب خبرات ومهارات جديدة، فهو لذلك عمل ونشاط يقوم به المتعلم.
وقد كان الاتجاه قديماً نحو الاهتمام بالتعليم، أي تزويد المتعلم بالعلوم والمعارف ولو كان موقفه من ذلك موقفاً سلبياً، أما الآن فقد بدأ الاتجاه يتحول من التعليم إلى التعلم، أي أن يكون موقف المتعلم من اكتساب العلوم والمعارف موقفاً إيجابياً، بحيث يشترك اشتراكاً فعلياً في البحث والدرس واستخلاص النتائج من المقدمات والتعاون في حل المشكلات، وليست وظيفة المعلم الآن كما كانت من قبل، وهي تلقين المتعلم العلم أو إدخال المعرفة في ذهنه، وإنما هي العمل على تهيئة الظروف والفرص الكافية التي تحمل المتعلم على اكتساب الخبرات العلمية والعملية مدفوعاً إلى ذلك بدوافع ذاتية.
ومعنى ذلك بعبارة أوضح وأدق: أن يتحمل المتعلم أعباء التعلم بنفسه، وأن يكون موقف المعلم منه موقف المرشد المهيئ للظروف المناسبة للتعليم، ومن ثم قيل: إن التعليم لا ينجح ولا يؤتي ثمراته ولا يحقق غاياته إلا إذا صحبه التعلم، ومعنى هذا أن نشاط المعلم وجهوده عرضة لأن تذهب سدى إذا لم يصحبها نشاط المتعلم الذاتي ورغبته الصادقة في التعلم.
وعلى ذلك لا يكون التعليم كاملاً بمعنى الكلمة إلا إذا أوقد المعلم في نفوس المتعلمين جذوة من الشوق والرغبة في الاستزادة من العلم والمعرفة والخبرات وعودهم تهذيب أنفسهم بأنفسهم، ودربهم على البحث العلمي الصحيح المثمر، وذلك بكل ما لديه من جهد في تجريدهم من العادات العقلية الممقوتة.
تبينا من البحوث والتعريفات السابقة أن للتربية أركاناً أربعة هي: المدرس، والتلميذ، والمادة، والطريقة، ولا يمكن أن تتم عملية تربوية مقصودة إلا إذا توافرت لها هذه الأركان الأربعة.. وبما أن التربية الدينية عملية من العمليات التربوية كان لا بد لها من توافر هذه الأركان.
ولكل من هذه الأركان شروط خاصة به لا بد من توافرها لتتم هذه العملية على الوجه المرضي، وسنذكر فيما يلي الشروط العامة لكل ركن من هذه الأركان الأربعة، مع التركيز على الشروط الخاصة بعملية التربية الدينية.
1 – المدرِّس:
الحاجة إلى المدرس: لقد شعر الناس منذ العصور القديمة بالحاجة إلى المدرسة، وهذه الحاجة ظهرت منذ انتقل النوع الإنساني من الحياة البدوية الساذجة إلى حياة التمدن المعقدة المتشعبة الأطراف التي يعجز فيها الفرد عن القيام بكل ما يحتاج إليه، فكما أن حياة الحضارة قد دعت إلى نشأة الصناعات المختلفة كذلك دعت إلى قيام صناعة التعليم، وأصبح الآباء والأمهات في حاجة إلى المعلمين والمعلمات كي يحلُّوا محلهم في تعليم أولادهم، وبذلك انتقلت مهنة التعليم تدريجياً من الوالدين إلى المعلمين، وظهرت الحاجة إلى المدرسة حينما أصبح من المستحيل الحصول على معلمين أكفاء بعدد المتعلمين.
ولقد كانت مهنة التعليم هذه في أول أمرها ساذجة جداً لا تحتاج إلى إعداد خاص، فكان المعلم يقوم بوظيفته مقتفياً آثار معلميه مقتدياً بهم.. وكانت أول طائفة قامت بالتعليم بأجر هي طائفة السفسطائيين من حكماء اليونان في عام 450 – 400 ق.م، وفي القرون الوسطى كان التدريس في أوربا يتم في الكنائس، وفي بلاد الشرق الإسلامي يتم في المساجد والمعاهد والمدارس الملحقة بها، ويعد الجامع الأزهر وجامع الزيتونة والقرويين ودار الحديث في دمشق من أقوى الأمثلة على ذلك.
ولم يكن المعلم يعنى بالبحث في مقدرة تلاميذه وميولهم الخاصة ومكونات أنفسهم بمقدار ما يعنى بإدخال المعلومات في رؤوسهم بأية طريقة ولو لم توافق طبيعتهم، ولكن لهذه القاعدة وهذه الحقيقة استثناءات كثيرة، فإن الكثير من المدارس الإسلامية كانت تلاحظ الفروق الفردية والإمكانات الخاصة لكل طالب، وسوف نتعرف على هذه النقاط في بحوث آتية.
فإذا ساء حظ المتعلم ولم يفهم ما يلقى عليه، أو فهمه ثم نسيه بسرعة، سقاه المعلم من كؤوس العذاب وصب عليه من العقاب ما أرهبه وملأ عقله الصغير بالمخاوف والآلام.
وكان المتعلم حينئذٍ يقبل على العلم بعامل الخوف من الألم، وكان الإرهاب هو الوسيلة التي يتخذها المعلم لحمله على استيعاب درسه وإساغة ما يتجرعه من الحقائق الحرة التي ينفر منها بطبعه لخروجها على مألوفه وعدم اتصالها بما قد يحتاج إليه في حياته العملية.
وفوق ذلك كله كانت شخصية المتعلم مهضومة وذائبة في شخصية المعلم، فلم يكن هناك إلا معلم، وهو الكل في الكل، وكل ما يقوله المعلم لا يقبل المناقشة، هو الآمر الناهي المسموع الكلمة، المتصرف المطلق في شؤون المتعلم الذي لم يكن عليه إلا أن يأتمر إذا أُمر ويطيع إذا سمع، ولم يكن ليزيد على الآلة المتحركة بيد أجنبية، إلا بأن له قلباً محتسباً، وعقلاً محجوراً عليه، ونفساً مكبلة بالقيود والأغلال.
وقد أتى بعد ذلك عصر إحياء العلوم، ثم تلاه عصر الحرية الشخصية، فبزغت شمس العدالة، واعترف المجتمع بحقوق الفرد وشخصيته، فكان نصيب المتعلم من ذلك وافراً.
- المبادئ الأساسية في التربية الإسلامية –
1- العناية بالشباب والنشء بصورة عامة والاهتمام به اهتماماً بالغاً، وأنه العنصر الأساس في بناء المجتمع.
فهناك أحاديث كثيرة تولي الشباب عناية بالغة، من هذه الأحاديث الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود وأحمد ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل) رواه كثيرون وفيه ضعف. ومن ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حبه للصغار ومداعبته لهم وعنايته بهم، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يحمل الحسن والحسين حتى في صلاته، وكان يتودد إلى أبناء الصحابة، من ذلك قوله إلى أحد أبناء أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) رواه البخاري، وكان قد أهدى إليه طيرا اسمه النغير، كان يداعبه فطار من بين يديه.
2- العناية بالعلم واعتباره فرض عين.
وهناك آيات وأحاديث كثيرة تجل عن الحصر تثبت ذلك، على الرغم من أن العرب كانوا أمة أمية لا تهتم بالعلم ولا توليه أية عناية، فكان الإسلام في ذلك فتحاً جديداً وطفرة لم يعرف لها العرب مثيلاً في سابق عهدهم، من ذلك قوله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: من الآية11).
3- العناية بالتربية الجسمية والخُلقية والعقلية والذوقية...
وقد سبقت التربية الإسلامية التربية الحديثة في هذا المضمار بقرون كثيرة، فقد مضى زمن طويل على أوربا في عصور الظلام تخلفت فيها أساليب التربية تخلفاً كبيراً جداً، وكانت التربية في تلك العصور قادرة على التربية العقلية دون غيرها، فلما جاءت عصور النهضة الحديثة انتبه الناس من رقادهم وبدؤوا يعنون بالتربية الجسمية والخلقية، ويعتبرون هذا النوع من التربية أساساً لا بد منه للتربية العقلية.
هذا المبدأ الجديد في التربية الحديثة قد سبق الإسلام إلى اكتشافه منذ عشرات القرون، فقد ثبت في الأثر: (العقل السليم في الجسم السليم).
4- تعميم التربية: بمعنى إتاحة فرصة التزود بالعلم لكل الناس على حد سواء، حتى يستطيع أن يأخذ كل واحد منهم من العلم ما تمكنه قدراته العقلية منه. هذا المبدأ هو من أرقى المبادئ التربوية الحديثة.
وقد سبق الإسلام إلى تقريره وتطبيقه، فقد كانت مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم - وهي كلها مجالس علم وتربية - كانت عامة لكل الناس، وكانت أبوابه مفتوحة أمام الناس جميعاً على حد سواء، وعندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصص أحد مجالسه لفئة معينة من الناس لمصلحة غالبة، واتجه نظره إلى رد عبد الله بن أم مكتوم عن هذا المجلس لمصلحة الإسلام أيضاً، عاتبه ربه على ذلك عتاباً كبيراً، قال سبحانه: (عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى) (عبس:1-2). وما ذلك إلا تقريراً لمبدأ تعميم التربية.
وكذلك كانت المساجد ودور العلم والكتاتيب والمكتبات في التاريخ الإسلامي مفتوحة أمام العلماء وطلاب العلم على سبيل المساواة.
وكذلك كانت حلقات العلماء والفقهاء مفتوحة، يأوي إليها من أراد دون شروط محددة.
5- تقديم الطعام واللباس والسكن للطلاب مجاناً:
هذا المبدأ أيضاً من أهم المبادئ التربوية الحديثة، حيث إن العلم يحتاج إلى تفرغ كامل له، وهذا التفرغ لا يستطيعه كثير من الناس لاشتغالهم بكسب القوت والإنفاق على الأهل والعيال، فكان كثير من الناس ينصرفون عن العلم والتربية للاشتغال بضروريات الحياة، مما نتج عنه قصر العلم بشكل غير مباشر على طبقة الأغنياء من الناس، وتطبيقاً لمبدأ تعميم العلم عمدت الدول الحديثة إلى ضمان الطعام والكساء والمسكن لجميع الطلاب، لتتاح الفرصة للفقراء من الناس فيستفيدوا من العلم كما استفاد الطلاب الأغنياء منه.
وهذا المبدأ سبقت إليه التربية الإسلامية وأقرته منذ عصور طويلة جداً، فلو رجعنا لتاريخ التربية الإسلامية لوجدنا كثيراً من التكايا والزوايا والأوقاف خصصت عائداتها وفتحت أبوابها لاستقبال الطلاب من كل فج وصوب دون التفات إلى جنسياتهم أو لغاتهم للإنفاق عليهم وكفالة القوت والكساء لهم ليستطيعوا متابعة العلم والمعرفة والتربية، حتى إن المؤسسات الخيرية لم تزل بقاياها إلى يومنا هذا.
6- التربية الاستقلالية في التعليم، ومراعاة الفروق الفردية:
إنه مما لا شك فيه أن الناس ليسوا على مستوى واحد من القدرة على الفهم والتأثر بأقوال وأفعال المربين، ولذلك نرى أن التربية الحديثة جنحت إلى مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين أو الطلاب، وإعطاء كل منهم ما يستطيع إساغته.
وهذا المبدأ سبقت التربية الإسلامية إلى إقراره نظرياً وعملياً، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم).
ثم إننا نرى من المؤسسات التعليمية في تاريخ التربية الإسلامية مراعاة دقيقة لهذا المبدأ، فقد كانت المساجد والحلقات ليست في مستوى واحد، بل في مستويات متعددة، فكان مسجد كذا يدرس المبادئ الأساسية، ومسجدٌ غيره يدرس علوماً أخرى مترتبة على هذه المبادئ، وهكذا كان الطالب حراً في الانتساب أو الاتصال بأي مؤسسة من هذه المؤسسات ليستطيع الاستفادة منها، وعلى ذلك كانت المطابقة بين نوع المادة المأخوذة وقدرة المتعلم على الاستفادة تكاد تكون تامة ودقيقة تماماً.
7- الحرية والمساواة في التعليم:
هذا المبدأ يعني أن لا يكون الطالب مكلفاً بمادة لا يحبها أو مقرر لا يميل إلى دراسته، ولذلك نرى أن التربية الحديثة جنحت إلى الأخذ بقسط وافر من هذا المبدأ، فقررت في كثير من مؤسساتها التعليمية تقسيم مواد الدراسة إلى نوعين: نوع يعد من المواد الأساسية التي لا بد لكل طالب من دراستها، ونوع يعد أمر اختيار دراسته وعدمها إلى الطالب، فيكون مخيراً في دراسته كلياً أو جزئياً.
وهذا المبدأ سبقت الشريعة الإسلامية التربية الحديثة إلى تقديمه، فقد كان الطالب في تاريخ التربية الإسلامية غير مقيد بدراسة مادة معينة من المواد أو مقرر محدد من المقررات يسيغه أو لا يسيغه، بل كان حراً يختار من العلوم ما يشاء ومن الفنون ما أحب واشتهى، لأن الإنسان لا يمكن له أن يبرز في مادة لا يحبها فكان من ضروب العبث إلزامه بدراسة هذه المادة ومن ضياع الوقت سدى تقريرها عليه.
ونتيجة لتطبيق هذا المبدأ في تاريخ التربية الإسلامية برز أفذاذ من الناس وبرعوا في ميدان اختصاصهم، وكان لهم السبق على غيرهم على طول عصور التاريخ فيما عكفوا عليه من العلوم.
8- نظام التعليم الفردي:
هذا المبدأ من أهم المبادئ التربوية الحديثة، وهو يعني قصر المدرس الواحد على عدد قليل من الطلاب، بحيث يستطيع أن يتعرف عليهم وعلى أخلاقهم وميولهم واستعداداتهم الخاصة، فيتسنى له أن يوائم بين المادة وبين إمكانات الطلاب واستعداداتهم الفطرية.
وقد عنيت التربية الإسلامية بهذا المبدأ عناية كبيرة جداً، وكنا نرى إلى جانب الحلقات الواسعة العامة في المساجد حلقات خاصة أخرى لفئات معينة من الطلاب، حتى إنك لتجد أن لكل عالم من العلماء نخبة خاصة من الطلاب قد لا يتجاوز عددهم في أغلب الأحيان أصابع اليد الواحدة، كان يعنى بحالهم ويهتم بأمرهم اهتماماً بالغاً، إلى جانب عدد كبير من الذين يستفيدون منه ومن علومه في الحلقات العامة.
ثم إن كان للتعليم الفردي مكانه وقيمته في عالم التربية، فإن للتعليم الجمعي قيمة أيضاً، فهو يؤمن الفائدة لأكبر عدد من الناس في أقصر وقت وأقل جهد، ولذلك نجد أن التربية الإسلامية اهتمت بالتعليم الفردي إلى جانب اهتمامها بالتعليم الجمعي.
9- ملاحظة المتفوقين من الطلاب وإشعارهم بزيادة الاهتمام.
هذا المبدأ هام جداً في عالم التربية، حيث إن الطلاب مهما حاولنا جمعهم في زمر متوازية تتوحد فيها الاستعدادات الفطرية فإننا لا يمكن أن نحصل على زمرة واحدة تتساوى فيها هذه الاستعدادات من كل وجه، ولا بد من أن نلمح بين هذه الزمرة أفراداً ازدادوا في تألقهم وذكائهم واستعدادهم، وأفراداً آخرين نزلوا عن المستوى الوسط لأفراد هذه الزمرة، وعلى المدرس أن يلاحظ هذه الفوارق، فيولي المتفوقين اهتماماً بالغاً ليستطيعوا أن يرتقوا باستعداداتهم إلى أرقى ما يمكن الوصول إليه، وعليه أيضاً أن يولي المتخلفين عن المستوى الوسط عناية خاصة أيضاً ليستطيعوا اللحاق بسائر أفراد الزمرة، فيسيروا على النهج السليم.
10- تقوية الصلة بين المدرس والطلاب، بحيث ينتقل بهم من صلة مدرسية إلى صلة أسرية، فيشعر الطلاب بأبوة المدرس، ويشعر المدرس ببنوة طلابه.
هذه الصلة ضرورية جداً لتفجير الطاقات الكامنة في نفوس الطلاب، واستغلال الاستعدادات الفطرية إلى أبعد الحدود، ومما يقوي هذه الصلة كثرة الرحلات والزيارات الخاصة المشتركة التي يقوم بها الطلاب مع أستاذهم، فإن لهذه الرحلات والزيارات أثراً كبيراً في تقوية رابطة الحب المتبادل بين المدرس وطلابه، وخاصة إذا ما استغلت هذه الرحلات والزيارات لغايات علمية، بحيث ينتقل فيها مدرس التاريخ في بحثه عن موقعة من المواقع أو حقبة من الحقب إلى رحلة علمية لمواقع تلك الوقعة أو مواطن حضارة تلك الحقبة.
وقد عرف تاريخ التربية الإسلامية هذا النوع من الرحلات والزيارات التي كان يقوم بها العلماء بصحبة طلابهم بين الفينة والفينة.
11- الاهتمام بالخطابة والمناظرة والتربية اللسانية:
هذا المبدأ ضروري للطالب، فإن الطالب هو أستاذ المستقبل، والأستاذ لا يكون أستاذاً بعلمه فقط، ولكن بقدرته على نقل هذا العلم للآخرين، ولا يمكن للإنسان ولا يتسنى له أن يعرب عما في نفسه إلا إذا قوم لسانه ومرنه على النطق الصحيح والإعراب عما في النفس إعراباً دقيقاً.
12- الإكثار من دور الكتب العامة والخاصة:
لأن الكتاب هو مصدر العلم والمعرفة، ولا يمكن الاستفادة إلا عن طريقه، وقد يحتاج الإنسان لتثقيفه إلى كتب كثيرة قد لا يستطيع تأمين ثمنها، ثم إن هناك من الكتب ما يشعر الإنسان أن حاجته إليها محدودة فلا يشتريها ولا يقتنيها، فيفقد بذلك كثيراً من العلوم والمعارف التي يحتاج إليها، والحل الوحيد لهذه المشكلة تأمين مكتبات عامة يستطيع الطلاب الاستفادة منها بالاستعارة.
وفي تاريخنا الإسلامي وفي العصر العباسي بصورة خاصة مكتبات كثيرة شاعت وعمت، أكثرها قامت الدولة بتزويدها بالكتب والمراجع، وكثير منها زودها العلماء والأغنياء عن طريق الإهداء أو الوقف.
13- فكرة الجامعات الشعبية:
في كل دول العالم المتحضرة اليوم تقوم الجامعات النظامية، هذه الجامعات تدرس فيها مواد محدودة بمقادير معينة في أزمنة منتظمة، ثم إنها لا تقبل من الطلاب إلا من استوفى شروطاً معينة في السن والمستوى الثقافي وغيرها مما تختلف الجامعات النظامية فيها توسيعاً وتضييقاً.
وعلى هذا الأساس نرى أن هناك كثيراً من الناس يتشوقون إلى التضلع في علم من العلوم، أو فن من الفنون، ولكن الجامعات النظامية لا تتسع لهم ولا تقبلهم لأن الشروط المطلوبة لهذه الجامعات لم تتوفر فيهم، أو لأن أوقاتهم لا تتوافق مع أوقات التعليم في هذه الجامعات، مما يحول بينهم وبين متابعة العلم الذي يتطلعون إليه.
وتلبية لهذه الرغبة فقد قامت نداءات كثيرة في أوربا تدعو لإقامة الجامعات الشعبية، كي تسد هذه الحاجة، وتلبي هذه الرغبة.
والجامعات الشعبية: هي مؤسسات تربوية تدرس كل المواد النظرية والعملية التي تدرس أو لا تدرس في الجامعات النظامية على مختلف مستوياتها، وتقبل جميع الطلاب والباحثين دون أي قيد أو شرط في السن أو المستوى الثقافي أو غير ذلك، ثم هي لا تخص الدراسة في وقت دون وقت آخر، بل تعممها في كل الأوقات على قدر ما يتاح لها من إمكانات مادية وعلمية، وبذلك تكون هذه الجامعات قد أمنت لكل طالب علم حيل بينه وبين الجامعات النظامية لسبب من الأسباب حق متابعة العلم.
هذه الجامعات تعد في نظر علماء التربية أرقى ما وصل إليه العالم المتحضر من مبادئ التربية، نظراً لحداثة فكرة إنشائها، وللفوائد التي استفيدت منها.
ولكننا لو رجعنا إلى تاريخ التربية الإسلامية لوجدنا أن فكرة الجامعات الشعبية كانت معروفة ومطبقة فعلاً في كل العصور الإسلامية، وما تلك المساجد والمدارس والجوامع والكتاتيب إلا جامعات شعبية، إذ تدرس فيها كل المواد والعلوم الشائعة في ذلك العصر أو تلك العصور طيلة ساعات اليوم، ولا يشترط للقبول في هذه المساجد والكتاتيب أي شرط من الشروط يتعلق بسن الطالب أو مستواه الفكري والثقافي، فكنت تجد الفقه يدرس في مسجد كذا، والحديث في مسجد كذا، والطب في المسجد الفلاني... وهكذا. وكنت تجد في المسجد الواحد عدة مدرسين، أحدهم يلقي درسه عقب صلاة الفجر، والآخر في ضحوة النهار، والثالث قبيل الظهر، والرابع بين صلاتي الظهر والعصر، والخامس بعد العصر، والسادس بعد المغرب، وآخرين بعد العشاء، وكنت تجد الطالب حديث السن إلى جانب الطالب المسن لا يجمعهما في هذا المسجد إلا رغبة أكيدة في التزود من هذا العلم.
وعلى ذلك تكون التربية الإسلامية قد سبقت التربية الحديثة المعاصرة بقرون طويلة في ابتكار هذا النوع من الجامعات وتطبيقه على أحسن وجه، فلم يبق للتربية الحديثة وعلومها أي فضل في ذلك.
14- مبدأ المساواة في التعليم:
المساواة معناها إتاحة الفرصة لكل طالب علم على أساس رغبته وقدرته على الاستفادة، فلا يفرق بين طالب وطالب على أساس المال ولا على أساس النسب ولا على أساس السن الزمني، بل تتاح الفرصة لكل الطلاب بالتساوي.
هذا المبدأ لم يكن معروفاً في أوربا في العصور الوسطى عندما كانت الكنيسة هي المتحكمة، وعندما كان رجال الدين يتمتعون بالمركز الأول في الدولة، في ذلك الزمن كان هناك مؤسسات تربوية خاصة بأبناء رجال الدين لا يجوز لغيرهم دخولها، كما أن هناك مؤسسات تربوية خاصة بأبناء الضباط والعسكريين لا يجوز لعامة الشعب دخولها، كما أن هناك مؤسسات تربوية خاصة لعامة الشعب لا يتنزل أبناء الضباط وأبناء رجال الدين إلى دخولها، فكان التعليم طبقياً كما كان المجتمع كذلك في تلك العصور.
وما أن جاءت الثورة الفرنسية حتى انقلبت الأوضاع وتغيرت المفاهيم، وبرز إلى عالم الوجود مبدأ المساواة في التعليم، فأصبحت المؤسسات التربوية مفتوحة أمام أبناء الشعب جميعاً على وجه التساوي.
هذا المبدأ - مبدأ المساواة في التعليم - يعد في عالم التربية أحد أرقى المبادئ التربوية الحديثة، ويعد فتحاً جديداً في عالم التربية.
ولو رجعنا إلى تاريخ التربية الإسلامية لوجدنا هذا المبدأ مطبقاً منذ العصور الإسلامية الأولى، فالمساجد والمكتبات والكتاتيب وكذلك كل حلقات العلم الخاصة مفتوحة أمام طلاب العلم جميعاً على التساوي، لا فرق فيها بين غني وفقير، ولا عربي وأعجمي، بل يرودها من أراد دون حاجز يمنعه من ذلك من عرق أو نسب أو لون.
هذا المبدأ - مبدأ المساواة - كان تطبيقاً لتعاليم السنة المطهرة، فقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما مؤدب ولى تعليم ثلاثة صبيان من أمتى ثم لم يعلمهم بالسوية ولم يعدل بينهم حشر يوم القيامة مع قتلة الأنفس إلى نار جهنم) تنـزيه الشريعة، وبذلك تكون التربية الإسلامية قد سبقت التربية الحديثة بعشرات القرون في إظهار هذا المبدأ الأصيل من مبادئ التربية.
في هذا الفصل استطعنا استعراض أهم المبادئ التربوية المطبقة في العصور الإسلامية، ومنها نعلم بحق أن التربية الإسلامية كانت تربية راقية جداً، تقوم على أسس ومبادئ أصيلة تعد الآن من أرقى المبادئ التربوية الحديثة، فلا غرو إذا قلنا إن التربية الإسلامية تربية أصيلة وحديثة.
- أهم الخصائص التي يجب توافرها بالمربي المتخصص بالتربية الإسلامية –
1 – أن يقصد وجه الله:
بمعنى أن يقوم المدرس بعمله انطلاقاً من وجوب التعليم عليه، فإن التعلم فرض في الإسلام وواجب من واجباته، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ) رواه ابن ماجه، والعلم لا يتحصل عادة إلا بمعلم، والقاعدة الأصولية تقول: "كل ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب"، وعلى ذلك يكون التعليم فرضاً من فروض الإسلام، وعلى ذلك أيضاً يكون ابتغاء وجه الله معناه القيام بهذا الواجب احتساباً.
ثم إن لابتغاء وجه الله تعالى في التعليم فوائد كثيرة، أهمها:
أ – بذل الجهد كاملاً في إفادة المتعلم.
ب – استغلال كل وقت ممكن لإفادة المتعلم.
جـ - زيادة الإفادة نتيجة إخلاص المعلم في مهنته، إذ الإخلاص في العمل يضفي عليه رونقاً خاصاً لا يتحصل بغيره.
وتطبيقاً لهذه الشروط قرر متقدموا الفقهاء حرمة أخذ الأجرة للمعلم على التعليم إلا لضرورة، ذلك لأن القصد لا يمكن أن يتجزأ، فإذا أبيح أخذ الأجر على التعليم كان قصد المدرس من تدريسه أخذ الأجرة فقط أو أخذ الأجرة والحصول على رضا الله معاً، وذلك هو غير قصد وجه الله تعالى، لأن قصد وجه الله تعالى لا يتحقق إلا بإفراد الأمر لله وحده.
ولكن المتأخرين من الفقهاء أباحوا للمعلم أخذ الأجرة مطلقاً - لحاجة أو لغير حاجة – استحساناً، لضمان سير التربية في طريقها الطبيعي، ذلك أن المعلمين بدؤوا ينصرفون عن التعليم والاشتغال به إلى مهن كثيرة أخرى، مما تتعطل معه مهنة التعليم، فكان ذلك ضرورة مسيغة لهذا الاستحسان.
2 – التمسك بأهداب الإسلام وسننه، لأن المعلم أسوة لطلابه:
ومبدأ التعليم بالقدوة أو بالأسوة مبدأ تربوي حديث، يوليه علماء التربية اهتماماً بالغاً، وهو في واقع الأمر مؤثر للغاية، وقد أثبتت التجارب التربوية أن الطالب الصغير بصورة خاصة يستفيد من أفعال مدرسه أكثر مما يستفيد من أقواله، لأن الأقوال يستفيدها عن طريق أذنه والأفعال يستفيدها عن طريق عينه، وما جاء عن طريق العين كان أثبت في الذهن مما جاء عن طريق الأذن، كما يذهب إلى ذلك علماء التربية، فإذا اجتمعت الحاستان معاً كان الأمر أثبت في ذهن الصبي.
والتعليم بالقدوة هو استعمال الحاستين معاً، فالمدرس الذي يأمر طلابه بأمر من الأمور يكون هو قد سبقهم إلى فعله أو ينهاهم عن أمر من الأمور يكون هو قد سبقهم إلى تركه، يكون هذا المدرس قد استعمل حاستين من حواس طلابه هما العين والأذن، وبذلك يكون الأمر أثبت في ذهنهم وأقرب إلى فهمهم.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى أهمية هذا المبدأ وهذه الصفة، فقد روي عنه r أنه قال: (وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي) رواه البخاري) وما ذلك منه إلا إشارة إلى أن المربي يكون مربياً في عمله إلى جانب قوله، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أمر الناس بشيء أو نهاهم عن شيء يأتي أهله فيقول لهم: "أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، فمن خالف منكم ضاعفت عليه العذاب".
وقد أثبتت الإحصاءات والدراسات التربوية أن المدرس الذي يخالف عمله قوله يكون قليل التأثير في طلابه وقليل الإفادة لهم، لهذا فإننا نولي هذه الصفة أهمية بالغة، ونعدها أهم صفة على المدرس أن يتحلى بها.
3 – أن يتنزه في ساعات فراغه عن امتهان المهن الحقيرة، كالحجامة والدباغة وغيرها من المهن المحتقرة في الأوساط الاجتماعية، ومعلوم أن هذا يختلف باختلاف البيئة والعصر.
هذا المبدأ هام جداً وينبغي الانتباه له، فإن المدرس هو القدوة والمثل الأعلى لطلابه دائماً، ولا شك في أن امتهان المهن الحقيرة ينزل من مكانته في أعين طلابه، وإذا حصل ذلك قلت الفائدة منه واضمحل النفع، ولذلك نجد أن التربية الحديثة تميل إلى كفاية المدرس من الناحية المادية كي يستغني تماماً عن العمل في أي مهنة لا تتناسب والعمل التربوي الذي يقوم به.
4 - أن يعتني المدرس بنظافة جسمه ومظهره.
فالمدرس هو محط أنظار طلابه، وهو المثل الأعلى لهم والقدوة الصالحة في كل تصرفاته وأفعاله، ثم هو محط تكريمهم واحترامهم، بل إنه لا يستطيع أن يكون مفيداً كل الفائدة إلا إذا تحلى بهذه الصفة.
والنظافة وحسن الهيئة ركنان من أركان اعتباره وتكريمه، فقد اعتاد الناس أن يستهينوا بالإنسان وسخ الثياب رث المنظر، ولذلك كانت النظافة وحسن المظهر صفة ضرورية من صفات المدرس.
5 – التواضع في اللباس والمسكن والمأكل والمشرب:
فإن المدرس كما ثبت هو القدوة الحسنة لطلابه وهو المثل الأعلى لهم، والإنسان لا يستطيع أن يتمثل الأشياء إلا إذا كانت في حدود إمكاناته، والطلاب قد تختلف مستوياتهم المادية، فالفقراء منهم يعجزون في زعمهم عن اللحاق بمستوى أستاذهم، وإذا حصل في نفوسهم هذا الشعور بالنقص والتخلف سبب ذلك لهم عقدة نفسية تقطعهم عن الاقتداء بالمدرسين، وتجعلهم يشعرون أن اللحاق بهم مستحيل، فلا ينتبهون إلى دروسهم ولا يستفيدون من علومهم شيئا.
وفي تاريخنا الإسلامي أمثلة كثيرة تدل على تواضع العلماء في ملابسهم ومساكنهم رغم سعة ذات يدهم، فقد كان الشافعي يقول: "ما شبعت منذ ست سنوات" رغم أنه كانت تأتيه الهدايا الكثيرة من الخلفاء والأمراء، وكان يوزعها جميعاً ولا يقيم لنفسه منها شيء، وقد قال المعري قولته الشهيرة - وهو إمام في الشعر والأدب - عندما غادر بغداد: "والله ما تركتك لو وجدت فيك رغيفاً من خبز".
6 – البعد عن التزلف للحكام:
لأن التزلف للحكام أمر مستنكر، والمربي كما أسلفنا معلم بقوله وفعله، فإذا كان متزلفاً كان الأمر على شيئين:
أ - أن يتعلم طلابه منه التزلف، وفي ذلك الطامة الكبرى.
ب – أن يحتقره طلابه لذلك، وعندها تنغلق أفهامهم وعقولهم أمام الاستفادة منه.
وفي كلا الأمرين شر مستطير.
وفي تاريخنا الإسلامي شواهد كثيرة على عزة نفوس العلماء وبعدهم عن الاتصال بالأمراء، فقد روي عن الإمام الأوزاعي رضي الله عنه قوله: "ما شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور وزيراً".
وفي سلوك الإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله تعالى خير مثل على ذلك، فقد ابتعدو عن السياسة وعن التزلف للأمراء والحكام، حتى إنهم أبوا القضاء خشية أن يقعوا في هذا التزلف، وتحملوا السجن والعذاب في سبيل ذلك.
7 – أن يقدم المدرس العلوم المفيدة على العلوم الأقل فائدة:
هذا المبدأ طبعي عقلي لأن الزمن محدود، وفعالية الطلاب وقدراتهم لها حدود أيضاً تقف عندها، ولذلك كان تقديم العلوم الأكثر فائدة يوفر للطلاب نفعاً أكثر وفائدة أكبر.
8 - تقديم الاهتمام بالعلوم الأخروية والدينية على العلوم الدنيوية:
والمقصود بالعلوم الدينية: ما كان مصححاً للعبادات مبعداً عن الوقوع في المحرمات، لأن الإنسان إنما خلق في هذه الحياة الدنيا لغاية أساسية أولى هي عبادة الله وحده، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، فكان لذلك ما فيه تصحيح العبادة أولى بالتقديم على ما فيه صلاح الدنيا.
وليس معنى هذا إهمال العلوم الدنيوية والانصراف الكامل عنها، ولكنه يعني تقديم الاهتمام بالعلوم الأخروية عليها فقط، بدليل أن الفقهاء اعتبروا العلوم الدنيوية فرضاً من فروض الكفاية إذا أهملها المسلمون جميعاً أثموا، ويدل على ذلك أيضاً ما نراه في تاريخ التربية الإسلامية من اهتمام الفقهاء بالعلوم الدنيوية بعد تحصيلهم للفقه وما يلحق به من العلوم الأخروية، حتى إن أحدهم امتنع عن تدريس الفقه بعد أن كان إماما فيه إلى أن تم له من معرفة العلوم الدنيوية قدر كبير منها، ولما سئل عن ذلك قال: "أخشى إذا تصديت للإفادة أن أسأل عن شيء من علوم الدنيا فأقول لا أدري فأسقط في عين الطلاب، فتحتجب فائدتي عنهم".
9 – أن لا يتصدى للتعليم قبل نضوجه واشتداد ساعده في محل اختصاصه، إلى جانب إلمامة بالعلوم الأخرى المنتشرة في عصره، وشهادة العلماء له بهذه الصلاحية.
فقد روي عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه قال: "من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه"، وذلك أن التدريس والتعليم إنما هو نقل للعلم من صدر الأستاذ إلى صدر التلميذ، فإذا كان الأستاذ جاهلاً أو غير ناضج في اختصاصه تعذر عليه نقل المعلومات إلى تلميذه، أو كان نقله خاطئاً ومشوشاً، وفي ذلك من الضرر ما فيه، ثم إن التلميذ لا يستطيع أن يستفيد من أستاذه شيئاً إلا إذا كان واثقاً بعلم أستاذه وخبرته فيه، فإذا كان الأستاذ جاهلاً لم تحصل هذه الثقة به في نفس التلميذ، وبالتالي يسقط من عينه وتنعدم الفائدة منه.
10 – أن يكون الأستاذ أسوة حسنة لطلابه، فيؤدبهم بعمله قبل أن يؤدبهم بقوله، لأن الأستاذ مرب، وقد قضت عادة الله سبحانه وتعالى أن يكون العمل من المؤدب أوقع في نفس المؤدب من القول.
ولذلك نرى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا أمر الناس بأمر أو نهاهم عن أمر يأتي إلى أهله فيقول لهم: "أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، فمن خالف منكم ذلك ضاعفت عليه العذاب، لأن الناس ينظرون إليكم وإلى أعمالكم".
وقد ثبت عن الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله أنه قال: "إذا أردنا أن تسلم أوربا فعلينا أن نخبرهم أننا لسنا مسلمين، لأنهم ينظرون إلى الإسلام من خلال أعمالنا".
هذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ولذلك كان ذنب القادة والعلماء أشد بكثير من ذنب العامة والجهال، فإن القائد والعالم مسؤول عن فعله وعن فعل الذين يقتدون به، وذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا) رواه ابن ماجه وغيره.
11 – أن يعز العلم ولا يذله بالذهاب إلى المتعلم في بيته، وإن كان كبير القدر.
فقد روي عن الزهري قوله: "هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم، فإن دعت ضرورة وحسنت النية فلا بأس". وقد روي عن العلماء قولهم: "العلم لا يأتي، ولكن يؤتى إليه". وينبغي أن يتنبه هنا إلى أنه ليس في ذلك مطلقاً معنى من معاني الطبقية، فإن إعزاز العلم ليس المراد منه هنا رفع طبقة العلماء على غيرهم لذواتهم، ولكن المراد منه تمكينهم من الإفادة والنفع، فإن عادة الله قضت أن لا يستفيد متعلم من عالم وهنت نفسه أو نزلت مرتبته وقل شأنه، بل إن الإفادة من العالم مرتبطة دائماً بمقدار قيمته وعلو شأنه، من ذلك ما ثبت عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كان له جبة تُقوَّم بمبلغ كبير من المال يلبسها عندما يتصدى للتدريس، فلما سئل عن ذلك أجاب: "إنما اقتنيتها لأعز بها العلم". ومن ذلك أيضاً ما ذهب إليه جمهور المتقدمين من الفقهاء إلى كراهة أخذ الأجرة على العلم من المتعلم لما فيه من المهانة والذل له.
12 – أن يتدرج مع تلامذته في العقوبة، وأن يقتصر في ذلك على حدود الضرورة.
فيبدأ بالتلميح، ثم بالتصريح، ثم بالتوبيخ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (علموا وَلاَ تُعَنِّفُوا، فَإِنَّ الْمُعَلِّمَ خَيْرٌ مِنَ الْمُتَعَبِّدِ) (إتحاف الخيرة). وقال: (ألينوا لمن تعلمون، ولمن تتعلمون منه)، وقال: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود .
وينبغي أن يتنبه هنا إلى أن العقوبة ليست مقصودة لذاتها ولا هي غاية من الغايات، بل وسيلة لتوطيد نفس المتعلم وإزاحة الستار الذي يحجبه عن التعليم كي يصل إليه العلم، ولذلك ينبغي الاقتصار فيها على حدود الضرورة، وأن لا يلجأ إليها إلا عند استنفاذ الوسائل الأخرى من تشجيع وترغيب وإغراء، كما أنه ينبغي أن لا يلجأ المعلم إلى عقوبة أشد مع التمكن من استعمال عقوبة أخف تؤمن الغاية من العقوبة، ذلك أن العقوبة تبتعد بنفس الطالب عن الاتصال بأستاذه وحبه وتقديره له، مما يقلل استفادته منه، وبذلك وجب الوقوف بها عند حدود الضرورة.
13 – أن يقيم الأستاذ بينه وبين طلابه جسراً من المحبة والود، لأن ذلك الجسر هو الطريق الطبعي لنقل المعلومات من الأستاذ إلى التلميذ، ولإقامة هذا الجسر طرق كثيرة:
منها إقامة رحلات جماعية أسبوعية أو شهرية تمتد بضع ساعات أو بضع أيام، يستطيع الأستاذ من خلالها أن يتصل اتصالاً روحياً بهؤلاء الطلاب ويندمج فيهم، وينبغي على المدرس في مثل هذه الرحلات أن يكون واحداً من طلابه يشاركهم في ألعابهم وفي أعمالهم الخاصة من صنع الطعام وغيره، ولا يتعالى عليهم بحال، فإن ذلك كفيل بإقامة ذلك الجسر بينه وبين طلابه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم - المعلم الأول - خرج مع أصحابه مرة، فلما أرادوا إعداد الطعام قال أحدهم: أنا علي ذبح الشاة، وقال آخر: أنا علي سلخها، وقال ثالث: أنا علي طبخها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا عليَّ جمع الحطب). فقال له الصحابة الأجلة: كلنا نكفيك ذلك يا رسول الله، فأجابهم بما معناه: لا، إنما أنا واحد منكم. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في الحروب، ويشارك أهله في أعمال المنزل الخاصة به.
هذه المشاركة لاشك وسيلة من وسائل الربط بين المدرس وطلابه، فينبغي الاعتماد عليها، وينبغي على المدرس أن يغتنم هذه الرحلات فيلقي فيها المعلومات بطريق مباشر أو غير مباشر بين الفينة والفينة، فإن هذه الرحلات يكون فيها الفكر صافياً نقياً مستعداً لتقبل المعلومات، ثم على المدرس في هذه الرحلات أن يحافظ على هيبته ووقاره بين طلابه، فلا يسمح لهم بامتهانه أو الضحك أو الاستهزاء ببعض تصرفاته فلا يتصرف إلا بما هو لائق ولا يأتي إلا بما هو محمود.
ومنها استضافة طلابه في بيته إذا سمحت الظروف، فإن ذلك يشعرهم بصلة خاصة به، مما يوطد الصحبة بينه وبينهم، لا أن يذهب هو إليهم، فإن ذهابه إليهم مهانة، إلا أن تقوم ظروف خاصة من صداقة قديمة أو قرابة أو رحم فإنه لا مانع منه إذ ذلك.
ومنها أن ينظر إليهم نظرة متساوية، فلا يُعير نظرات خاصة لبعضهم دون الآخرين، فإن ذلك مزرعة للحقد عليه في أنفسهم.
ومنها أن يشعر كل واحد منهم بأنه المحظيُّ عنده والمقرب إليه.
14 – أن يكون الأستاذ صادقاً مع طلابه ومع العلم الذي يقوم بتدريسه، فإذا سئل عما لا يعلم قال لا أعلم، فلا يفتيهم خطأ، فإن ذلك يزري به ويحط من مقامه ويجعل فجوة بينه وبين طلابه، وقد ثبت أن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "يا أيها الناس، من علم شيئاً فليقل به، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول: الله أعلم".
وعليه أن يكون دقيقاً في عرضه للمعلومات، فلا يذكر قاعدة إلا ويبين محترزاتها وما يستثني منها، فإن العلم أمانة، وهي تقضي بذلك، فإن المدرس إذا تساهل في بعض هذه المحرزات رغم علمه بها ثم وقف الطالب من نفسه عليها ظن في أستاذه الجهل أو عدم الدقة والتمحيص، فيسقط في ذلك من عينه وتقل استفادته منه.
وعليه أيضاً أن يكون منطقياً في عرضه للمعلومات، فيذكر الدليل بعد بيان الرأي، ويذكر التفصيل بعد بيان الأصل، ويذكر الشروط بعد بيان المشروط، لأن ذلك عامل مهم في تثبيت المعلومات في ذهن الطلاب.
15 – أن يفهم المدرس مستوى طلابه، فلا يخاطبهم إلا بما يستطيعون إساغته، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم) النهاية في غريب الحديث، ولأن الإنسان لا يستطيع أن يكتنز من المعلومات أكثر من المقدار الذي يستطيع أن يفهمه، ومن المسلمات أن الناس يتفاوتون في الذكاء والقدرة على الفهم، ولذلك فإن على المدرس أن يوائم بين المعلومات وبين مستوى الطلاب العقلي.
16 – أن يذكِّر المدرس طلابه بالمعلومات الماضية، فيستعيدها إلى أذهانهم بين الفينة والفينة، فإن ذلك مدعاة لتثبيت المعلومات ثباتاً لا زوال معه بعد ذلك.
17 – على المدرس أن يترك لطلابه فرصة للراحة بين الحين والحين، فلا يستمر معهم في إلقاء المعلومات إلا بمقدار ما يطيقون، فإذا لاحظ منهم السآمة والملل كف عنهم وتركهم يسرحون بعقولهم ويريحونها، لأن للعقول طاقة محدودة في الاستيعاب، فإذا تعبت عجزت عن الاستفادة، فيكون التعليم مع ذلك عبثاً من وجه ومضرة من وجه آخر، لما يسببه من إرهاق وإعياء يصعب على العقل أن يستعيد نشاطه بسهولة.
18 – أن يتحلى المدرس أثناء قيامه بمهمة التدريس بالصبر الطويل والصدر الواسع والخلق الكريم، لأن التدريس مهمة شاقة تحتاج إلى ذلك الصبر.
ثم إن العلم لا ينتقل من المدرس إلى طلابه - كما تقدم - إلا إذا كان بين الطلاب وأستاذهم جسر من المحبة والمودة، ولا قيام لهذا الجسر مع الخلق السيء والصدر الضيق، وقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران: من الآية159).
- كراس التحضير -
كراس التحضير: هو الذي يعد المدرس فيه مادة الدرس وينسقها على شكل يتفق وأفكار الطلاب ومستواهم العقلي من ناحية، والزمن المخصص للحصة الدرسية من ناحية أخرى.
وكراس التحضير هذا ضروري جداً للمدرس المبتدئ كما هو ضروري للمدرس القديم الممتهن، وإن كانت حاجة المبتدئ إليه أكثر من حاجة المدرس القديم.
وكراس التحضير يعنى أول ما يعنى في ترتيب المادة موضوع الدرس وتسلسلها بطريقة منطقية سهلة تتفق وأذهان الطلاب، مما يسهل عليهم إساغتها والانتفاع بها، وهو يعنى في تقسيم مراحل الدرس إلى: مقدمة، وعرض، وتطبيق، ونتيجة. ويبين الفترة الزمنية التي تحتاجها كل مرحلة من هذه المراحل، ثم يبين الطريقة التدريسية التي يجب اتباعها في كل مرحلة من هذه المراحل أيضاً، ثم يبين فيه المدرس المعلومات الجزئية التي ينبغي عرضها على الطلاب في كل مرحلة من هذه المراحل، فيوضح فيه النقاط المهمة والأسئلة التي يريد أن يوجهها إليهم، ثم التمرينات العملية التي ينبغي تعريفهم بها وتعويدهم عليها مما يثبت المادة في أذهان الطلاب.
- نموذج من كراس التحضير –
المادة: التربية الإسلامية.
الموضوع العام: تلاوة.
الموضوع الخاص: من آية........ إلى آية.
الهدف العام: إشعار الطلاب بأن هذا الكلام كلام الله.. في درس التلاوة.
الهدف الخاص: إظهار معنى الأخوة في الله، وصفات المؤمنين.
المدرسة: التاريخ:
الصف: اليوم:
الشعبة: الحصة:
متوسط سن الطلاب الزمني:
متوسط سن الطلاب العقلي:
عدد الطلاب:
مكان المدرسة: ميدان، مهاجرين، قصاع...
المرحلة |
الزمن |
الطريقة |
المــــــــــــادة |
الملاحظات |
1) مقدمة
2) العرض
3) التطبيق
4) الخاتمة |
5 دقائق
15 دقيقة
10دقائق
5 دقائق |
استجوابية
إلقائية
حوارية فعلاً
إلقائية |
س1: لتنبيه الطلاب وإثارة اهتمامهم للدرس. س2:...... إعادة قراءة النصوص من الطلاب واحداً واحداً. 1 - 2 - التركيز على النقاط الأساسية 3 - |
الانتباه إلى الطلاب ينبغي ألا يوقف الأستاذ الطالب أثناء القراءة. الأستاذ يختار الطالب الذي يريده للقراءة. أن يكون المدرس هادئاً وأن يختار الألفاظ الضخمة. |
- بعض المراجع في مادة التربية الإسلامية -
1- القرآن الكريم:
آ – في موضوع أسباب النزول:
1 – أسباب النزول للواحدي.
2 – أسباب النزول من لباب النقول للسيوطي.
ب – في موضوع التفسير:
1 – الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، فيه مقدمة في أصول التفسير.
2 – الكشاف للزمخشري.
3 – تفسير أبي السعود.
4 – تفسير الفخر الرازي.
5 – تفسير الطبري (أبو التفاسير).
6 – تفسير ابن كثير، في حكم المختصر للطبري.
7 – تفسير البيضاوي.
8 – تفسير الجلالين.
9 – التفسير الواضح: للحجازي.
جـ - في فن التجويد:
1- الدر الحسان في تجويد القرآن: نجيب خياطة.
2- كفاية المريد في أحكم التجويد: نجيب خياطة.
3- فن التجويد: للدعاس.
4- فن الترتيل: للصباغ.
- في علوم القرآن:
1- البرهان للزركشي.
2- الإتقان للسيوطي.
3- مناهل العرفان: للزقاني.
4- القرآن المجيد: لدروزة.
5- جمع القرآن: للشيخ عبد الوهاب غزلان.
6- المصاحف: للشهرستاني.
7- مباحث في علوم القرآن: للدكتور صبحي الصالح.
8- كتاب: من روائع القرآن: للدكتور البوطي.
د - في آيات الأحكام:
1- أحكام القرآن لابن العربي.
2- أحكام القرآن للجصاص.
3- تفسير آيات الأحكام: للسايس.
2- في الحديث الشريف:
أ- بالنسبة للمتون:
كتب خاصة: كتب السنة الستة.
- مسند الإمام أحمد.
- موطأ الإمام مالك.
- سنن ابن ماجه.
- مصنف ابن أبي شيبة.
- سنن البيهقي.
- معاجم الطبراني.
- جامع مسانيد أبي حنيفة.
- الآثار: للإمام محمد ولأبي يوسف.
- كتاب الجامع للأصول: يضم الكتب الستة، وله شرح هو التاج.
- مجمع الزوائد: للهيثمي.
- كنز العمال: للزيلعي.
- الترغيب والترهيب: للمنذري.
- رياض الصالحين: للنووي.
- كشف الخفاء: للعجلوني.
- الجامع الصغير: للسيوطي.
- التجريد الصريح: للزبيدي.
ب - بالنسبة للشروح:
- شروح الكتب الستة، ومنها: شروح البخاري: فتح الباري، عمدة القاري: للبدر العيني، شرح الزبيدي.
- فيض القدير: للمناوي.
جـ – بالنسبة للمصطلح:
- مقدمة ابن الصلاح.
- متن البيقونية: شرح عبد الله سراج الدين.
- الباعث الحثيث: لابن كثير، بتحقيق: أحمد شاكر.
- مقدمة النووي لشرح الإمام مسلم.
- رسالة الدكتوراه للدكتور عجاج الخطيب.
- نخبة الفكر لابن حجر.
د – أحاديث الأحكام:
- نيل الأوطار: للشوكاني.
- سبل السلام: للصنعاني.
هـ – كتب التخريج:
- نصب الراية: للزيلعي.
- مختصر لابن حجر: الدراية تلخيص نصب الراية.
- التلخيص الحبير: لابن حجر.
- معاني الآثار: للطحاوي.
و – فن الجرح والتعديل في الرجال:
- كتب ابن حجر: تهذيب التهذيب.
تقريب التهذيب.
لسان الميزان.
تعجيل المنفعة.
الإصابة.
- ميزان الاعتدال: للذهبي.
- تذكرة الحفاظ: للذهبي.
- التاريخ الكبير: للبخاري. ما زاد على الصحيح.
ز- تاريخ السنة:
- أضواء حول السنة، الحديث والمحدثون: محمد أبو زهوا.
- المدخل لعلوم السنة: للدكتور الدواليبي.
- السنة ومكانتها: للسباعي.
- السنة قبل التدوين: للدكتور عجاج الخطيب.
3- كتب المعاجم:
- المعجم المفهرس لألفاظ الحديث: المستشرقون.
- مفتاح كنوز السنة: تعريب فؤاد عبد الباقي.
- المرشد لأحاديث سنن الترمذي.
- كتب في الأحاديث الموضوعة: اللآلئ المصنوعة: للسيوطي.
- كتب في الرجال:
- الأعلام: للزركلي.
- الطبقات: لابن سعد.
- صفة الصفوة: لابن الجوزي.
- تاريخ بغداد: للذهبي.
- وفيات الأعيان: لابن خلكان.
- الأنساب: للسمعاني.
- الديباج المذهب: لابن فرحون.
- طبقات الشافعية: للسبكي.
- طبقات الحنفية: الدرر المضية.
4- كتب السيرة:
- السيرة الحلبية: لبرهان الدين الحلبي.
- سيرة ابن هشام. والتهذيب: لعبد السلام هارون.
- سيرة ابن كثير: السيرة النبوية.
- كتاب عصر المأمون.
- الشفا: للقاضي عياض.
- كتاب حياة محمد: لمحمد حسين هيكل.
- كتاب محمد صلى الله عليه وسلم: لمحمد رضا.
- نور اليقين: للخضري.
- فقه السيرة: للغزالي.
- فقه السيرة: للدكتور البوطي.
- في منزل الوحي: لحسين هيكل.
5- كتب الفقه:
- كتب الفقه العام:
- المغني: لابن قدامه.
- الشرح الكبير: لابن قدامه.
- المجموع: للنووي.
- بداية المجتهد: لابن رشد الحفيد.
- بدائع الصنائع: للكاساني.
- المحلى: لابن حزم.
- الموسوعة الإسلامية: طبع الكويت.
- موسوعة جمال عبد الناصر: لم تكمل.
- كتب فقه المذهب الحنفي:
- بداية المبتدي للمرغيناني.
- الهداية: للمرغيناني.
لها عدة شروح، أهمها: فتح القدير لكمال بن الهمام.
- كتاب الزيلعي على الكنز.
- كتاب المبسوط: للسرخسي، شرح الكافي.
- كتاب الدر المختار: للحصكفي.
- رد المحتار: لابن عابدين.
- كتاب اللباب: للميداني، شرح الكتاب للقدوري.
- تحفة الفقهاء: للسمرقندي.
- كتاب الاختيار لتعليل المختار: للموصلي.
- كتب الفتاوى:
- الفتاوى الهندية لمجموعة من علماء الهند.
- الفتاوى المهدية.
- الفتاوى الحامدية: لابن عابدين.
- كتب الفقه الشافعي:
- متن المنهاج للنووي، وله عدة شروح:
- مغني المحتاج: للشربيني.
- نهاية المحتاج: للرملي.
- تحفة المحتاج: لابن حجر.
- المهذب: للشيرازي. وشرحه: المجموع.
- الأم: للشافعي: متن المزني.
- كتب الفقه المالكي:
- المدونة الكبرى: للإمام مالك.
- مختصر خليل، وله شروح:
- مواهب الجليل: للخطاب.
- منح الجليل: لحمزة.
- الشرح الكبير: للدردير. وعلى الشرح:
- حاشية الدسوقي.
- شرح الخرشي على مختصر خليل.
- كتاب القوانين الفقهية: لابن جزيء.
- كتب الفقه الحنبلي:
- متن الخرقي.
- متن المقنع.
ويدور حولهما: - المغتي والشرح الكبير: لابن قدامه.
- كشاف القناع على متن الإقناع للبهوتي.
- تصحيح الفروع: للمرداوي.
- كتب خاصة بالسياسة الشرعية:
- الأحكام السلطانية: لأبي يعلى.
- الأحكام السلطانية: للماوردي.
- القواعد الشرعية: لابن رجب.
- الطرق الحكمية: لابن القيم.
- السياسة الشرعية: لابن تيمية.
6- معاجم اللغة:
- القاموس: للفيروز آبادى، وشرحه للزبيدي.
- لسان العرب: لابن منظور.
- كتاب الصحاح: للجوهري، ومختار الصحاح: للرازي.
- المصباح المنير: للرافعي، في فقه الشافعية.
- المغرب - تلميذ الزمخشري - في الفقه الحنفي.
- مفردات الراغب الأصفهاني.
- غريب القرآن: للسجستاني.
- النهاية: لابن الأثير، في غريب الحديث.
7- التاريخ الإسلامي العام:
- البداية والنهاية: لابن كثير، تاريخ ابن كثير.
- تاريخ الطبري.
- تاريخ ابن عساكر.
- تاريخ ابن خلدون.
- العقيدة: نشأتها، وأثرها على النفس والتصرفات -
الإنسان عندما يولد من الناحية الجسمية تولد معه غرائز، وهذه الغرائز هي أمور فطرية غير مكتسبة تكوِّن حياة الإنسان النفسية، وهي أمور فطرية قابلة للتأقلم والتكيف بتأثير الحياة الطبيعية والاجتماعية التي يستعد الإنسان لخوضها والاتصال بها.
وهي متعددة وكثيرة اختلف العلماء في عددها، فمنهم من ذهب إلى أنها ثلاثة أصلية وغيرها فرع عنها، هي غريزة حب الخير وغريزة حب الشر وغريزة الأبوة.
ولا يهمنا الاختلاف في العدد، وإنما يهمنا أنها تولد مع الإنسان وتشكل حياته النفسية.
وهذه الغرائز هي ملكات خام قابلة للتأثر والتحول بتأثير البيئة التي يعيش فيها الإنسان، طبيعية كانت أو اجتماعية، والإنسان منذ ولادته يتصل بالبيئة الطبيعية أو الاجتماعية جبراً عنه، فهو يتصل بأمه أول ما يتصل، كما يتصل بأبيه وإخوته، ويتصل بالبيئة الطبيعية، أيضاً فيستنشق الهواء ويتناول الغذاء منها، وغير ذلك، ولذلك فإن الغرائز لالتصاقها بالبيئة تتأثر وتتركز وتتأقلم وتتحول إلى عواطف.
والفرق بين الغريزة والعاطفة: أن الغريزة شيء خام، والعاطفة غريزة مركزة متصلة بالبيئة، فالعواطف إنما هي غرائز مركزة، كغريزة الحب مثلاً تكون حباً عاماً غير متركز في شخص أو شيء، فتصبح بعد تأثرها بالبيئة حباً للوالدين، أو الغذاء، أو الشيء الجميل، أو الشيء الحلو، أو غير ذلك.
ولذلك نرى أن الغريزة الواحدة ينشأ عنها عواطف كثيرة تجل عن الحصر، تملأ حياة الإنسان النفسية التي يتسع نطاقها يوماً بعد يوم كلما تقدمت السن بالطفل وزاد تأثره بالبيئة.
هذه العواطف تكثر وتتعدد وتتنافر في كثير من الأحياء وتتضارب مصالحها، فغريزة حب المال تتنافر أحياناً مع غريزة حب الولد، مثال ذلك: إنسان يحب ابنه كثيراً وهذا الحب يدفعه دون شك للمحافظة عليه والعناية به، فإذا مرض هذا الولد مرضاً شديداً احتاج معه إلى شيء من الدواء، وكانت عاطفة حب المال قد تركزت في نفس هذا الوالد، فإن عاطفة حب الولد وعاطفة حب المال سوف تتنافران في نفسه ولا بد، فعاطفة حب الولد تدعوه لبذل المال في سبيل المحافظة على الولد، وعاطفة حب المال تدعوه لعدم بذل أي شيء من المال محافظة عليه، وسوف ينتهي الحال إلى أحد أمرين: الأمر الأول: أن تتساوى هاتان العاطفتان في القوة، فيبقى الصراع بينهما مستمراً إلى غير نهاية، فينتج عن ذلك اضطراب دائم في الحياة النفسية لهذا الوالد، والأمر الثاني: أن تتغلب إحدى هاتين العاطفتين على الأخرى فتحكمها وتسيطر عليها وتوجه الحياة النفسية لهذا الوالد وفقاً لها، فإذا تغلبت عاطفة حب الولد وضعفت عاطفة حب المال استطاع هذا الوالد أن ينفق على ابنه من المال ما يكفي لرفع المرض عنه، وإذا تغلبت عاطفة حب المال على عاطفة حب الولد جنح هذا الوالد إلى الاحتفاظ بماله والاستهانة التامة بحياة ابنه وراحته.
ففي الحالة الأولى: يعم الاضطراب حياة هذا الوالد ولا يرى الهدوء والاستقرار في حياته أبداً، وهو في ذلك نموذج صادق لحياة الملحدين (بمعنى غير المعتقدين بشيء) من الناحية النفسية.
وأما الحالة الثانية: فهي تمثل حالة الإنسان المعتقد الذي تغلبت إحدى عواطفه على العواطف الأخرى وطبعتها بطابعها وحكمتها بحكمها، هذا الإنسان يسمى الإنسان المعتقد، وهو إنسان هادئ ومتزن ينظر دائماً إلى الأمور بمنظار العاطفة الغالبة، هذه العاطفة يمكن أن نسميها العقيدة.
مراحل تكوين العقيدة:
العقيدة كما بينا: هي العاطفة المهيمنة والمسيطرة على حياة الإنسان النفسية، وكل ما تحويه من عواطف متعددة، ولتكوُّن هذه العقيدة مراحل ثلاث، هي:
أولاً: مرحلة الطفولة والبيت والتوجيه الأسري: إن الإنسان وهو صغير يتصل بأسرته، ونعني بالأسرة: الأشخاص الذين يقع عليهم نظر الطفل أول ما يقع، ويحتاج إليهم في طعامه وشرابه وحاجاته الخاصة أول ما يحتاج، سواء كانوا أماً أو أباً أو إخوة أو غيرهم.
فإن هذا العامل أقوى العوامل المؤثرة في نشوء العقيدة، لأنه يرافقها منذ نشوئها الأول، حيث تنتقل من غريزة إلى عاطفة، ولذلك نرى المصلحين الاجتماعيين يهتمون أكثر ما يهتمون بتربية الأسرة، وصدق حافظ حيث يقول:
الأم مدرسة إذا عددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وقد أكد هذا المعنى الإسلام في أكثر من نص من نصوصه، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم ، فإن ذلك يشير إلى أن العمل الأول والتوجيه الأول يثبت في النفس ويتركز فيها ويصعب بعد ذلك نزعه منها.
ولا شك في أن الأسرة بكل ما تتضمنه من أفكار وتقاليد وأعمال هي أول ما تتفتح عين الطفل عليه وتتأثر به، ولذلك نرى النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الوالدين بتعويد الطفل على الصلاة بأمره بها وهو ابن سبع، وضربه على تركها وهو ابن عشر، حتى إن الوالدين يأثمان إذا تركا أمر الولد بذلك في السن المبكرة، وما ذلك الإثم إلا لأنهما قصرا في حق الطفل بعدم العمل على تركيز العقيدة في قلبه في أحسن وقت وأنسبه لتركيزها في نفسه.
والإنسان يستفيد من أسرته عن طريق التأسي أكثر مما يستفيد عن طريق الأمر والنهي، لأن مرحلة الصغر والطفولة هي مرحلة فطرة وبراءة، والإنسان البريء يقتنع بكل ما حوله للمرة الأولى، ولا يستطيع أن يوفق بين المتناقضات، لأن التوفيق بينها يحتاج إلى إدراك عميق، وهو غير متوفر لدى الطفل في هذه المرحلة، ولذلك فإن الطفل ينظر إلى والديه وأسرته نظرة تأسٍّ، فالخير عنده ما يفعلانه والشر ما يبتعدان عنه، سواء كان ذلك لفظاً أو عملاً، فإذا خالف لفظهما عملهما وقع الولد في ارتباك، أيصدق اللفظ أم يصدق العمل؟! هذه الحيرة والارتباك يحتاج في حله إلى فكر ثاقب وفهم كامل، والطفل كما قلنا يفتقد ذلك، فيبقى في حيرته وارتباكه أو يقع فريسة لظروف أخرى وعوامل أخرى غير الأسرة تجعله يرجح أحد ذينك على الآخر، وقد تكون تلك العوامل غير سليمة، فيكون ترجيحه خاطئاً وغير سليم.
ثانياً: مرحلة المراهقة والمدرسة: عندما يبلغ الطفل مرحلة التمييز يبدأ بتطلعات إلى عالم أوسع من عالم الأسرة، فقد كانت مدركاته في المرحلة الأولى بسيطة للغاية، محدودة في نطاق الوالدين والإخوة في الغالب، منهم يستمد توجيهاته ومدركاته، ولا يرى في نفسه أي حاجة إلى ما هو أوسع من هذا النطاق.
ولكن عندما يصل إلى مرتبة التمييز، تتسع مداركه وتكثر متطلبات نفسه، وينمو فيه حب الاستطلاع، ويشغف بمعرفة كل ما حوله، ولا شك أن الأسرة تقصر في كثير من الأحيان عن تلبية هذه الحاجات التي نمت في نفس هذا الطفل، مما يضطر الطفل إلى الاتجاه إلى المدرسة بكليته، والانصراف إليها انصرافاً كاملاً، والاعتماد عليها في تحقيق كل هذه التطلعات والمتطلبات، والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الرجوع إلى الأسرة في تفسير وتحليل وإشباع هذه الرغبات.
ومن هنا يبدأ دور المدرسة والمدرس بصورة خاصة، لأن المدرسة تعني المدرس، وكل العادات والأعراف التي يقوم عليها المجتمع المدرسي، وتحل المدرسة في هذا الدور محل البيت في توجيه الطفل وتثبيت الأفكار والعقيدة في نفسه.
وينبغي الانتباه هنا إلى أن الطفل عندما ينتقل من مرحلة البيت إلى مرحلة المدرسة، لا يتم هذا الانتقال في نفسه في يوم واحد، ولكنه يتم في زمن يطول ويقصر بحسب الاستعداد الخاص للطفل، فهو يدخل في مرحلة المدرسة ويبدأ بالاتصال بها والاتجاه إليها باستقاء المعلومات وهو متصل بأسرته يستقي منها التوجيهات ولما ينقطع عنها بعد، ولذلك فإن على المدرسة أن تستفيد من هذه الصلة بالأسرة فتوجهه إلى الخير عن طريقها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ولا يجوز لها بحال أن تقطعه عنها أو تهمل استغلال هذه الصلة نظراً لفاعليتها وأثرها في نفس الطفل.
ولذلك نرى علماء التربية يتجهون إلى الاعتماد على فكرة مجلس الآباء والأمهات، وهي فكرة تقوم على أساس دعوة آباء وأمهات وأولياء الأطفال إلى المدرسة للتشاور معهم في مشاكل الأطفال وتوجيههم نحو الدور الذي يجب عليهم أن يتبعوه في توجيه الأطفال وتربيتهم.
والمدرس هو أب ثان للطفل، يقوم مقام أبيه الحقيقي في نفسه، بل إن تأثيره في نفس الطفل أوقع من تأثير الأب في هذه المرحلة، حيث إن الطفل يبدأ بالنظر إلى أبيه نظرة تشكك، فيضع كل ما يسمعه أو يراه منه موضع دراسة ونظر، أما ما يقوله الأستاذ فهو موضع ثقته الكامل، وكثيراً ما نرى التلاميذ يرجعون إلى مدرسيهم في الحكم على ما رأوه أو سمعوه من آبائهم.
ولذلك فإن مسؤولية المدرسة عن عقيدة الطفل وأخلاقه مسؤولية كبرى في هذه المرحلة، وقد عني بها المسلمون سابقاً ويعنى بها المربون الآن كل العناية، ويركزون عليها كل الجهود، يلاحظ ذلك في الأموال الضخمة التي تخصصها الحكومات والمؤسسات للتربية والتعليم، فإنها تعادل ربع الميزانيات العامة في بعض البلدان النامية، وفي ذلك إشارة واضحة الدلالة إلى مدى الاعتناء بالمدارس والمؤسسات التعليمية عامة.
والمدرسة في اصطلاحنا هنا تشمل المعلم والجهاز الإداري بكامله والمنهج التعليمي، كما تشمل المجتمع المدرسي بما يحويه ويضمه من عادات وأعراف وأفكار وطلاب، ولكل جزء من أجزاء المدرسة أثره الواضح في تثبيت وتوجيه عقيدة الطفل، ولكن للمعلم القدح المعلَّى في ذلك والمركز الرئيس فيه، حتى إن المثل الإنكليزي يقول: (أعطني مدرساً ولا تعطني منهاجاً) فإن المدرِّس هو العنصر الفعال في نفس الطفل مباشرة، لصلته الوثيقة به، وفي كل أجزاء وعناصر المدرسة الأخرى نظراً لهيمنته عليها، فهو موجه مباشر للطفل من ناحية أنه مدرس، وموجه غير مباشر له أيضاً من ناحية أنه العنصر الفعال في توجيه أجزاء المدرسة الأخرى.
ولذلك نرى أن الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي عنيا عناية فائقة في إعداد المدرسين والمؤدبين، وقد تقدم معنا في أول هذه الدراسة نبذة عن الصفات التي يجب توافرها في المدرس ليستطيع أن يقوم بواجبه، كما تقدم معنا نبذة عن اهتمام المسلمين الأوائل في إعداد المعلمين والمربين.
وكذلك الاهتمام كبير في العصر الحاضر، فإن علماء التربية يجعلون المدرس في أول عناصر التربية في هذه المرحلة من سن الطفل.
ثالثاً: مرحلة البلوغ والمجتمع: إذا بلغ الطفل سن الرشد وهو سن تمام الملكات والقدرات العقلية، وهو يختلف باختلاف البيئات والأزمان فإذا بلغها الطفل كمل نماء جسمه ثم نضج عقله، وعند ذلك يبدأ يشعر بأن المدرسة أضيق من أن تفي بمتطلباته العقلية والنفسية، فيبدأ بالتشوق إلى ما هو أوسع منها وأكثر غناء، كما يبدأ يشعر بأن ما تقدمه المدرسة له محل نظر ودراسة وليس من المسلمات كما كان يعتقد في المرحلة الثانية التي قبل البلوغ، ولذلك نراه في أول هذه المرحلة يبدأ بكثرة النقاش لمدرِّسه وزملائه، كما يبدأ ينتقد العادات والأعراف التي تبتني عليها المدرسة ويقوم عليها مجتمعه.
في هذه المرحلة ينفلت الإنسان غالباً من الارتباط وقبول التوجيهات واستقاء المعلومات من المدرسة والبيت، إلى الاعتماد على تفكيره الخاص وإدراكه النوعي، فيصبح العقل البشري هو مصدر التوجيه في هذه النفس ومصدر التثبيت للأفكار فيها.
والعقل البشري هذا تتفاعل في إعداده وتنميته على وجه معين عوامل كثيرة، بعضها فطري وبعضها مكتسب، وأهم تلك العوامل هي:
أولاً: الذكاء: فقد اتفق علماء التربية على أن الذكاء عنصر من عناصر الإدراك الفطري الثابت الذي لا يتأثر بتأثر العوامل الأخرى، وأكثرهم على أن الذكاء ثابت لا يزيد ولا ينقص مهما تغيرت العوامل، طبيعية كانت أو اجتماعية. وإن كان لهذه العوامل أثر في جلائه وتمكينه من تثبيت كيانه وإظهار نفسه.
ثانياً: الأسرة والمدرسة: بما تقدمانه من أقوال وأفعال، فإن للمدرسة والأسرة تأثيراً في تكوين العقل لدى الإنسان، ذلك العقل الذي هو المنطلق في التربية وتثبيت العقيدة لدى هذا الإنسان.
وبذلك يكون للمدرسة والأسرة على الطفل في هذه المرحلة تأثير جديد يغاير ما كان لهما من تأثير عليه قبل هذه المرحلة، فقد كان تأثيرهما عليه مباشراً أما الآن فتأثيرهما عليه غير مباشر، إذ إن الطفل في هذه المرحلة يأخذ ما يرد إليه عن طريقهما على أنه شيء يحتاج إلى فكر وتدبر ومناقشة، فإذا اقتنع به تأثر به وإذا لم يقتنع به طرحه وكأنه لم يكن، أما في المرحلتين السابقتين على البلوغ فإنه يأخذ ما يرد إليه على أنه مسلم.
ثالثاً: البيئة الطبيعية: للبيئة الطبيعية - بما في ذلك الأرض والنبات وكل أنواع التغذية - أثر غير مباشر في تربية الطفل في مرحلة البلوغ، ذلك أن فكر الإنسان ناتج عن الهواء الذي يتنفسه والغذاء الذي يأكله والماء الذي يشربه، وطبعي بعد ذلك أن ينضج فكره ويتأثر بطبيعة ونوعية هذه العناصر الطبيعية التي عملت وساعدت في تكوين فكره، ولذلك نجد فروقاً كبيرة في التفكير والتعقل والتصور للأمور، وبالتالي في العقيدة والسلوك، بين سكان السهول وسكان الجبال، وبين سكان الصحارى وسكن ضفاف الأنهار.
رابعاً: البيئة الاجتماعية: ونعني بذلك المجتمع الكبير الذي يعيش الإنسان في وسطه، بكل ما يضمه ويتألف منه من ضيق واتساع وعادات وأعراف ورقي وتخلف واستغلال أو تبعية.
خاتمة:
تبين معنا أن الإنسان يمر في تكوين عقيدته وترسيخ عاداته في مراحل ثلاث، هي: مرحلة الطفولة، ومرحلة المراهقة أو التمييز، ومرحلة البلوغ أو الرشد.
وأن المرحلة الأولى: يعتمد فيها الطفل اعتماداً كلياً في عقيدته ومعلوماته على الأسرة، ولذلك أكد علماء التربية على العناية بالأسرة وتوجيهها توجيهاً حكيماً تستطيع به أن تقوم بواجبها كاملاً نحو الطفل.
وأن المرحلة الثانية: يعتمد فيها الطفل اعتماداً رئيس
اً على المدرسة دون أن ينقطع كلياً عن الأسرة، ولذلك نرى أن علماء التربية يولون المدرسة في هذه المرحلة عناية فائقة لتستطيع أن تقوم بواجبها على الوجه الأكمل.
وأن المرحلة الثالثة: يعتمد فيها الطفل في تثبيت عقيدته واستقاء معلوماته على عقله وفكره، ورأينا أن للفكر عوامل مكونة كثيرة بعضها فطري وبعضها مكتسب، فما كان فطرياً منها لا يمكن التحكم به ولا التأثير عليه كالذكاء، وأما ما كان مكتسباً فإنه يمكن التحكم به والسيطرة عليه كالبيئة الاجتماعية، ولذلك نرى أن علماء التربية يولون المجتمع عناية فائقة ويدرسونه دراسة عميقة، حتى إن منهم من تخصص في هذه الدراسة وأقام لها علماً قائماً بذاته سمي علم الاجتماع، ولكن لما كانت العناصر المؤثرة في الفكر والعقل بعضها مقدور عليه وبعضها غير مقدور عليه كانت هذه المرحلة محفوفة بالمخاطر وغير مضمونة العواقب، بخلاف المرحلتين الأولى والثانية، فإنهما مقدور على التصرف فيهما وتكييفها بالجملة.
ومن هنا نستطيع أن نفهم معنى مسؤولية الوالدين والمربين أمام الله تعالى عن تقصيرهما في تربية الطفل في المرحلتين الأولى والثانية، دون المرحلة الثالثة.
هذه أهم موضوعات العقيدة الإسلامية، ولكل منها هدف خاص هو تثبيتها في الذهن عن طريق الاقتناع المنطقي وتركيزها في النفس عن طريق الإحساس العاطفي.
ولذلك فإن على المدرس تحقيقاً لهذا الهدف أن يوجه اهتمامه إلى العقول والعواطف معاً، فالعقل يتلقى العلم والعاطفة تختزنه، ولا يجوز بحال أن يفرد اهتمامه إلى واحد منهما، لأن مناجاة العقل وحده تنتقل بالعقيدة التي إنما هي عاطفة إلى حيز المادية الجوفاء فتخرجها عن كنهها، ولا يجوز له أن يركز اهتمامه على العاطفة وحدها، لأنها تخرج العقيدة عن كنهها المنطقي إلى الجو العاطفي الخرافي.
مراحل سير الدرس في مادة العقيدة:
مادة العقيدة كغيرها من مواد التربية الإسلامية الأخرى، وكغيرها من مواد التدريس، في كل المواد تحتاج إلى طريقة مثلى تصل بها إلى ذهن الطالب من أقرب الطرق وبأسهل الوسائل وبأقل جهد.
ولذلك فإن على المدرس أن يتبع المراحل الآتية:
أولاً: مرحلة المقدمة أو التمهيد: على المدرس في هذه المرحلة أن لا يطيل الكلام ويأخذ من الوقت أكثر من خمس دقائق، ويحسن به أن يبدأ هذه المرحلة بمشكلة واقعية يفترضها المدرس، تثير اهتمام الطلاب وتحفزهم إلى الانتباه والتفاعل مع موضوع الدرس.
ففي موضوع إثبات وجود الله تعالى يستطيع المدرس أن يذكر للطلاب أنه سمع زميلاً له يقول: خرجت من البيت البارحة وكان الجو ممطراً يكثر فيه الهواء، فإذا بوريقات كثيرة تأتي من هنا وهناك، وإذا بقلم يأتي لوحده فيكتب على الورقات أو على إحداها قصيدة شعرية.
يذكر المدرس هذه المشكلة ويلفت النظر إلى أن هذه القصة نالت إعجابه وتساؤله، ونزلت من نفسه منزلة الشك والريب، ثم ينتهي إلى استنطاق الطلاب بأن هذا الأمر مستحيل، وأن صديقه كان كاذباً في أخباره.
إذا سمع المدرس من طلابه هذا الجواب أكد لهم أن صديقه يكذب في كثير من أموره، وأنه لا يصدقه في أكثر حديثه.
ثم ينطلق المدرس من استغراب الطلاب ورفضهم لقبول هذه القصة إلى مرحلة العرض، ويحسن بالمدرس في هذه المرحلة أن يبدأها بطريقة استجوابية، فيقول للطلاب في موضوع إثبات وجود الله مثلاً: لماذا لم تصدقوا أن القلم كتب لوحده على الورقة ؟ ويحاول أن يكرر السؤال ويعيده على أكثر من واحد، ويجمع أجوبة الطلاب كلها وينتقل إلى طريقة حوارية يجعل فيه بعض الطلاب يناقش بعضهم الآخر فيما توصلوا إليه من إجابات. ثم ينتقل إلى الطريقة الإخبارية فيبلور فيها إجابات الطلاب كلها وينسقها، في عرض يقدمه للطلاب يجلي أمامهم الموضوع على وجهه الصحيح بعد أن عملت عقولهم في إنضاجه، وبذلك يكون قد أتم مرحلة العرض.
فينتقل بهم بعد ذلك إلى مرحلة التطبيق فيسألهم: ما دام الله موجوداً، فلماذا لا نراه؟ ويحاول أن يذلل الإجابة لهم، فإذا أحسنوا الجواب وقالوا له إن كثيراً من الأمور التي نؤمن بها لا نراها، وليس ضرورياً للإيمان بوجود الشيء أن نراه، بل إن وجود آثار الشيء كاف للدلالة على وجوده، مثل الهواء والكهرباء وغيرها، فإننا نؤمن بها ولا نراها، فإذا لم يستطيع الطلاب التوصل إلى هذا المعنى علم المدرس أن الهدف الخاص من هذا الموضوع لم يتحقق بعد، ولذلك فإن عليه أن يعود إلى مرحلة العرض ويستمر في الطريقة الاستجوابية والحوارية والإخبارية حتى يطمئن إلى تحقق الهدف.
فإذا تحقق الهدف واستساغ الطلاب بعقلهم وعواطفهم معنى وجود الله تعالى انتقل إلى النتيجة، وهي عودة لتقرير حقيقة وجود الله بكلمات موجزة جزلة معبرة، يكون لها رنين في آذان الطلاب لا ينسوه أبداً، كأن يقول لهم مثلاً: الله موجود وهو واجب الوجود.
موضوع درس التلاوة:
التلاوة: المقصود بها قراءة كتاب الله على وجهه الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو رجعنا إلى التاريخ الإسلامي لرأينا أن الصحابة رضوان الله عليهم قد ضبطوا القرآن الكريم بكلماته وحروفه وإعرابه ولهجته التي خرج بها من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظوه على هذا الوجه بدقة لم تتسن لكتاب غيره من كتب الله تعالى، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).
وتحقيقاً لهذا الضبط أقام العلماء علماً خاصاً يسمى علم التجويد يعنى بوضع القواعد التي تضمن سلامة القراءة ومطابقتها للطريقة التي صدرت بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فبينوا مخارج الحروف وأطوالها، والمدود ومقاديرها، وحكم التقاء الحروف ببعضها عندما تكون بعيدة المخارج، إلى غير ذلك من القواعد والأسس المشروحة في كتب التجويد.
ولذلك فإن الهدف العام من موضوع التلاوة إنما هو تعويد الطلاب على قراءة القرآن على هدي هذه القواعد.
والهدف الخاص من كل موضوع من موضوعات هذه المادة إنما هو تحفيظ الطلاب القاعدة موضوع البحث، وتمرين ألسنتهم على تطبيقها في قراءتهم للقرآن الكريم.
وتضم هذه المادة موضوعات كثيرة، أهمها:
أولاً: حكم الاستعاذة والبسملة.
ثانياً: حكم المدود وأنواعها.
ثالثاً: حكم التقاء الحروف المتنافرة وطريقة النطق بها، من إدغام وإخفاء وإظهار وإقلاب.
إلى غير ذلك من الموضوعات المشروحة في كتب التجويد.
ولنأخذ مثلاً على ذلك موضوع الإدغام:
- الهدف العام للمادة: إنما هو تطويع ألسنة الطلاب على النطق بالقرآن الكريم على الطريقة المثلى التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيقاً لهذا الهدف فإن على المدرس أن يشعر الطلاب كلما وقعوا في لحن أو خطأ أن في هذا الخطأ مجافاة للقراءة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- الهدف الخاص: هو الهدف النوعي المراد من موضوع الإدغام، وهو بيان معنى الإدغام وحكمه وطريقته والحروف التي يجب إدغامها، ثم تطويع ألسنة الطلاب وتمرينها على النطق به، حتى يصبح ذلك عادة لهم لا يسعهم تركها.
- مراحل تدريس موضوع الإدغام:
(1) مرحلة التمهيد: يحسن بالمدرس في هذا الموضوع أن يورد على أذهان الطلاب قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما وجد أعرابياً يقرأ في صلاته على طريقة تخالف الطريقة التي سمع بها عمر هذه الآيات من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه القصة تثير دون شك لدى الطلاب تساؤلات كثيرة عن سبب فعلة عمر واستنكاره، كما أنها تثبت في أذهانهم أن مناط الصحة في التلاوة إنما هو قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) مرحلة العرض: ينتقل المدرس من هذه القصة ليوضح للطلاب أن العلماء ضبطوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بقواعد أوضحوها في كتبهم، من هذه القواعد ما نحن بصدده اليوم، ثم يبين لهم معنى الإدغام بطريقة إلقائية، ويَعُد لهم حروفه ويحاول أن يحفظهم إياها عن طريق جمعها في كلمة واحدة، وهي حروف كلمة "يرملون" لأن ذلك أوقع في نفوسهم وأسهل لحفظهم، ثم يورد المدرس على الطلاب أمثلة يقرأ فيها الإدغام على وجهه الصحيح، ويحاول أن يقرأ بعض الأمثلة على وجه خاطئ ليستثير انتباه الطلاب ويشعرهم بمعنى الإدغام إشعاراً محسوساً، فإذا لم ينتبه الطلاب لخطئه نبههم هو عليه، بعد ذلك ينتهي إلى مرحلة التطبيق.
(3) مرحلة التطبيق: في هذه المرحلة يحاول المدرس أن يكلف أكبر عدد ممكن من الطلاب أن يقرؤوا بعض آيات من القرآن، ويلفت أنظار باقي الطلاب الذين يستمعون لزميلهم أثناء تلاوته أن يعدوا أخطاءه التي يقع فيها في موضوع الإدغام، وبعد انتهاء الطالب من تلاوة الآيات التي كلف بها - وتحسن أن تكون قصيرة لا تزيد عن آيتين أو ثلاثة - يتيح المدرس المحاورة الهادئة بين الطالب المخطئ وبين زملائه واحداً واحداً ليناقشوه في الأخطاء التي سقط فيها.
بعد ذلك يحاول المدرس أن يقرأ قراءة نموذجية على الطلاب تثبت في أذهانهم أحكام الإدغام وطريقة النطق بها، وإذا حاول أن يخطئ مرة أو مرتين في الإدغام كان ذلك حسناً، بشرط أن يكون خطؤه واضحاً يقف عنده قليلاً إشارة إلى الطلاب وحفزاً لأذهانهم على التعرف على مواطن الخطأ.
فإذا انتهى المدرس من هذه المرحلة واطمأن إلى أن الطلاب فهموا الموضوع وروضوا ألسنتهم عليه انتقل إلى الخاتمة، بأن يعيد على أذهانهم حروف الإدغام، وأن الإدغام خاص بأحكام النون الساكنة والتنوين.
موضوع التفسير:
تمهيد: المراد بالتفسير هو توضيح معاني كتاب الله سبحانه وتعالى، فإن القرآن أنزل بلسان عربي أصيل لا يفهمه إلا من تمرس في هذا اللسان، ولما كان كثير من الناس ينحطون في سلامة لغتهم عن المستوى الرفيع الذي نزل به القرآن الكريم فإنهم يحتاجون إلى من يوضح لهم المعاني السامية التي تضمنها اللفظ المعجز بلغتهم السهلة البسيطة، وبذلك نعلم أن قصورهم عن إدراك معاني القرآن الكريم ليس قصوراً في القرآن ولكنه قصور فيهم هم.
ولذلك فإن علينا أن نرتقي بأفهامهم إلى مستوى فهم القرآن الكريم، بتثقيفها وتهذيبها وتعويدها على النطق الصحيح والفهم الصحيح.
الهدف العام من موضوع التفسير: هو وصل الطالب أو ذهنه بالمعاني التي جاء بها القرآن الكريم ، وذلك عن طريق تهذيب ذهن الطالب وتمرين فكره على الفهم الصحيح، وتقريب معاني القرآن إليه عن طريق توضيحها بألفاظ يألفها.
الهدف الخاص: هو بيان معنى الآيات موضوع التفسير، ودلالة الألفاظ عليها بالاستعانة بسياق الآية وسباقها، وبالألفاظ المرادفة أو القريبة من ألفاظ الآية الكريمة.
مراحل سير درس التفسير:
أولاً: مرحلة التمهيد أو المقدمة: ويحسن أن تكون عبارة عن كتابة الآيات على السبورة، ثم ذكر قصة ترتبط بمعنى هذه الآيات.
ولنضرب لذلك مثلاً: تفسير قوله تعالى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنعام:72) ، فيحسن بالمدرس أن يبدأ المقدمة في تفسير هذه الآية بقوله: رأيت البارحة صديقاً لي أمر ابنه أن يشتري له خبزاً من السوق، فلم يستجب الولد لأمر أبيه، فضربه لذلك ضرباً شديداً، ما رأيكم في هذا الولد: هل هو ولد يستحق التكريم، أم يستحق العقاب؟ ثم ينتظر المدرس الإجابة من الطلاب، ولا شك أنها ستكون بأن هذا الولد يستحق العقاب لمخالفة الأمر.
عند ذلك ينتقل المدرس إلى مرحلة العرض ببيان كلمة أقيموا، وأنها صيغة أمر وأن الأمر للوجوب، ومخالفته يترتب عليها الإثم والعقاب.
ثم يضع خطاً تحت كلمة "أقيموا"، وتحت كلمة "الصلاة"، وتحت كلمة "آمنوا"، ويسأل الطلاب عن معنى كل من هذه الكلمات بطريفة استجوابية، ويعاونهم في الإجابة إذا جاءت منهم ناقصة.
فإذا اطمأن إلى أن الطلاب عرفوا معناها تماماً انتقل إلى الطريقة الإلقائية، فبين لهم أن هذه الآية تتضمن خطاباً من الله تعالى للمؤمنين، ولا يشمل هذا الخطاب غير المؤمنين، لأنه... إلى آخر ما في هذه الآية من معنى.
ثالثاً: مرحلة التطبيق: بعد ذلك ينتقل المدرس إلى مرحلة التطبيق، فيسألهم عن سبب العقاب بترك الصلاة، وعن معنى تخصيص الأمر بالمؤمنين، وعن معنى أمر الله بإقامة الصلاة لا بالصلاة، فإذا استطاعوا الإجابة على ذلك كله اطمأن المدرس إلى أن الطلاب فهموا المادة على الوجه الأكمل، وإذا لم يستطع الطلاب الإجابة على أسئلته عاد ثانية إلى مرحلة العرض، فاستعمل الإلقاء والاستجواب معاً لتقرير الإجابة على هذه الأسئلة.
رابعاً: مرحلة النتيجة أو التلخيص: يقرر فيها المدرس أن المعنى العام للآية هو الأمر بإقامة الصلاة.
والله تعالى أعلم.